تبخّرت وعود رئيس الحكومة بتغيير المحافظين مع اقتراب إجراء الانتخابات المحلية، ووفقا لمراقبين فإن أغلب المحافظين الذين يتمسكون بمناصبهم منذ زمن طويل يتمتعون بحماية سياسية من الأحزاب والكتل التي وضعتهم بمناصبهم، في ظل مخاوف من استغلالهم ذلك بالتأثير على سير الانتخابات.
ويقول رئيس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل، إن "مناصب المحافظين هي جزء من تركيبة المحاصصة الطائفية والسياسية للأحزاب التي استحوذت على السلطة وعلى مراكز صنع القرار في العراق، وهي جزء من سيطرة تلك الأحزاب على كافة القضايا في المحافظات والاستحواذ على المال".
ومن المقرر إجراء انتخابات مجالس المحافظات في 18 كانون الأول المقبل بعد 10 سنوات على إجرائها آخر مرة، وفقا لبيان رسمي صادر عن مجلس الوزراء.
ويبين فيصل، أن "استحواذ الكتل والأحزاب على مناصب المحافظين، يأتي بهدف توفير التمويل المالي لتلك الأحزاب والكتل من أجل تغذية تلك الأحزاب لفتح المقرات ودعم مختلف النشاطات وخصوصاً الحملات الدعائية للانتخابات، ولذا فإن كل جهة تحمي محافظا وكل جهة تملك محافظا من أجل تمويل نفسها من المال العام".
ويضيف أن "رئيس الوزراء محمد شياع السوداني يواجه هذه المحاصصة والاستحواذ وصعوبة في قضية إجراء أي تغيير بمنصب أي من المحافظين، لأن كل محافظ يمتلك حماية سياسية وحزبية، والسوداني لا يستطيع تغيير أي محافظ دون وجود موافقات وتوافقات وصفقات مع الأحزاب والكتل".
ويتابع رئيس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، أن "عدم إجراء السوداني أي تغيير في مناصب المحافظين رغم وعوده، يعود للضغوطات والتهديدات السياسية التي يواجهها لمنعه من إجراء أي تغيير بمنصب المحافظين، ويأتي التمسك بهذه المناصب من قبل الأحزاب خلال إجراء الانتخابات كإجراء مهم لهم من أجل استغلال تلك المناصب العليا بغرض الدعاية الانتخابية واستغلال موارد الدولة لمنفعة سياسية وحزبية، وهذا يهدد إجراء أي انتخابات نزيهة وعادلة".
ويحتفظ عدد كبير من المحافظين بمناصبهم منذ مدة طويلة، بسبب عدم إجراء انتخابات لمجالس المحافظات، ومع اقتراب إجرائها أظهر هؤلاء النية بترشحهم مرة أخرى لغرض الاحتفاظ بمناصبهم لولاية جديدة.
وجرت آخر انتخابات لمجالس المحافظات في العراق (الانتخابات المحلية) في 30 نيسان عام 2013، في 12 محافظة من أصل 18، حيث تم استثناء محافظات إقليم كردستان وكركوك المتنازع عليها بين بغداد والإقليم، فضلا عن استثناء نينوى والأنبار، إذ كانتا تشهدان تظاهرات معارضة للنظام السياسي في العراق، وذلك قبل عام من سيطرة تنظيم داعش على ثلاث محافظات عراقية.
من جهته، يؤكد المحلل السياسي غالب الدعمي، أن "هناك قانونا يمنع أي مسؤول في الدولة من الاشتراك أو دعم أي قائمة انتخابية، ولهذا نجد الكثير من المسؤولين من المحافظين والوزراء وغيرهم بعيدين عن المشاركة في الانتخابات ودعم قوائم انتخابية".
ويبين الدعمي، أن "هناك محاذير سياسية منعت السوداني من إجراء أي تغيير في منصب أي من المحافظين، فقد يحسب أي إجراء بهذا الخصوص استهدافا سياسيا، والانتخابات لم يبق عليها سوى أشهر قليلة".
ويعتقد أن "تغيير المحافظين في هذا التوقيت هو قرار إيجابي جداً، لكن في الوقت نفسه عدم إجراء هذا التغيير رغم الوعود الحكومية يكشف أن هناك ضغوطات منعت السوداني من ذلك، وقضية استغلال منصب المحافظ من قبل بعض الكتل والأحزاب أمر متوقع وهذا يحصل في كل انتخابات تجري".
وفي كانون الثاني الماضي، ذكرت وسائل اعلام محلية، أن هناك حملة تغييرات للمحافظين يسعى رئيس الحكومة لتنفيذها، ومن المفترض أن تشمل ما بين 5 – 6 محافظين، تطبيقا للمنهاج الحكومي ومن أجل تحسين واقع المحافظات بكافة المجالات، إلا أن هذا لم يحدث، إذ اكتفى السوداني آنذاك بسحب يد محافظ الديوانية زهير علي الشعلان، بسبب "وجود ملفات تحقيقية بحقه عن شبهات فساد إداري ومالي، يجري النظر بها من قبل المحاكم المختصة" بحسب بيان رسمي.
وتعد قضية المحافظين، من القضايا الإشكالية التي لم تحل، وبحسب الخبير القانوني الراحل طارق حرب، فإن تعيين المحافظ في ظل غياب مجالس المحافظات "يعود للأصل العام، وهو رئيس الوزراء، إذ يجب أن يقوم بتعيين وكلاء يحلون محل كل محافظ تم تعيينه بصفة نائب أو خرج من منصبه".
في المقابل، يجد المحلل السياسي المقرب من الإطار التنسيقي عماد المسافر، أن "إجراء تغيير لبعض المحافظين من قبل رئيس الوزراء، يتعارض مع قرب انتخابات مجالس المحافظات، والتي ستفرز محافظين جددا".
ويضيف المسافر، أن "السبب الآخر لمنع السوداني من إجراء تغيير لبعض المحافظين، هو إقرار الموازنة، الذي شكل عائقا، لأن بعض المحافظين لديهم مستحقات لتنفيذ بعض المشاريع داخل المحافظة، وهذا التغيير ربما له تأثير على إنجاز بعض المشاريع مع انطلاق التخصيصات المالية".
وبشأن استغلال مناصب المحافظين والمال العام من قبل بعض الأطراف السياسية، بين المقرب من الاطار التنسيقي، أن "الوعي السياسي للناخب العراقي اختلف كثيرا عن السنوات الماضية، فهناك وعي كبير للشارع العراقي، وإذا كان هناك خوف من استغلال للمال العام ولمنصب المحافظين، فهذا الاستغلال لن يشكل جزءا كبيرا بخيارات الناخب، كونه أصبح الآن يبحث عن من يلبي طموح محافظته".
وعلى الرغم من مرور عشرين عاما على التغيير السياسي في البلاد، ومروره بالعديد من التجارب الانتخابية، إلا أن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، ما زالت تقر بصعوبة السيطرة على "الجريمة الانتخابية" المتمثلة باستغلال موارد الدولة في الحملات الدعائية للمرشحين، ومع أنها تؤكد تطبيقها لقانون الأحزاب الهادف للحد من تلك الخروق، غير أن مراقبين سياسيين وقانونيين أشاروا إلى أن هذا القانون ما زال حبرا على ورق، مؤكدين أن تطبيقه يعني حرمان نصف الأحزاب من المشاركة في الانتخابات.
وقررت المفوضية العليا للانتخابات الأحد الماضي، تمديد فترة تسجيل المرشحين لانتخابات مجالس المحافظات وبحسب وثيقة صدرت عنها فإن تمديد فترة التسجيل للمرشحين المنفردين لغاية يوم 13 آب الجاري، فيما مددت فترة تسجيل التحالفات والأحزاب السياسية لغاية يوم 20 آب.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- انتخاب المشهداني "أحرجه".. هل ينفذ السوداني التعديل الوزاري؟
- بعد الانتخابات.. أزمة قانونية وسياسية تنتظر الإقليم والبوصلة تتجه لـ"الاتحادية"
- تحالف السوداني والصدر.. "جس نبض" أم تهديد لـ"الإطار"؟