أعرب متخصصون في المياه الجوفية عن مخاوفهم من الاستنزاف العشوائي لها في جنوب البلاد، وذلك بعد لجوء المزارعين وعموم المواطنين في السنوات الأخيرة إلى حفر الآبار بهدف استخدام مياهها في مجالات زراعية وصناعية، فضلا عن الاستخدام المنزلي، عقب تفاقم مشكلة الجفاف.
ويقول مدير ممثلية المياه الجوفية في محافظة المثنى محمد عبد علي، إن "الآبار المائية المحفورة في المثنى، ومنها البادية للعام 2022 بلغت 3225 بئرا مائيا، وأن بعضها تم حفره بشكل عشوائي، ودون موافقات رسمية وغير مجازة".
ويضيف علي، أن "الحفر العشوائي دفع بالجهات المسؤولة لمتابعة المتسببين ومحاسبة المخالفين، فهذا النوع من الحفر يتسبب بعملية استنزاف غير عملية للمياه الجوفية".
ويتابع أن "العديد من الفلاحين ما زالوا يستخدمون طريقة الإرواء السيحي وهذا يسبب هدرا واستنزافا لمياه الآبار، في حين أن الطريقة المثلى هي استخدام طرق الري الحديثة، أما المشاريع الصناعية والشركات الزراعية التي تعمل في البادية، فقد بدأت باستخدام الطرق الحديثة لتقنين استخدام المياه".
واعتبر جفاف بحيرة ساوة في محافظة المثنى بالكامل، في العام الماضي، أبرز الشواهد على تفاقم معضلة الجفاف، الأمر الذي أُثار فزع الرأي العام في العراق، وعزا مدير بيئة المحافظة مثنى سوادي، الظاهرة في حينها، إلى ثلاثة عوامل رئيسة، هي التغير المناخي الذي أصاب العالم، وتغير الصفائح الزلزالية التي غيرت المجرى الطبيعي لها تحت الأرض، فضلا عن قيام العشرات من الفلاحين وأصحاب المصانع والمعامل بإنشاء الآبار الارتوازية التي أسرفت في استخدام المياه الجوفية، ما أسهم في انخفاض الكميات الواصلة إليها بشكل كبير جدا.
ويعد استنزاف المياه الجوفية، واحدا من أبرز المشاكل التي أثيرت ضد مسألة استثمار السعودية لبادية العراق الممتدة من محافظة الأنبار إلى المثنى، وتم رفضها في حينها.
وبالتوجه إلى ذي قار، فإن مدير ممثلية هيئة المياه الجوفية فيها علي الصافي، بين، أن "عدد الآبار ما بعد 2003، وحتى الآن هو قرابة الألف بئر، وأن أعلى معدل للحفر كان في العام 2017، وفيه تم حفر 455 بئرا نتيجة الأزمة المائية آنذاك، وتمركزت الآبار في عدد من أقضية المحافظة التي تعاني من شح المياه مثل قضاء سيد دخيل والإصلاح وقلعة سكر والغراف والنصر".
ويستطرد أن "مياه الآبار في ذي قار لا يمكن استخدامها للزراعة بشكل كبير، بل هي مياه ضحلة بسبب أن الأرض هي أرضية سهل رسوبي".
وكان المدير العام للهيئة العامة للمياه الجوفية ميثم علي، كشف في تصريح سابق، أن الآبار المائية المسجلة في الهيئة بلغت 100 ألف بئر منها 85 ألف بئر للاستخدامات الزراعية، 13 ألف بئر منها قام الفلاحون بحفرها، إضافة إلى أنواع أخرى من الآبار تم حفرها للمجمعات السكنية والسقي.
وبرزت خلال السنوات الأخيرة، أزمة الجفاف بشكل جلي في العراق، فبعد أن تمّ تقليص المساحات الزراعية إلى 50 بالمئة في العام الماضي، تفاقمت الأزمة مؤخرا عبر فقدان أغلب المحافظات مساحاتها الزراعية، وأبرزها ديالى وبابل، حيث أعلن مسؤولون فيها عن انعدام الأراضي الزراعية بشكل شبه كامل، بسبب شح المياه.
وحول طبيعة الأرض في المثنى وذي قار، يوضح أستاذ علم الجغرافيا في جامعة ذي قار رحيم عدنان، أن "عملية حفر الآبار تختلف من مكان إلى آخر حسب طبيعة الأرض، ففي بادية المثنى والتي تصنف أرضها ضمن الهضبة الجنوبية تتوفر فيها خزانات للمياه الجوفية واعماقها تتراوح ما بين 20 إلى 30 مترا، وفي بعض الأماكن تصل إلى 150 مترا، كما هو في منطقة بصية، ويمكن الاستفادة منها في ري المحاصيل الاستراتيجية مثل الحنطة والشعير".
ويشير بالقول "أما الأراضي الرسوبية، والتي من ضمنها ذي قار، فهي عبارة عن أرضية مكونة من الطين والغرين والرمل وتحتوي على أملاح كثيرة".
ويؤكد أنه "بالإمكان الاستفادة من مياه الآبار بشكل عام واستثمارها لعشرات السنين، ولكنها معرضة للنضوب لأنها تتغذى على مياه الأمطار، وبالتالي فإن الاستفادة يجب أن تكون بطرق علمية وحديثة، والحفاظ على المسافات التي تفصل بين بئر وآخر".
يذكر أنه خلال أقل من 4 سنوات وتحديداً منذ عام 2019 فقد العراق، نحو 53 مليار متر مكعب من مخزونه المائي، وفق بيانات وزارة الموارد المائية.
وبحسب منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، فإن هذا العام وهو الرابع على التوالي الذي يشهد فيه العراق موجة جفاف.
وشهدت بغداد، عقد مؤتمر المياه الثالث في 6 من شهر أيار الماضي، بحضور تركيا وإيران، وخلال المؤتمر أكد رئيس الحكومة محمد شياع السوداني على اتخاذ معالجات لتقليل آثار ومخاطر شحِّ المياه، وتشخيص المشكلة المائية مع دول المنبع وأسبابها، مؤكدا أن اللقاءات مع مسؤولي الدول تركزت على ضرورة حصول العراق على حصته الكاملة من المياه، وتكثيف الجهود الفنية لحل الإشكالات دبلوماسيا، بعيداً عن لغة التصعيد.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- مؤسساتها تعيل الفقراء والمتعففين :هيئة خدمة اهل البيت منعت في العراق ففتحت فروع لها في ايران وسوريا
- تسعيرة حكومة بغداد المحلية للإعلام فقط.. أصحاب المولدات الاهلية لم يلتزموا بالتسعيرة الجديدة
- بعد 21 عاما على سقوط "صدام حسين".. هل حصل العراق على ديمقراطية حقيقية؟