بقلم: منقذ داغر
الدولة بلا أسرار، كالحصنِ بلا أسوار!
هذه قاعدة عرفتها كل مؤسسات الدول منذ أختراعها، لذا قال أبن خلدون ما معناه: أذا تفشت أسرار السلطان فشلت سياسته مع قومه.
في العراق لا يمر يوم دون أن نقرأ على وسائل التواصل كتب ورسائل سرية التصنيف وأعلانها مخيف! وباتت مؤسسات الدولة الأمنية كالثوب الممزق الذي لا يستر عورة، ولا يؤتمن شره.
وأصبحت ذاكرة موبايلاتنا، قبل ذاكرتنا مملؤة بتسجيلات لأحاديث وأجتماعات خاصة تبث علناً وبلا حياء أو وجل. وصارت فيديوات التواصل المبثوثة لا تنتهك خصوصية الفرد لوحده بل خصوصية الدولة وسياستها، والمؤسسات وأمنها.
وعلى الرغم من قدسية خصوصية الفرد التي تتجاوز قدسية التيجان الذين خربوا حياتنا، لكننا بتنا نضحك كالبليد حين نخرق خصوصية الأفراد، ونرتجف كالعبيد حين نقرب خصوصية الأسياد.
أما أسرار وخصوصية الدولة فصارت كنعال الخيل، تدوسها الحوافر وتسمعها المقابر. وأصبحت مبادرات السياسة تعلن بلا كياسة بوسائل التواصل والنخاسة. يريدون لها الدعاية ولا يوفرون ستر لها أو حماية. فتسقط المبادرة لتبقى المراءاة والمفاخرة.
ولأننا نعيش في عراقٍ مقلوب، فلم يعد فقط أعلان السر مألوف، بل صار إسرار العلن منتشر ومعروف. فعند الفساد (مثلاً) حيث المال عام ويخص كل الأنام، يتم التستر على السارق وأبن الحرام. وتُستر قضايا الفساد، بأدراج المكاتب وبحماية العتاد، كي لا تراها عينٌ ولا يحزن منها فؤاد. شؤوننا العامة مقبورة، وشؤوننا الخاصة غير مستورة. أنه زمان قُلب فيه الميزان، فبات السر معلن، والشفاف مدفن.