زيادة جديدة تشهدها البلاد بعدد نفوسها، حيث تخطت 43 مليون نسمة، في وقت تتناقص فيه الخدمات العامة وفرص العمل وتتراجع فيه الأوضاع الاقتصادية، وفيما اعتبرت وزارة التخطيط هذه الأرقام "اعتيادية"، طالب متخصصون بوضع خطط طويلة الأمد للنهوض بالبنى التحتية لتكون مواكبة للزيادة السنوية المتوقعة بعدد السكان، وسط تحذيرات من أن تتسبب تلك الزيادة بارتفاع معدلات الجريمة.
ويقول المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، إن "الوزارة تعتمد على معدلات الوفيات والولادات بالاعتماد على سنة الأساس 2010 عندما كانت الوزارة تروم إجراء تعداد سكاني فاستخدمت حينها أدوات الحصر والترقيع وبعدها تم احتساب النسبة التقريبية".
ويضيف الهنداوي، أن "العراق لا يشهد انفجاراً سكانياً إذ أن الانفجار يكون عندما تقارب نسبة النمو الـ10 ملايين نسمة سنوياً، والأرقام التي لدينا تثبت أن هناك تراجعاً في النمو من 3.5 ابتداء من العام 2003 إلى 2.5 في العام 2023، إلى جانب انخفاض معدل الخصوبة لدى النساء من 5.3 إلى 3.3، كما أن معدل ارتفاع سن البقاء على قيد الحياة ارتفع عند الرجال من 69 إلى 73 عاماً، وعند النساء من 73 إلى 76 عاماً".
ويرى الهنداوي، أن "العراق ليس بحاجة إلى عمليات تحديد النسل أو تقنينه في الوقت الحالي، كما أن تعداد العراقيين الأخير هو 43 مليون نسمة نصفهم من الشباب، لذا كل الأرقام تؤدي إلى نتيجة أن معدلات النمو طبيعية بمعدل مليون شخص فقط زيادة سنوية".
ويبين أنه "تم إعداد الوثيقة الوطنية للزيادة السكانية والتي كُتبت بعد مراقبة معدلات النمو كإستيراتيجية للتعامل مع التحديات والمحاور كافة التي ترافق النمو من تعليم وسكن وصحة أسرة ودعم الفئات الهشة والهجرة الداخلية والخارجية، حيث وضعت سياسات وبرامج بالتنسيق مع القطاعات المسؤولة".
وكانت وزارة التخطيط، أعلنت أمس الاول الاثنين، أن عدد سكان العراق في نهاية العام 2023 تم تقديره بـ43 مليوناً و324 ألف نسمة، 69.9 بالمئة منهم يسكنون المناطق الحضرية و30.1 بالمئة من سكان الريف، كما أن نسبة السكان بعمر أقل من 15 سنة بلغت 41 بالمئة من مجموع السكان، والفئة العمرية 15-64 سنة بلغت 57 بالمئة، ونسبة السكان بعمر 65 سنة فأكثر بلغت 3 بالمئة، ومعدل النشاط الاقتصادي للسكان بعمر 15 سنة فأكثر بلغ 40 بالمئة.
وبينت الوزارة أن نسبة الذكور النشطون اقتصادياً بلغت 87 بالمئة، ونسبة الإناث النشطات اقتصادياً بلغت 13 بالمئة، وأن معدل التضخم انخفض إلى 4.4 بالمئة، مقارنة مع معدل 6.1 بالمئة عام 2021، ومعدل 4.9 بالمئة عام 2022.
وتعليقاً على كلام الهنداوي بخصوص انخفاض نسبة النمو السكاني، يوضح الخبير الاقتصادي ناصر الكناني، أن "تراجع نسبة النمو السكاني يرجع بالأساس إلى عزوف الشباب عن الزواج لعوامل اقتصادية بحتة وأهمها البطالة".
ويؤكد الكناني، أن "النسب التي أعلنتها وزارة التخطيط أقرب إلى الواقع، وهي تحتاج إلى إستراتيجية واضحة وخطة خمسية على الأقل لبناء طرق ومستشفيات ودور عبادة ومدارس في مجمعات سكنية أي أن تكون المدن المنشئة متكاملة الخدمات ويجب أن يرافق النمو، نمواً في الاتجاهات كافة، غير أن وزارة التخطيط لا تمتلك إستراتيجية لاحتواء النمو".
ويشير إلى أن "إيرادات الدولة يجب أن تتنوع ولابد من إيجاد جوانب أخرى للتنمية تتناسب مع عملية النمو وأن تقسم الإيرادات بين أبناء الشعب والسيطرة على المشاكل الاقتصادية الكبرى التي يعاني منها البلد من إيرادات ريعية".
يشار إلى أن العراق ومنذ نحو 15 عاماً يقّر سنوياً موازنات ضخمة اعتماداً على ارتفاع أسعار النفط الخام الذي يشكّل ما لا يقل عن 95 بالمئة من إيرادات البلاد، غير أن هذه الأموال لم يتم استثمارها في إيجاد موارد اقتصادية غير نفطية تسهم بتعزيز رصيد خزينة الدولة وتوفر فرص عمل لملايين الخريجين والشباب العاطلين عن العمل، كما لم يتم توظيفها لتجديد البنى التحتية المتهالكة لتلبية احتياجات المواطنين واستيعاب الزيادة السكانية.
بدورها، ترى رئيسة الباحثين في منتدى صنع السياسات العامة، رنا خالد، أن "الزيادة السكانية وارتفاع معدلات النمو السكاني حتماً يؤدي إلى ضغوط سلبية على الناتج المحلي وعلى الإنتاج الاقتصادي بصورة عامة، خاصة إذا ما كانت هذه الزيادة السكانية لا تترافق مع خطط تنموية بعيدة الأمد يتم تصميمها لاستيعاب حجم الازدياد في الاستهلاك وحجم الضغط المسلط على عوامل الإنتاج في الاقتصاد الهش مثل الاقتصاد العراقي".
وتنبه خالد، إلى "الآثار الاجتماعية التي تنجم عن الزيادة غير المدروسة في نسبة السكان والتي لا تتوازى مع أنظمة تعليم وقوانين متطورة وكفوءة، إضافة إلى كفاءة ونجاح أنظمة الحماية والضمان الاجتماعي التي تحمي المجتمع من اتساع رقعة الفقر والجريمة والاستغلال في المجتمعات المكتظة بالسكان".
وتلفت إلى أن "الفشل في إجراء تعداد أو إحصاء شامل للسكان أدى إلى أن تضيع خريطة النمو السكاني في العراق بمعنى عدم معرفة نسبة الزيادة السنوية، والتوزيع العمري، ونمط النمو السكاني وتوزيعه الجغرافي داخل العراق، والفئات العمرية وموائمتها مع سوق العمل، وحجم الفقر والبطالة العراق، وتوزيع النشاط الاقتصادي للسكان في العراق، كل هذه الأرقام والمعايير لم يتم تسجيلها وتتبعها منذ آخر إحصاء للسكان قبل 26 عاماً".
وتشدد على أنه "بناءً على ذلك لا يمكن استبعاد التشكيك في دقة أرقام وزارة التخطيط وعدم كفاءة الأرقام التي تصرح بها فهي لكونها تقريبية ولا يمكن الاعتماد عليها في وضع الخطط التنموية الشاملة في وقت أصبحت هناك حاجة ملحة لاستيعاب النمو السكاني".
وتقترح خالد أنه "لكي يتم احتواء النمو السكاني وتقليل آثاره السلبية يجب أن توضع خطط خمسية أو عشرية مستدامة تحتوي على برامج قطاعية وتضع حلولاً عميقة وجذرية لاحتواء أثر الزيادة السكانية على المدن والخدمات والتعليم والصحة، كذلك يجب أن يتم اتخاذ إجراءات فورية من أجل رسم معالم مستقبل العراق وكيفية استثمار ثرواته المادية والبشرية بالشكل الدي يدعم التنمية والاقتصاد".
وتختتم حديثها بالقول، إن "العديد من الدول حولت النمو السكاني إلى ثروة ونقطة للقوة والازدهار مثل الصين والهند ودول جنوب شرق آسيا وطاقة يتم ضخها في المعامل والمزارع والمؤسسات العلمية ومراكز الابتكار والتطوير".
ومطلع العام 2023، كشفت وزارة التخطيط أن عدد سكان العراق لسنة 2022 بلغ 42 مليوناً و248 ألفاً و883 نسمة، بحسب التقديرات، بمعدل زيادة سنوية بلغ 2.5 بالمئة.
وبحسب تقرير لشبكة BNN، نشر في 12 حزيران 2023، ظهر العراق كثالث أعلى معدل بطالة على مستوى العالم وأعلى معدل في العالم العربي، حيث بلغت النسبة 15.55 بالمئة، وأوضحت الشبكة أن تداعيات البطالة محسوسة بعمق في جميع أنحاء البلاد، مما يؤكد الحاجة الملحة لاتخاذ تدابير فعالة لمعالجة هذه القضية.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- 400 مليون دولار خسائر الثروة السمكية في العراق
- بقي منه اربعون مترا من (1725) متر: مرقد السفير الرابع في بغداد ..يقصده العراقيون والعرب والاجانب (صور)
- جثث وأشلاء.. ماذا يتذكر العراقيون في اليوم العالمي لضحايا الإرهاب؟