ترتفع حدة التوتر بين بغداد وواشنطن، على خلفية الهجمات المتبادلة بين الفصائل المسلحة والقوات الأمريكية، لكنه لن يفضي إلى طريق مسدود، كما يرى مراقبون، بل سيكون "شكليا" فقط، كون الحكومة العراقية ستكتفي بـ"الرفض الإعلامي" لتبني الرئيس الأمريكي اغتيال قيادي في الحشد الشعبي، حفاظا على استقرار البلاد، وأن إدارة بايدن تدرك ذلك جيدا، ولن ترتب على الرفض العراقي أي إجراء، إلا أن ضبط ما أخذت تعرف بـ"المقاومة الاسلامية في العراق" بات هو التحدي الأكبر أمامها.
ويقول رئيس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل، إن "العراق على المستوى الرسمي والحكومي، لن يستطيع فعل أي شيء ضد الولايات المتحدة الأمريكية بعد تبنيها لاستهداف قيادي في الحشد الشعبي وسط بغداد، فالحكومة لم تفعل أي شيء بعد اغتيال نائب رئيس هيئة الحشد أبو مهدي المهندس وقائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني غير بيانات الاستنكار، وهذا تكرر الآن".
ويضيف فيصل، أن "الحكومة العراقية تخشى من أي رد فعل، فهي تدرك أنها بحاجة إلى الدعم الأمريكي لضمان الاستقرار الأمني والاقتصادي وحتى السياسي، لذا فإن بغداد لن تفعل أي شيء غير استمرار الرفض للقصف الأمريكي عبر البيانات، وواشنطن تتفهم هذا الرفض ولن ترد عليه بأي إجراء".
ويوضح أن "تبني الرئيس الأمريكي لعملية الاغتيال، سيدفع الفصائل المسلحة إلى تصعيد الهجمات وسيقابله رد من واشنطن، وهذا ما سيحول العراق لساحة حرب بين الطرفين، ولهذا الأمر ستكون تداعيات كبيرة وخطيرة على مجمل الأوضاع العراقية".
وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن، وجه يوم الجمعة (5 كانون الثاني 2024)، رسالة إلى الكونغرس قال فيها، إن العمل العسكري الأخير في العراق إجراء ضروري يتوافق مع القانون الدولي وحقنا في الدفاع عن النفس، وأن الولايات المتحدة مستعدة لاتخاذ المزيد الضرورة من أجل التصدي للتهديدات أو الهجمات.
يشار إلى أن السكرتير الصحفي لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) بات رايدر، ألمح في تصريح له، بأن الجانب العراقي كان متعاونا معه بشأن الضربة الأخيرة، الأمر الذي نفته خلية الإعلام الأمني، واصفة الأمر بـ"الخطير ومحاولة لخلط الأوراق".
وجاءت هذه التطورات، بعد أن نفذت القوات الأمريكية عملية اغتيال للقيادي في حركة النجباء، أبو تقوى السعيدي، يوم الخميس الماضي، عبر استهداف عجلته بصواريخ موجهة عند دخوله لمقر حركة الكتائب في شارع فلسطين وسط العاصمة بغداد.
من جهته، يبين المحلل السياسي محمد علي الحكيم، أن "الحكومة العراقية تعرف جيداً بأن الولايات المتحدة الأمريكية هي من استهدفت القيادي بالحشد الشعبي، وتعرف جيداً أن واشنطن ستعمل على تصفية قادة بارزين آخرين في الفصائل والحشد، لكنها لن تفعل أي شيء لإيقاف تلك الهجمات، كما عجزت سابقا عن وقف هجمات الفصائل ضد المصالح الأمريكية".
ويحذر الحكيم، من "تنامي عمليات اغتيال قادة آخرين، ما سيفتح باب الحرب الفعلية بين واشنطن والفصائل، وهذا سيدخل الحكومة العراقية في حرج شديد، فهي لا تستطيع الوقوف بوجه الولايات المتحدة، كما أنها غير قادرة على ضبط تحركات الفصائل، وهذا يعني أن الأمور الأمنية سوف تخرج عن السيطرة".
ويشير إلى أن "تبني بايدن، عملية اغتيال قيادي في الحشد الشعبي وسط بغداد، تذكرنا بعملية تبني ترامب اغتيال المهندس وسليماني، وفي كلا العمليتين لم ولن تفعل الحكومة أي شيء، فهي لا تريد فقدان الشراكة مع واشنطن، كما أن السوداني ما زال ينتظر بفارغ الصبر تحديد موعد زيارته إلى البيت الأبيض، ونعتقد أن إخفاقه بالحد من عمليات الفصائل ضد المصالح الأمريكية، دفع بواشنطن إلى إلغاء تلك الزيارة أو تأجيلها".
وأعلن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، بعد حادثة الاغتيال، أن بغداد ماضية في إخراج قوات التحالف الدولي نهائيا، مشيرا إلى البدء في مشاورات فنية لهذا الغرض.
وقال مراقبون، في تقرير سابق، إن عملية الاغتيال مرتبطة بالوضع الداخلي الأمريكي، ومحاولة الرئيس جو بايدن، كسب تأييد "اللوبي اليهودي" مع قرب الانتخابات الرئاسية، بعد أن خسر قضية التطبيع بين السعودية وإسرائيل.
يذكر أن القوات الأمريكية، سبق وأن استهدفت خلال الفترة الماضية، مواقع حركة النجباء في محافظة بابل، حيث كان الاستهداف الأول لناحية جرف النصر والثاني لموقع فيه عناصر من الحركة داخل مدينة الحلة.
إلى ذلك، يبين المحلل السياسي المقرب من الإطار التنسيقي عماد المسافر، أن "إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن، باغتيال القيادي في الحشد يلزم الحكومة العراقية بالتحرك نحو إقامة دعاوى ضده بالمحاكم الدولية، لما ارتكبه من جريمة ومخالفة واضحة للقوانين الدولية".
ويلفت المسافر، إلى أن "لدى السوداني جدية بإنهاء عمل التحالف الدولي في العراق، فهو يدرك أن بقاء تلك القوات يعني استمرار الخروق الأمريكية تجاه العراق وسيادته، وهناك حراك حكومي حقيقي حول هذا الملف، وستكون نتائجه ملموسة قريبا".
ويتابع أن "رد الفصائل على القوات الأمريكية بعد تبني بايدن، بشكل رسمي عملية الاغتيال، سيكون مختلفا عن العمليات السابقة، فالقوات الأمريكية تمادت كثيرا دون وجود رادع لها، والفصائل لها حق الرد بالمكان والزمان المناسبين".
يشار إلى أن العراق، ومنذ اغتيال نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس وقائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، قرب مطار بغداد الدولي في 3 كانون الثاني 2020، لم يتحذ أي موقف أو إجراء رسمي ضد الولايات المتحدة، بل اكتفى بصدور مذكرة إلقاء قبض بحق الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
يذكر أن هيئة الحشد الشعبي، أصدرت بيانا عقب عملية الاغتيال أكدت فيه "مرة أخرى يتجدد العدوان على المقرات الأمنية الرسمية من قبل القوات الأمريكية المعتدية باستهداف مقر تابع لهيئة الحشد الشعبي عبر طائرة مسيرة.. ونؤكد جهوزية الحشد الشعبي لتنفيذ أي أمر من القائد العام للقوات المسلحة يحفظ سيادة العراق ووحدة أراضيه وسلامة أبنائه".
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- هل ستفرض نتائج التعداد السكاني واقعا جديدا في "المحاصصة"؟
- هل تطيح "أزمة الدولار" بمحافظ البنك المركزي؟
- انتخاب المشهداني "أحرجه".. هل ينفذ السوداني التعديل الوزاري؟