بقلم:عباس الصباغ
فالسيادة اذن مخترقة من الخارج والداخل، وكلا الامرين يشوبهما الوهن، الامر الذي سهّل التجاوزات المستمرة ضد القواعد الاجنبية المرابطة في العراق وهو نتيجة مباشرة للسلاح المنفلت من قبل الفصائل التي تمتلك المبادرة في توجيه تلك الضربات، ولطالما عدّها الخطاب الحكومي بالخارجة عن القانون...
بالرغم من ان المادة الاولى من الدستور العراقي الدائم تؤكد على مفهوم السيادة: (جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة)، مازال الجدل يحتدم حول مفهوم السيادة العراقية كلما تكررت الاعتداءات السافرة من قبل بعض دول الجوار على الاراضي الوطنية ولأسباب لا علاقة لها بالعراق وهي شأن داخلي يخص تلك الدول.
وفي الحقيقة التي لايختلف عليها اثنان ان الحديث عن السيادة هو حديث متشعّب ومركّب كون السيادة ثيمة وركن اساس من اركان الدولة وبها تتشكل القيمة القانونية والاعتبارية لها وبدونها تغدو بقية الاركان (السكان والاقليم والحكومة والاعتراف الدولي والاستقلال) مجرد أقانيم لاقيمة لها في حال انتهاك السيادة او الغائها.
لكن الوضع الجيوسياسي المحيط بالعراق لايعترف بهذه الحقيقة لان عبارة (ذات سيادة كاملة) تخص اللغة القانونية التي كتب به الدستور، اما في الواقع فان السيادة مازالت منتهكة خارجيا وداخليا، فعلى المستوى الخارجي هو استمرار الانتهاكات والخروقات (عدم احترام) من قبل بعض دول الجوار وخاصة ايران وتركيا اللتين لهما حساسية ضد منظمات مناوئة لهما والتي تسبب تهديدا لأمنهما القومي بحسب ادعاء المسؤولين فيهما في وقت تتجاوزان على امننا القومي بانتهاك السيادة العراقية، مع استمرار مطالبة الحكومة العراقية بمعالجة الموضوع وطرد هذه المنظمات وتطهير التراب الوطني منها (وهذا يحتاج الى حشد دولي وسياسي).
تضاف اليهما امريكا بانتهاكها المستمر للسيادة العراقية كونها تستهدف مقرات الحشد الشعبي وقواتنا الامنية ونحن بانتظار نتائج المباحثات التي ستسفر عن "احتمال" خروج القوات الاجنبية (ومعها قوات الاحتلال الامريكي من العراق إن كانت جادة في ذلك وقد تمهّد الطريق لجدول زمني بشأن "الخفض التدريجي" لعديد القوات الأجنبية المنتشرة على أراضيها)، وهؤلاء (الثلاثة) يتعكزون على هشاشة الدولة العراقية ورخاوة خاصرتها الامنية والسياسية.
وبإيجاز شديد العراق مر بظروف صعبة وغير طبيعية عبر تاريخه الحديث لم تمرّ بها بقية دول المنطقة ابتداء من فشل التأسيسات الدولتية عليه وتعاقب الديكتاتوريات الشمولية المقيتة وتعرضه الى سلسلة احتلالات منها البريطاني ومن ثم الامريكي وكان داعش اخرها. وعلى المستوى الداخلي مازالت السيادة العراقية مخترقة وعدم احترام هيبة الدولة بسبب العناصر التي ترفع السلاح المنفلت والذي لم تستطع اية حكومة السيطرة عليه او الحدّ منه، رغم ان جميعها قد فرضت في برامجها الحكومية اكثر من خارطة طريق لمكافحة انفلات السلاح سواء في الشارع (والعشائر) او عند المليشيات وحتى بعد الاعلان عن النصر الناجز ضد الارهاب واعلان قوى الامن عن جاهزيتها، فمازال المشهد العراقي يعيش حالتين سلبيتين تؤثران على استقرار البلد، الاولى تتمثل في السلاح المنفلت والثانية في المناكفات والمشاحنات السياسية.
فالسيادة اذن مخترقة من الخارج والداخل، وكلا الامرين يشوبهما الوهن، الامر الذي سهّل التجاوزات المستمرة ضد القواعد الاجنبية المرابطة في العراق وهو نتيجة مباشرة للسلاح المنفلت من قبل الفصائل التي تمتلك المبادرة في توجيه تلك الضربات، ولطالما عدّها الخطاب الحكومي بالخارجة عن القانون (كونها ضد ارادة ورغبة الحكومة) مع توجيه سيول الاستنكار والادانة لها واستدعاء السفراء والتلويح باللجوء الى مجلس الامن الدولي.
ولهذا ولأجل اقرار السيادة وتثبيتها بالشكل الدولتي الصحيح يقترح البعض تدويل الشأن العراقي كي تستطيع السلطات العراقية التحكم بالشكل الحكوماتي الصحيح وتخليص العراق من السلاح المنفلت أولا، ومن ثم الانطلاق الى ارساء حالة يجب ان يكون عليها العراق مع محيطه وذلك باحترام المواثيق الدولة وسياسة حسن الجوار واحترام سيادة العراق بموجب مواثيق الامم المتحدة والاعراف الدولية ثانيا، لأن العراق رفض ان تكون اراضيه مسرحا للعدوان على اية جهة كانت او ساحة لتصفية الحسابات بين القوى المتصارعة، فاذا به يتحول مرغما الى مسرح للعدوان من دول رفض ان يعاديها.
فالتدويل اذن أصبح ضرورة لاغنى عنها، في وقت رفضت بعثة الامم المتحدة في العراق كل انواع العدوان ومن اية جهة كانت وطالبت بالتدويل ايضا عن طريق مجلس الامن الدولي.