بقلم: رعد العراقي
أكثر من تسعة عشر عاماً والرياضة العراقية تقف فوق صفيح ساخن لا تعرف الاستقرار أو الثبات بالمستوى هي أقرب للفشل منه للنجاح وإن تحقّق بخجل هنا أو هناك، لكنه يبقى رهين بين الصدفة أو تعاظم جينات التحدّي والإرادة لدى الرياضيين شعوراً واحساساً منهم في اثبات الذات وكسر قيود الفشل الإداري الذي تسبّب في انحسار نتائجهم خارجياً.
كل تلك السنوات الطويلة عجز الخبراء ممّن يمسكون بمقود القيادة وخزائن المال من إيجاد العلاج وتصحيح المسار لها، فكانت المعالجات أشبه بوخزات تنشيطية وقتية لا تقوى على النهوض بها من أسرة الانعاش المُزمن بعد أن تسلّطت الفوضى والعشوائية وغياب الدراسات العلمية عن افكار وخيارات المعنيين بالأمر.
أكبر صفعة وجّهت للرياضة العراقية حين خطفت كرة القدم عرش الزعامة منها من دون الألعاب الأخرى وبفعل فاعل أراد أن يخفي غياب الاهتمام بتلك الألعاب وانحسار المواهب وتهالك المنشآت الرياضية في وقت كانت الأموال تذهب جميعها باتجاه الانفاق الشخصي والجولات السياحية والقسم الأعظم يخصّص لكرة القدم، فلا بناء ولا تخطيط، ولا صناعة أبطال.
الأمر احتاج الى غطاء بصري يقنع الجماهير، ويخفي سقطات الفشل عبر تأسيس مفهوم جديد يذهب باتجاه الترويج لحصر قيادة الأندية بنجوم الكرة السابقين بغضّ النظر عن امتلاكهم مقوّمات القيادة والخبرة الإدارية والشهادة الإكاديمية فكانت مشاهد استمالة مشاعر ومحبّة الجماهير باستقطاب بعض النجوم واستقبالهم كابطال فاتحين ومُنقذين وتسليمهم مقاليد القيادة للأندية مع صكّ البقاء للأبد كانت بمثابة فرض لعُرف جديد عنوانه (سطوة نجوم الكرة لقيادة الأندية)!
سبعة وأربعون اتحاداً لمختلف الألعاب من المفترض أن تكون تحت مقياس واحد من الأهمية والمطالبة بالنتائج خارجياً، وبالتالي فإن الأندية التي بلغ عددها أكثر من 350 نادياً هي الأخرى مطالبة بأن تحتضن كل تلك الألعاب كشرط للاعتراف بشخصيّتها المعنوية أو تستحقّ المُنح المالية وخاصة ممّن يعتمد تمويلها على الخزينة العامة من خلال الوزارات والمؤسّسات المرتبطة بها، فلماذا يتم تهميش نجوم الألعاب الأخرى لقيادة الأندية والتركيز على نجوم الكرة فقط!
الغريب أن وزارة الشباب والرياضة المسؤولة عن منح الموافقات لتأسيس الأندية لم نجد لها تحرّكاً باتجاه دراسة وتقييم عمل تلك الأندية ومدى تأثيرها في تطوير الرياضة العراقية بمختلف الألعاب وخاصّة هي تعلم جيداً أن نجاح الإدارة على مستوى الأندية يُسهم في تنشيط المنظومة الإدارية للاتحادات التي تعتبر بمثابة الوليد من رحم الهيئات العامة الجامعة لممثلي تلك الأندية والعكس صحيح.
حديثنا لا يستهدف سلب حق نجوم الكرة في اعتلاء المناصب القيادية طالما أنه يمتلك مقوّمات القيادة، لكنه يضع خطوطاً حمراء على من يُجازف بمصير نادٍ وسُمعته ويُكابر على قدرته الإدارية التي أثبتت فشلها متخفّياً بشهادة الشهرة والنجومية فقط في وقت يتم استبعاد الكفاءات الإدارية الشابّة والخبرات المتمرّسة التي يُمكن أن تحدث تغييراً جذرياً على مستوى كل الألعاب في النادي، لكنها مع الأسف لا تمتلك تلك الشهرة أو أنها ليست من نجوم الكرة السابقين، أهذه العدالة التي تنشدها الرياضة؟
باختصار، نحتاج الى إعادة برمجة مفاهيم التعريف للأندية عبر تفعيل القوانين الحاكمة التي تحدّد الشروط والمواصفات التي بموجبها تمنح الموافقات والاعتراف بها كأندية شاملة غير متخصّصة تعتمد سياقات متطوّرة تُدار من قبل منظومة إدارية متمرّسة تمتلك الشهادات العلمية والخبرات المتراكمة من دون فرض شرط النجومية، ولعلّ تجارب أندية العالم الكبرى سجّلت نجاحاً وتطوّراً مُذهلاً على أيدي كفاءات إدارية ليس لها تاريخاً رياضياً بينما سجّلت بعض أنديتنا تراجعاً خطيراً على مستوى كل الألعاب وحتى كرة القدم حين فرضت النجومية كبديل للكفاءة والشهادة والتخصّص العلمي.
أقرأ ايضاً
- سطوة الإعلام الممنهج
- لماذا تصمت الحكومة أمام عقود أندية دوري "لاليغا" ؟
- غزّة تحترق... وقلوب الحكّام العرب لا تحترق!