مكفوفون لكنهم يرون بعين البصيرة، فقدوا بصرهم الا ان اصرارهم وعزيمتهم لا تلين، صبية وشباب ويافعين كانو عند ثقة المرجعية الدينية العليا والعتبة الحسينية المقدسة التي سعت بكل جهدها لتوفر لهم معهدا وملاكا تدريسيا اصبح نموذجا للنجاح، فتعلموا وتتلمذوا وتدرجوا بالدراسة حتى حققوا النجاح بل وصل منهم الى المركز الاول والتفوق على طلبة باقي المدارس، وجدوا في معهد نور الامام الحسين للمكفوفين وفاقدي البصر الاسرة والبيئة العلمية والاخلاقية والساحة التي ينطلقون منها نحو الحياة الطبيعية، ورغم انهم يكتبون على شجرة اسموها شجرة الامنيات امنياتهم الا انك تجد بينهم الممثل والرادود الحسيني وقارئ القرآن.
من بغداد الى كربلاء
دفع ياسين السكن في منطقة العلاوي بمحافظة بغداد اصراره على تعلم لغة برايل للمكفوفين والانظمام للدراسة الابتدائية الى ان يلتحق بالمعهد الذي مقره في محافظة كربلاء المقدسة، يقول لوكالة نون الخبرية، "التحقت بالمعهد منذ ست سنوات كوني اشعر بالعجز وانا مكفوف لا استطيع فعل شيء وما زلت منذ اكثر من ست سنوات اداوم في المعهد واصبحت في الصف السادس الابتدائي قادما من بغداد الى كربلاء المقدسة وعائدا اليها يوميا وكانت هناك سيارة خصصها محافظ كربلاء السابق تقوم بجلبي وايصالي من والى بغداد وما ان انتهت مدته في المنصب ورحل لم تأتي بعد تلك السيارة فاصبح الاساتذة يقومون بايصالي الى مرآب بغداد ووضعي في السيارة التي تنطلق ودفع اجرة ايصالي وتصوير رقم السيارة وتوصية السائق بالاهتمام بي والاتصال بوالدي لكي ينتظرني في مرآب العلاوي وصباحا يفعل والدي نفس الشيء"، مبينا ان " اهلي كانوا يعانون من وضعي ويشعرون ان لا مستقبل لي ويحزنون، لكن الان اصبحوا فرحين ومصرين على ان اسير بهذا الطريق الذي رسمته لنا يد المرجعية الدينية العليا لنكون فاعلين ومهمين في المجمتع مثل باقي الشباب".
بر الامان
الكفيف سجاد (13 عاما) يقول في حديث لوكالة نون الخبرية، ان "والده يعاني من داء السكري وكان يعتصر قلبه الما وهو يراني بهذا الحال ويزداد حزنه وهو يفكر بمستقبلي وكيف سأواجه الحياة ؟ وأسئلة كثيرة كانت تدور في ذهنه لا يجد لها جوابا وكانت نسبة السكري في الدم ترتفع عنده ويعاني منها كثيرا، وعندما عرف بمعهد نور الامام الحسين للمكفوفين وفاقدي البصر لم يكن يعلم ماهي برامجه التدريسية والتعليمية فوافق على دخولي الى المعهد، ولكن ما ان تعلم سجاد على طريقة برايل والسير والسلوك والبرنامج الناطق باستخدام الحاسبة والهاتف النقال، لاحظ التغيير الكبير في حياتي وتطور امكانياتي بالقراءة والتعلم والفهم، فاصبح مطمئنا بشكل تام واني اصبحت بأيدي المرجعية الامنية والتي ستأخذني الى بر الامان".
ممثل مسرحي
زين العابدين طالب اخر كفيف وله ثلاثة اخوات اثنين منهن كفيفات والده مدرب رياضي يتخاصمون كثيرا نتيجة اختلافهم في تشجيع اندية كرة القدم الاوروبية، يبين لوكالة نون الخبرية، ان "العائلة مرت بضروف قاسية نتيجة صعوبة تحمل مراعاة ومدارات الاولاد المكفوفين الثلاثة، واصبح القنوط واليأس مسيطر على الابوين، لكن ما ان دخل هو واخواته الى المعهد ودرسوا العلوم التي تأهلهم للاستمرار في حياتهم الدراسية حتى وصلوا الى الصف السادس الابتدائي، واصبحوا فاعلين داخل العائلة ويتفاخر بهم الابوين امام الاقارب والجيران، حتى ساد بيت العائلة الراحة والامان والاطمئنان على مستقبل اولادهم واصبحوا على يقين ان فقدهم للبصر ليس عيبا او نقصا بل ان ما لديهم من مهارات وقابليات دفعت زين العابدين الى استثمار مواهبه في استخدام الحاسوب والهاتف النقال ونمت لديه قابلية التمثيل واصبح فنانا مسرحيا ويحمل هوية نقابة الفنانين وشارك في مهرجان بابل الدولي مع فرقة السراج وشارك بعملين مسرحيين في البيت الثقافي والمسرح الوطني في الديوانية وله مشاركة اخرى في احدى الجامعات عن جريمة سبايكر، كما عرض عليه دور في مسرحية في دولة الامارات الا انه اعتذر بسبب الامتحانات الدراسية".
اصرار على النجاح
يشرح احد الاساتذة لوكالة نون الخبرية الضروف العائلية التي اثرت كثيرا على نفسية الطفل الكفيف ( ن ) الذي "انفصل ابواه وعمره ستة اشهر وعاش مع امه وجدته وبعد زواج الام بقي وحيدا وتكفل به خاله، وبعد سنة تزوج الخال ورفضت زوجة الخال ايوائه عندها، فاعيد الى والده بشروط منها ان يعزل عن العائلة فعاش بهذا الحال، وعند جلبه المعهد واعادته الى دار والده بسيارة المعهد كان والده يشترط ان ان لا يحضر معلم معه بل تحضر معه امرأة فتتسلمه وتسلمه ما جعل المعهد يضطر يوميا الى ارسال السائق الى بيت جدته لاصطحابها واستلامه ثم الذهاب عند العودة الى بيتها مرة اخرى لاعادته، ورغم كل تلك العرقلات كنا نتحمل وهو ايضا يتحمل ليكمل دراسته، وهو الان في الصف السادس الابتدائي وسيمتحن بكلوريا هذا العام وهو متفوق دراسيا".
رواديد حسينيون
حسين مسلم كاظم ومهدي ياس عبد الخضر عشقا الردة الحسينية منذ نعومة اظفارهم وكان والد حسين شاعرا حسينيا وبدأ يحفظ ويكرر وعمره اربع سنوات، وعند بلوغه سبعة سنوات صعد المنبر لاول مرة وكانت قراءته لقصيدة (انريد نشكي همومنه لمهدينة) وشارك في برنامج وجيها بالحسين، يبين ان "التعليم في المعهد افاده كثيرا وخاصة باللغة العربية التي بدأ يقرأ بها القصائد الحسينية، ووصل به الامر الى المشاركة بالقراءة في محافظات البصرة وواسط بناء على رغبة اصحاب المجالس الحسينية التي تطلبه ، ويذهب الى تلك المحافظتين ويعود بمفرده بعدما اصبح يعتمد على نفسه بكثير من الامور الحياتية"، اما مهدي ياس عبد الخضر الذي كان اول تلميذ التحق بالمعهد وكانت والدته تعلمه سور من القرآن ولطميات واكمل تعليمه في المعهد، فيشير الى انه "منذ بلوغه الخامسة من العمر كان يستمع للمجالس الحسينية وبدأ بقراءة القصائد وعمره سبع سنوات وبدأ بقصيدة يا قارورة، وشارك في برنامج وجيها بالحسين وتعرفت على حسين هناك ونصحه مهدي بالالتحاق بالمعهد واصبحا زميلين في الدراسة والقراءة الحسينية".
قاسم الحلفي ــ كربلاء المقدسة
تصوير ــ عمار الخالدي
أقرأ ايضاً
- في مناطق زراعية ونائية اقصى جنوب العراق: موكب حسيني يؤوي ويطعم "مشاية" عراقيين وعرب واجانب(مصور)
- تأكيد ونفي.. ما قصة "المنفذ الأسود" في الأنبار؟
- لم يشيّد فيها اي مرفق طبي في الرضوانية :عائلة تتبرع بارض ومحال تجارية ودار لبناء مستوصف صحي والصحة ترفض(مصور)