بقلم: إياد الصالحي
جولة بعد أخرى، تغدو بطولة كأس العرب العاشرة مثل حلبة ملاكمة، الكلّ يتربّص بالكلّ، قلق وتحيُّن لفرصة الاطاحة مع تخوّف مشروع من ردّة الفعل، ويبقى الانتصار صنيع الثبات والثقة والقوّة النفسية، ولا يرتبط بشيء آخر بما في ذلك ساعات التدريب الطويلة، وهنا يحضر قول الملاكم الأسطورة محمد علي كلاي رحمه الله "الأبطال لا يُصنَعون في صالات التدريب، الأبطال يُصنَعون من أشياء عميقة في داخلهم أوّلهم الإرادة والحُلم والرؤية".
لكمةٌ عنيفة تهزّ كل لاعبِ أساسي أو احتياط مُنهزمٍ في داخله، ويتردّد من النزول الى ملاعب المونديال العربي بذريعة عدم إمكانية مجاراة منافسه، لنقصٍ في التحضير الفني أو خوفٍ من نتيجة ماحقة تضعه فريسة سهلة المنال من صغار مواقع التواصل، يلصقون به شتّى النعوت البذيئة !
وهو ما نوصي به بعض لاعبي منتخبنا الوطني الجُدد الذين وجدوا أنفسهم بين ليلة كاتانيتش وضُحى أدفوكات أنهم رهان جماهير الأسود للتصدّي إلى مواجهة عُمان والبحرين وقطر التي تحظى بوفرة من اللاعبين المهاريين اصحاب التجربة المستمرّة خلال السنين الثلاث الأخيرة في الأقل، وتأسيس قاعدة متينة من الثقة ليكونوا في المواعيد الثلاثة مع مدرّبهم الجديد بتروفيتش الذي يحتاج الى الثقة هو الآخر فنظراته الحائرة التي يوزّعها يميناً إلى زميله رحيم حميد ويساراً للدكّة تدلّل على حراجته بقبول الاستمرار في رحلة قطرية مسلوب الإرادة فيها !
من حُسن حظّ منتخبنا أنه وقع ضمن مجموعة خليجية ليس بينها منتخباً من قارّة أفريقيا مثل بقية المجاميع الثلاث، فما تعرّض له منتخب الأردن أمس السبت أمام المغرب متلقياً أربع كرات من دون ردّ يؤكد حاجة منتخبات عرب آسيا إلى ثقافة مواصلة اللعبة بجديّة حتى صفارة النهاية ولا تستسلم عند التقدّم بهدف أو تغلق منطقتها حال تسجيل التعادل، المغاربة حتى الوقت القاتل يحاربون بشراسة وكأنهم لم يحققوا النتيجة والأداء المطلوبين !
وهذا ما شاهدناه أمام البحرين وبنسبة أقلّ أمام عُمان، فمنتخبنا الوطني "المُحدّث" خيّب ظن بعض الإعلاميين الذين خرجوا بمانشيتات صبيحة الجمعة المباركة تستهزئ بقدراتهِ، فكان ردّه بجَلاَدة أحمد فرحان وفدائية مناف يونس وثقة حسن رائد بخبرة القناص علاء عباس والجوهرة محمد قاسم، هؤلاء أسود زمانهم فهموا الحياة أن مَنْ يطلُب العُلا لا يكترث لمن لديه عقدة الدُّونيّة، وآمنوا بأن نداء (أرفع رأسك أنت عراقي) يصلح وقت الانكسار ونشوة الانتصار لردّ إعتبار العراق "قلب الأرض".
وأنت يا صديقنا المونتينيغري، دع الجنود يدافعون عن رقعتهم ولا تربكهم باستبدال المواقع، نجحتَ في تحصين دفاعنا وناورتَ في تكليف صانعي الهجمات، لكنّك حتى الآن لم تجرؤ على الدفع بمهاجم ثانٍ صريح منذ أن عبث السلوفيني المهزوز في أسلوب منتخبنا بعد مجيئه أيلول عام 2018 وأسَرَ فكرِه في تأمين الشقّ الدفاعي وحذره المُبالغ حتى من أضعف الفرق! ثم جاء أدفوكات وفرض أن يلعب شيركو كريم كمدافع بينما نحتاج أن نحرّره هو الآخر ونستغلّ سرعته للأمام وتوغّله الشُجاع لمساندة الضغط الهجومي، وعليك أن تؤهِّلَ مدافعاً بدلاً منه ليستقرّ في مركزه.
حقيقة بدأنا نستشعر بانفراج أزمة المنتخب واستعادته روحيته المستمدّة من تاريخه الذي لا يتوقف عند فارق النتائج مع ذات المنتخبات، بل لأنه يمثّل الجيل الجديد الطامح بمدرّب يتفهّم سرّ صبره على سوء التخطيط وتجاهل سُلطات اللعبة المتعاقبة لمتطلبات تطوّرها واعتماد قاعدة حيّة تؤسَّسْ وفقاً لثقافة دوري محلي يواكب النهضة السريعة لاشقائهِ في السعودية وقطر والمغرب ومصر، وهو ما نترقّبه في عهد عدنان درجال إن أوفى ببرنامجه المُعلن لمصلحة الانتخابات.
لا تُصدَموا، ربما تنتهي رحلة الأسود في محطة لوسيل حيث لقاء العنابي، ولا ينقلنا الخط الأحمر لمترو الدوحة إلى محطّات أخرى نستطلع خلالها تجربتنا مع جيل بتروفيتش أو يحصل العكس ويقف سانشيز مبهوراً لتحيّة إصرارهم على مرافقة صاحب البيت إلى ملعب (المدينة التعليمية) ليلقّنوا فرق البطولة درساً جديداً أن بلاد الرافدين بنفطها وزرعها و.. كرة الأسود لن ينضب خيرها في عزّ الشدائد.