بقلم: د. أحمد عبد الرزاق شكارة
تساؤل مطروح في الساحة الجيوستراتيجية – الامنية – الاقتصادية – السكانية والتنموية بانتظار جواب واضح وحازم من قبل الحكومة العراقية لدولة رئيس الوزراء السيد محمد شياع السوداني.. مشروعية التساؤل تنطلق من أهمية العراق من منظور ذا ابعاد مركبة جيوسياسية - اقتصادية مضاف إليهما العنصر السكاني الذي يضم فئة حيوية من الشباب والاطفال تصل نسبتهم من مجمل عدد السكان بحدود 35- 40% نسبة عالية بكل المقاييس.
هذا ولكون بلدنا يمتلك قدرات اقتصادية حيوية على راسها كمية كبيرة من الموارد الطبيعية من إحتياطات كبرى للنفط، وللغاز الطبيعي إضافة للموارد المعدنية القيمة الاخرى من فوسفات وكبريت وغيرها جلها لازال بعيدا عن ميدان الاستثمار العالمي للتنمية الانسانية كان لابد أن ينظر لأنضمام العراق على أنها مسألة غاية في الاهمية. علما بإنه يفترض من منطلق المصلحة الوطنية العراقية ان ينحو العراق بإتجاه رفض اي نوع من الهيمنة الغربية او الشرقية أي أطلاق رؤية جيوسياسية إطارها ومضمونها وطني نابع من رغبة خالصة لقادة البلاد تلبية ان تنال مصلحة العراق الوطنية قمة اجندة نظامنا السياسي أيا كانت تفصيلات التوجهات الايدولوجية - السياسية والاقتصادية للدول.
من هنا، عدت بريكس BRICS منظمة منافسة لجماعة الدول السبع الغربية بقيادة الولايات المتحدة تغطي تأثيراتها ثلاث قارات آسيا، افريقيا وامريكا الجنوبية (اللاتينية) كونها آخذة في تصاعد قيمتها الجيوسياسية – الاقتصادية والسكانية بل وحتى الايدولوجية والثقافية حيث تؤكد أولوية التخلص من هيمنة القوى الغربية الغنية الكبرى. معادلة جانبها الاضعف يتمثل في القوى الدولية النامية الاقل فقرا وحرمانا ولكنها تشمل ايضا عددا من القوى الصاعدة اقتصاديا - ماليا (دول مجلس التعاون الخليجي) التي لازالت وبدرجات متفاوتة تحتاج للكثير من التضامن الجيوسياسي والاقتصادي والاجتماعي للوقوف ندا قويا لجماعة الدول السبع الغربية بقصد حماية وتنمية مصالح العراق الوطنية تجاه رغبة القوى الكبرى في الغرب بالذات الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي لفرض الهيمنة الستراتيجية على العالم.
ضمت المنظمة في عام 2006 اربعة دول رئيسة هي البرازيل، روسيا، الهند، والصين لحقتها في عام 2010 جنوب افريقيا، مجموعة دول تصاعدت أهميتها الاقتصادية - المالية منذ عقد أو يزيد بصورة تغطي مايقارب30% - 40% من القدرات السكانية على امتداد مساحة شاسعة من الكرة الارضية تصل إلى أكثر من 40% هذا من جهة ومن منظور اقتصادي حيوي مكمل ترفد دول المنظمة مايقارب من 45% من الناتج المحلي الاجمالي للقدرة الشرائية العالمية بحلول 2030 ذات العام الذي من المتوقع أن تقدم الامم المتحدة تقريرا شاملا يركز على الاجابة على تساؤلات مشروعة ترتبط بمدى التقدم الحقيقي في مجالات التنمية الانسانية المستدامة؟
إن المؤتمر الاخير الذي عقد في الـ 25 من أغسطس / آب 2023 في جوهانسبرج – جنوب افريقيا يعد تتويجا لجهود حثيثة جادة بذلت من قبل بعض القوى الدولية الصاعدة لإحداث تغيير حقيقي في بنية النظام السياسي العالمي يعتمد التعددية القطبية أكثر منه اكثر من 50 دولة تعرف ب" أصدقاء بريكس ".
حقا فإن الاجتماع الاخير في جوهانسبرج اوضح تناميا في الاهتمام بأهمية تشكل تكتل اقتصادي دولي جديد إتساقا مع قيام دول صاعدة اقتصاديا - إجتماعيا - وسياسيا تتمتع بسمات ومعايير جيوسياسية - أمنية - اقتصادية وسياسية يمكن معها أن تضيف قوة كبيرة لبريكس في المدى المتوسط والبعيد. ضمن هذا التصور الايجابي قدم عددا من الدول النامية طلبات للانضمام سواءا بصفة فاعلة للعضوية في بريكس او بصفة عضو مراقب. لعل ابرز الدول التي ستنال في المدى القريب عضوية رسمية في بريكس: الارجنتين، المملكة العربية السعودية، دولة الامارات العربية المتحدة، مصر، ايران والحبشة. علما بأن الجزائر هي الاخرى قدمت طلبا رسميا للانضمام إلى جانب البحرين والكويت والسلطة الفلسطينية.
لعل من الاهمية بمكان الاشارة لدور كلا من الصين وروسيا في الدفع قدما لتعزيز قدراتهما الاقتصادية في إطار تشكيل ما يمكن تسميته أيدولوجيا تحالف القوى الاقتصادية لصاعدة Rising Economic Powers التي عهد إليها مسؤولية حيوية هدفها الاسراع من وتيرة التخفيف من حدة التوترات والصراعات الايدولوجية – السياسية بل والامنية لتي ستؤثر سلبا على تنامي قدرات الدول النامية. علما بإن جزءا مهما من النظرة الجيوسياسية - الثقافية تحمل هوية آسيوية ولاتينية امريكية تمثلها الصين والهند من آسيا والبرازيل والارجنتين من امريكا اللاتينية.
إن رغبة العراق التي ابداها البعض من المسؤولين العراقيون من خلال تقاريرهم الدبلوماسية التي قدمت إلى وزارة الخارجية تؤكد بإن قرار الانضمام لم يصل لمرحلة إتخاذ قرار رسمي حاسم بموجبه يتم عرضه على اللجنة المنظمة والموجهة لإعمال بريكس من القوى الخمسة المؤسسة للمنظمة؟. تساؤل مشروع لعدة اسباب على رأسها ما يلي:
1. من منطلق توفير هامش للحركة الجادة والفاعلة في السياسة الخارجية والدبلوماسية المنتجة يفترض أن يرحب العراق باي تغيير دولي يقلص مساحة الهيمنة الدولية للقوى الغربية الكبرى دون أن يعني ذلك إغفال الاهتمام بإدوار الولايات المتحدة وقوى الاتحاد الاوروبي في مجالات التعاون والتنسيق التقني والاقتصادي سريع الايقاع خاصة تلك التي يجد العراق ضرورة استثنائية لتفعيل خطة العمل بها حاضرا ومستقبلا.
2. أن بلورة حالة من التوازن الموضوعي في العلاقات الدولية مسالة اساسية لإحداث تغيير تنموي - إنمائي وتقني حقيقي في بنية النظام العالمي بغية الاستفادة من منابع وأدوات القوة او القدرات التقنية التي تعمد لتطوير الطاقات الراهنة والكامنة في بلادنا التي بإمس الحاجة إليها بهدف تبادل الخبرات والعلوم والتقنيات الجديدة وصولا لمرحلة الدول الصاعدة اقتصاديا وتقنيا.
3. إن ظروف العراق تماثل نسبيا ظروف مصر من حيث إنخفاض قيمة العملة الوطنية مقارنة بتصاعد قيمة الدولار الامريكي الامر الذي وضع مصر في حرج تماما كالذي للعراق في حرج اقتصادي ومالي ضحاياه في الغالب هم نتاج الضحية عدم استقطاب الكفاءات الادارية العراقية التي تتمتع بالرشاد آخذا بالاعتبار تجذر ظاهرة الفساد في العديد من دوائر ومؤسسات الدولة الامر الذي وبرغم من الجهود الحثيثة للقضاء عليه لازال مسألة تحتاج للمزيد من الاهتمام والتشجيع والدعم على المستوين الرسمي والشعبي والوطني والدولي. الامر الذي يستدعى الاهتمام بأنظمة بديلة او موازية للتبادل الاقتصادي - التجاري خاصة وأن بريكس حاليا تتمتع بمزية مهمة وهي امتلاكها لحصة تصل إلى مايقارب من 16 من التجارة العالمية ولكن من المنتظر تصاعدها مع انضمام السعودية والامارات وعددا آخر من دول الخليج العربي لتصل إلى ما يفوق قيمة (التريليون دولار).
مسألة من الممكن أن تقدم للعراق جرعة من التفاؤل الايجابي للنظر في كيفية بلورة وتفعيل نظم الادارة الرشيدة النزيهة التي هدفها اولا الحفاظ على مصالح العراق وتنميتها وطنيا واقليميا ودوليا اولا مع اعتماد معادلة متوازنة نسبيا من أهمية إعطاء التفاوض الفعال حقه ومساحته المناسبة وصولا لمعادلة الكسب المتعادل والمتوازن كلما أمكن تحقيقه موضوعيا.
4. لابد من إعادة النظر بمناهج التنمية الانسانية المستدامة التي من جهة تقلص مساحات الفساد بغية القضاء عليه مستقبلا من جهة ومن جهة أخرى إعمال التفكير الابداعي لإنتاج مشروعات تنموية تحقق للعراق عوائد اساسية وضرورية من الطاقة التقليدية" الاحفورية" بعيدا عن تسارع وتيرة الاهتمام بطاقة خضراء متجددة ضمن أطار ومضمون استراتيجية التنمية الانسانية المستدامة. إذن لابد للعراق من سياسة استثمارية رشيدة عمادها استقطاب الجهود والامكانات والتخصصات العلمية المتوفرة من قبل ابنائه الذين يجب أن يحرصوا على ممتلكات واموال بلدهم وحماية مكتسبات اقتصادهم الريعي الذي ربما لن يدوم زمنيا.
أخيرا: العراق بحاجة لإعمال وتطبيق استراتيجية شاملة مخطط لها جيدا وتنفذ عبر مراحل زمنية محددة بصورة تستقطب إليها كفاءات البلاد والكفاءات التي تعيش في داخل العراق وفي الغربة كي تقدم كل ما لديها من افكار مبدعة اضافة للترحيب والنقد الموضوعي المتزن الذي هدفه حماية مصالح البلاد اولا دون النظر إلى اي توجهات قاصرة وضيقة الافق سمتها التبعية الايدولوجية - السياسية لقوى هدفها اضعاف العراق و تفتيت جهود أبنائه بهدف إحقاق العدل الاجتماعي ومحاربة أزمات اقتصادية - مجتمعية مزمنة: الفقر، البطالة، الجهل والمرض وافتقاد السكن المناسب. علما بإن مسألة البيئة والتغيير المناخي والبنى التحتية للنقل وللمواصلات وللاتصالات لازالت جميعا قضايا كبرى بحاجة للمزيد من الجهد الوطني اللائق بمسيرة العراق الحضارية عبر قرون خلت.
أقرأ ايضاً
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- ما دلالات الضربة الإسرائيلية لإيران؟