في تكرار لمشاهد الاعتراض التي واجهتها مصارف لبنانية، شهد مصرف داخل العاصمة بغداد الاسبوع الماضي، صراخا ولغطا من قبل بعض الزبائن، بعد امتناعه عن تسليم المواطنين أموالهم بالدولار، رغم أن حساباتهم المصرفية كانت بالدولار، الأمر الذي أثار أسئلة حول جدوى إجراءات البنك المركزي العراقي وما ستسببه مستقبلا.
متخصصون ومراقبون، أكدوا تخبط قرارات البنك المركزي، وتضمنها مخالفات أبرزها منع استلام الحوالات بالدولار، وفيما حذروا من ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق الموازي لأكثر مما هو عليه الآن، بسبب تلك الإجراءات، حملوا الحكومة مسؤولية عدم السيطرة على الأسواق، عازين خطوة تخفيض السعر الرسمي، إلى بحثها عن "إنجاز" سريع فقط.
ويقول الخبير في الشأن المصرفي ناصر الكناني، إن "كل قرارات البنك المركزي بشأن مواجهة أزمة الدولار، كلها قرارات خالية من الحلول، بل قرارات فاقمت الأزمة، خصوصاً بما يتعلق بمنع استلام الدولار بالنسبة للحوالات".
ويضيف الكناني، أن "هكذا إجراءات سوف تدفع الكثير من المواطنين إلى اللجوء للسوق الموازي من أجل شراء الدولار، وهذا بكل تأكيد سيزيد الطلب على الدولار ويدفع إلى أزمة جديدة، سيرتفع فيها سعر صرف الدولار، وهذا هو المتوقع خلال الفترة المقبلة".
ويتابع أن "امتناع المصارف عن تسليم الدولار للمواطنين أصحاب حساب الدولار، أمر مخالف للقوانين، فيجب أن تسلم الحوالة لأي مواطن بالعملة التي تصل له، خصوصاً وأن تسليم المواطنين بالدينار العراقي تعرضهم لخسارة كبيرة بسبب الفرق الكبير في صرف السعر مع السوق الموازي".
وتداولت وسائل إعلام محلية الاسبوع الماضي، مقطع فيديو من داخل أحد المصارف العراقية، فيه لغط وصراخ لرفض المصرف تسليم المواطنين أموالهم المودعة لديه بالدولار، رغم أنهم أودعوها بالدولار.
وكانت وكالة رويترز، نشرت الاسبوع الماضي، تقريرا ونقلت فيه عن المدير العام للاستثمار والتحويلات في البنك المركزي العراقي مازن أحمد، قوله إن العراق سيحظر السحب النقدي والمعاملات بالدولار الأمريكي اعتبارا من الأول من كانون الثاني 2024، بهدف القضاء على الاستخدام غير المشروع لنحو 50 بالمئة من مبلغ الـ10 مليارات دولار التي يستوردها العراق نقداً من بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك كل عام.
وبحسب أحمد، فإن "البنوك تعاني من انخفاض الدولار، لأن الكثير من الناس يحاولون سحب الدولار دفعة واحدة وسط شعور بعدم الارتياح بشأن النظام المالي"، فيما بين "ليس لدينا مشكلة في وصول سعر الصرف إلى 1700 دينارا لكل دولار".
ويبلغ سعر صرف الدولار في السوق المحلية نحو 161 ألف دينار لكل 100 دولار، في ارتفاع مستمر منذ قرابة أسبوعين، في حين يبلغ سعره الرسمي 132 ألف دينار لكل 100 دولار.
من جهته، يبين الخبير في الشأن المالي مصطفى اكرم حنتوش، أن "قرار البنك المركزي بالامتناع عن تسليم الدولار للمواطنين الذين يملكون حسابات مصرفية بالدولار يخالف القانون، وهذه القرارات لا تساهم اطلاقا في حل الأزمة".
ويلفت حنتوش إلى أن "البنك المركزي العراقي اصبح يتخبط في الكثير من القرارات بشأن مواجهة ارتفاع الدولار، وكل القرارات التي اتخذها لم تنجح في خفض السعر ومازال الفرق كبير جداً ما بين السعر الموازي والسعر الرسمي، وهذا الأمر أثر كثيرا على السوق المحلي في الكثير من التعاملات".
ويستطرد أن "أزمة الدولار في العراق والاستمرار في الارتفاع، تعني استمرار عمليات الحوالات السود خارج المنصة، مع استمرار عمليات خروج الدولار بطرق كثيرة غير قانونية إلى إيران وسوريا ودول أخرى، ولا يمكن حل أزمة الدولار ما لم يتم إيجاد حلول للحوالات السود وإيقاف عمليات التهريب المستمرة وبشكل يومي".
المسؤول في البنك المركزي، مازن أحمد، وبعد انتشار تقرير وكالة رويترز، أصدر بيانا ونفى فيه التصريحات المنسوبة إليه في الوكالة، وأكد بأنها "تضمنت صياغات صحفية أوردتها الوكالة بصيغة غير دقيقة"، مبينا أن البنك المركزي يضمن ودائع الدولار وللمواطن الذي أودع أمواله بالدولار لدى أي مصرف عراقي سابقاً أو بحلول عام 2024 حق أصيل في استلام هذه المبالغ نقداً وبالدولار الأمريكي، كما لم يتم الإشارة في اللقاء الصحفي إلى توقعات بوصول سعر الصرف إلى 1700، وليس هناك أي مؤشرات لوصول سعر الصرف في السوق الموازي إلى هذا المستوى".
وكان محافظ البنك المركزي علي العلاق، أعلن في 24 أيلول الماضي، عن مضيّ البنك للاستغناء عن التحويلات الخارجية "السنة القادمة" واعتماد المصارف المجازة في العراق على بنوك مراسلة في عمليات التحويل الخارجي، فيما بين أن الحوالات عن طريق البنوك المراسلة بلغت 60 بالمئة من إجمالي الحوالات (خارج المنصة الالكترونية الخاصة بالبنك المركزي)، وأكد العلاق أن ذلك جاء بعد اتفاق بين البنك المركزي العراقي والبنك الفيدرالي الأمريكي، اُسوة بدول العالم، حيث لا تمارس البنوك المركزية أعمالاً تنفيذية، ويتركز دورها في الاشراف والرقابة.
يشار إلى أن البنك المركزي، كان قد أصدر قرارا في 17 آب الماضي، يقضي بالتزام المصارف بتلبية طلبات الزبائن من الدولار، الذين يمتلكون حسابات بالدولار.
دعاية وتبرير
من جانبه، يؤكد المحلل السياسي أحمد الشريفي، أن "قرار الحكومة العراقية بشأن خفض سعر صرف الدولار الرسمي، كان سياسيا ودعائيا، ولم يتخذ وفق دراسات اقتصادية تهدف لخفض السعر في السوق الموازي، وبالتالي فأن السعر في السوق بقي مرتفعا دون أي انخفاض".
ويردف الشريفي، أنه "منذ اشهر طويلة والحكومة أخفقت بشكل كبير في خفض سعر صرف الدولار في السوق الموازي، خصوصاً وأن عمليات إخراج العملة الصعبة إلى الخارج مستمرة، رغم كل الإجراءات التي أعلنت عنها الحكومة والبنك المركزي، فهناك عدم سيطرة حقيقية على هذا الملف".
ويشير إلى أن "هناك مصارف أهلية تابعة لجهات وشخصيات متنفذة تتلاعب بسعر الدولار دون أي محاسبة أو رقابة، حتى أصبحت هذه المصارف تسرق الحصص المخصصة للمسافرين من الدولار، بهدف إخراجه لبعض الدول بطرق غير قانونية، وخارج المنصة التي فرضها البنك الفيدرالي الأمريكي لمنع عمليات التهريب".
وكان مجلس الوزراء، قد صادق في 7 شباط 2023، على قرار مجلس إدارة البنك المركزي بتعديل سعر صرف الدولار مقابل الدينار، ليكون السعر: 1300 دينار للدولار الواحد.
ووصلت مساعدة وزيرة الخزانة الأمريكية إلزابيث روزنبرغ، إلى بغداد في 13 أيلول الماضي، وعقدت اجتماعا مع محافظ البنك المركزي علي العلاق، وبحسب البيان الرسمي، فقد جرت متابعة مخرجات ونتائج الاجتماعات السابقة بين البنك المركزي العراقي من جهة، ووزارة الخزانة الأمريكية والبنك الفيدرالي الأمريكي من جهة اخرى، فضلاً عن إمكانية تقديم الدعم الفني في مجال تمويل التجارة الخارجية عبر القنوات المصرفية الرصينية بآلياتٍ تُمكّن تمويل التجارة الخارجية المشروعة، بعملات مختلفة منها اليورو، اليوان الصيني، والدرهم الإماراتي، وكذلك تنظيم حركة التجارة مع تركيا.
إلى ذلك، يرى عضو الإطار التنسيقي، عائد الهلالي، أن "حكومة السوداني والسلطة النقدية من البنك المركزي وغيره، ما زالوا يعملون على السيطرة على أزمة الدولار، التي هي موجودة قبل تشكيل الحكومة الحالية، وتم اتخاذ إجراءات عديدة لحلها".
ويؤكد الهلالي، أن "إنهاء أزمة الدولار والسيطرة على السعر الموازي يحتاج إلى وقت، والحكومة تعمل على ذلك ومستمرة باتخاذ الكثير من القرارات التي تعزز قوة الدينار العراقي، وعدم الحاجة إلى الدولار في أي تعامل محلي، وهذا الأمر يقوي الاقتصاد الوطني".
ويلفت إلى أن "كل الدول صاحبة الاقتصاد القوي، هي تعمل على منع أي تعاملات بأي عملة اجنبية وتحصر التعامل المحلي بالعملة الوطنية، والعراق يعمل على ذلك ونجح بفرض هذا الأمر، فغالبية التعاملات حالياً هي بالدينار العراقي، بما في ذلك بيع السيارات والعقارات والأجهزة الإلكترونية المختلفة".
وتحدثت وسائل اعلام محلية في تقارير سابقة عن تهريب العملة واستمرارها، على الرغم من الضوابط على المصارف، ويتم عبر حقائب تنقل براً إلى تركيا وإيران، بعد سحب الدولار من السوق المحلية وليس عبر نافذة بيع الدولار الرسمية، وأطلق عليها متخصصون آنذاك بـ"الحوالات السود".
ومنذ أشهر، تدخلت واشنطن للحد من تهريب الدولار من العراق، ما أدى إلى ارتفاع سعر الدولار في السوق المحلية لمستوى قياسي بلغ 170 ألف دينار لكل 100 دولار، بسبب تراجع مبيعات البنك المركزي من الدولار، نظرا لخضوعه لنظام "سويفت" المالي الدولي.
وقد أصدر البنك المركزي 3 حزم إجراءات للسيطرة على بيع الدولار وضمان عدم تهريبه إلى الخارج، وقلل في بداية الأزمة من مبيعات مزاد العملة، ومن ثم عاود مؤخرا الارتفاع لمستواه السابق والبالغ نحو 300 مليون دولار يوميا.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- عزاء حي العامل المركزي.. موكب قدم العديد من الشهداء وحضر فيه كوكبة من العلماء
- الحكومة ترفض تقرير البنك الدولي حول حجم الديون ومختصون يؤكدون.. أين الحقيقة؟
- "الحوالات السود" مستمرة لـ3 دول.. ماذا لو شددت واشنطن إجراءات منع تهريب الدولار؟