تعدد الزوجات بين الرفض والقبول في المجتمعات ولدى النساء
بسم الله الرحمن الرحيم (وإن خفتم ألا تُقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا)، ازدادت في الآونة الأخيرة حالات الطلاق بشكل كبير وملحوظ في العراق خاصة بعد التحولات الكبيرة التي طرأت على المشهد الاجتماعي العراقي جراء تأثير الفضائيات وانفتاح مجتمعنا على أوضاع وثقافات البلاد الأخرى، مما أدى ذلك لارتفاع حالات الزواج خاصة للمنفصلين من الرجال؛ لكنهم دائما ما كانوا يصطدمون بعائق كونه متزوج سابقا.
فمتى يبحث الرجل عن الزوجة الثانية؟ وهل المجتمع يوافق على حق الرجل في زوجة ثانيه أم لا؟ ولماذا تربط الزوجة الأولى هذه الزيجة بالإهدار لكرامتها؟ ولماذا أكثر النساء يكرهن تعدد الزوجات؟ كلها علامات استفهام محيره للبعض، قد تكون مقبولة من جانب القلة ومرفوضة من العامة؛ ولأسلط القليل من الأضواء على هذه الفكرة، أعتقد قد يقام الحد بصدد عرضها على أغلب النساء وأقصد الزوجات عدد واحد..
بداية أعتقد أن أغلب الرجال يمتلكون قلبا يستطيع أن يحوى بداخله أكثر من امرأة، وقد وضعت في جبلته لا باختياره وحيلته، ولذلك أكثرهم يستعين بتحليل الله عز وجل له بأربعٍ من النساء؛ بل ويؤكد بعضهم متسائلا لماذا لم يقتصر التحليل على امرأتين أو ثلاث فقط؟ بشرط الاستطاعة والعدالة، فالمعيار الأول الذي يستند عليه ضمير الرجل هو حكم الله في التعددية للرجل والتي أحلها لحكمة منه لا يعلمها إلا سواه..
من حيث البعد الديني لهذه القضية أجابنا الشيخ (د. محمد جمعة) إن \"الإسلام لم يبتكر التعدد، فقد ينظر البعض للإسلام بأنه هو من أجاز التعدد وفرق الأسر بمقابل إسعاد أناس آخرين، وهو رؤيا خاطئة، حيث إن ديننا الإسلامي لم يبتكر التعدد، بل نظمه رأفة ورحمة بنا\"، مشيرا إن \"كان الرجل في العصور السالفة إلى منتهى العصر الجاهلي يعامل المرأة أقسى معاملة ويبغضها ويحتقرها ويحرمها من حرية الحياة الشريفة، فضلاً عن تعدد الزوجات إلى حد الكثرة المبالغة التي تصل إلى ثمانين زوجة للرجل الواحد، لذا كان على الشرع الإسلامي أن يقوم وينظم حقوق المرأة ومسألة التعدد\".
على الصعيد نفسه يقول الشيخ (علي الخفاجي) أمين عام التجمع الإسلامي للإصلاح والسلام، إن \"مسألة التعدد أبتدئها الباري عز وجل في الآية الكريمة بمثنى، وهي إشارة إن التعدد في منظور الشريعة الإسلامية مقرونا بالعدالة، وسبحانه حينما قرنه بشرط العدل جبرا لخواطر النساء، ولهذا هدد رسول الإنسانية (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديثه الشريف من عواقب عد العدالة فقال: \"صاحب القميصين في النار إن لم يعدل\".
ويرى الخفاجي \"ضرورة تأصيل مسألة تعدد الزوجات لكثرة الأحداث والحروب التي جرت على البلد خلال الحقب الأخيرة مع ضمان الحق الشرعي لأنه من أفضل الوسائل للحفاظ على شرف وعزة وكرامة المرأة في المجتمع\".
فيما يشير علماء المسلمين الى \"سوء الفهم الحاصل لدى العديد من الأسر المسلمة من إن الله لا يفرق بين المذاهب كما إنه سمح للرجل أن يتزوج حتى من غير دينه فكيف لزواج من الدين نفسه\".
بينما يؤكد (الدكتور عدنان آل طعمه) عميد كلية الآداب بجامعة أهل البيت (عليهم السلام)، على \"عدم إهدار كرامة الزوجة الأولى أثر تزوج بعلها من ثانية وثالثة، فلو كان هناك أي نوع من أنواع إهدار الكرامة للزوجة الأولى التي خلقها الله لما حلل سبحانه التعددية! والله خير العادلين، وليس مثال على ذلك خير من النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) والأئمة الأطهار (سلام الله عليهم) فمعظمهم جمع بين أكثر من زوجه وهم خيرة رجال الأمة\".
ويعتقد طعمه إن \"السبب وراء كره أكثر النساء مسألة تعدد الزوجات، قد يكون لمجرد الشعور بعدمية العدالة بين الزوجات\"، موضحا إن \"مسألة التعدد هو وسيلة لعلاج المجتمعات من آفة العنوسة والعزوبة ووسيلة لإشراك المرأة الأرملة والمطلقة في حياة زوجية جديدة\".
وتؤكد مسؤول لجنة المرأة والطفل في مجلس محافظة كربلاء (مائدة عباس) بأنّ \"محافظة كربلاء تشهد (70) حالة طلاق شهرياً، بسبب عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية عرفها العراق خلال السنوات القليلة الماضية، رافقها نقص في الوعي الثقافي والاجتماعي للأزواج لكثرة حالات تعدد الزوجات الداعية الى مطالبة الزوجة الأولى بالطلاق\"، مبينةً في نفس الوقت إن \"أغلب النساء المطلقات لسن من محافظة كربلاء بل من العوائل التي نزحت الى المدينة\"، الأمر الذي دفع بعض الباحثين الاجتماعيين الى القول إن المجتمع العراقي يواجه التفكك.
الزواج من ثانية ليس بجريمة
هكذا ابتدأ (مناف سامي) حديثة عن تجربته بالزواج من الثانية متصورا \"في بادئ الأمر إن زواجه من الثانية كانت بادرة صحيحة في حياته الاجتماعية، خاصة بعد إن رُزق بالذرية وهو في ذات الوقت لم يلقي اللوم على زوجته الأولى (طليقته) لأنه على يقين إن المسألة الإنجاب من الله سبحانه وتعالى\".. لكن مما تأسف عليه مناف أن طليقته بعد زواجها من رجل أخر قد رزقت هي الأخرى بالذرية\"..
فيما يشير (كاظم جواد) إلى \"أن زواجه الأول لم يستمر، لعدم وجود توافق فكري بينه وزوجته\"، لافتا إلى \"انه بدأ بإعداده لبناء حياة جديدة مع إنسانه تفهمه ويفهمها لتشاركه مسيرة الحياة، لتكوين أسرة صالحة\".
فيما تقول (منى خطاب) الطالبة الجامعية إن \"الزواج من رجل منفصل ليس بجريمة فأن موضوع الزواج والانفصال مما حلل الله سبحانه شرعا، والمهم في الحياة الجديدة للرجل إن يكون قد اتخذ العبر في زواجه الأول\"، مضيفةً أن \"الزواج بحد ذاته هو تفاهم ومصداقية في المشاعر والمشاركة في بناء أسرة سعيدة\"، مشيرة إلى \"أنها لا تمانع في حال تقدم لخطبتها رجل كان متزوجا سابقا شريطة إن يكون رجل يفهم معنى قدسية الحياة الزوجية، والتزوج به ليست بالجريمة الكبرى ليعاقب عليها اجتماعيا\".
أما (شيماء الغرابي) طالبة جامعية فهي تعبر عن وجهة نظرها من الرجل المنفصل قائلةً \"رغم أن كثيرات لا يوافقن بالارتباط برجل مطلق وعائل، إلا أن أكثر البنات يرحبن بأن يكونن في المرتبة الثانية أو الثالثة إذا تعد عمرها الثلاثون عاما\"..
فيما تقول طالبة أخرى أن \"والدتها هي الزوجة الثانية لوالدها، وكانت تتذكر سابقا كيف أن العلاقة ودودة بين والدتها وزوجة أبيها التي كانت تناديها بأمي أيضا\"، موعزة أسباب التكافل الاجتماعي الذي كان يؤم حياتهم الى \"إصغاء كل من والدتها وزوجة أبيها لوالدها واحترامهما له\"، بينما تشير في ذات الوقت الى حياة أحدى أخواتها بالجحيم لأنها زوجة ثانية، فتقول \"كلما تقابلتْ أختي بضرتها تسيء الأحوال بينهما ويشتد الشجار بينهما\"، وتستمر بالحديث متأسفة فتشير أنه \"عقب أحداث 2003 التي طرأت على المجتمع العراقي كان للمحطات الفضائية دورا بارزا من خلال ترويجها للدراما التي تحاكي ثقافات الغرب وكذلك عودت أكثر الأسر العراقية التي هاجرت العراق خلال عقودٍ خلت وقد ألمت ببعض الثقافات التي نقلتها معها حال عودتها\"..
دراميًا الزوجة الثانية هل جانية أم مجني عليها..
كان للدكتورة (عزة كريم) أستاذ علم الاجتماع في جامعة عين شمس بمصر، تعبير حول دور الدراما والزوجة الثانية فقالت أن \"المجتمع المصري لا يتقبل فكرة الزوجة الثانية ويعتبرها لصة خطفت الزوج من أسرته\"، وتصف بادرة التزوج ثانية بحسب واقع مجتمعها المصري \"أن الزوجة الأولى في حالة رفض دائمة لأن تشاركها امرأة في زوجها، فإن هذا الزواج لا يكون ناجحاً إلا إذا توفرت فيه مقومات النجاح، كأن يتمتع الشريكان بقدر مناسب من العقل والحكمة، متفهمان للوضع الجديد ولمشاكله، ليعيشان حياة تتمتع بالاستقرار المادي والعاطفي، على خلاف ما تعرضه أغلب الدراما المصرية\".
فيما اشتهر المجتمع الخليجي بتعدد الزوجات، بينما يرفض المجتمع المصري فكرة وجود زوجة ثانية مهما كانت الأسباب والأعذار، وقد ترجمت الدراما المصرية تصورها عن الزوجة الثانية إما مفترسة قاسية المشاعر على أبناء زوجها أو صيادة ماهرة في نصب الشباك حول الرجال المتزوجين، فهل هذه الصورة الحقيقية للزوجة الثانية؟ وما حدود علاقتها بالأولى؟.
أما (أم صفاء) 48 عاماً، فتقول \"واجهت الصعاب حينما كنت زوجة ثانية لزوجي المرحوم الذي تزوجته وعندي من العمر (22) عاما؛ لكن حياتي معه لم تبصر عامها الخامس بعد أن أستشهد\"، مشيرة الى أن \"مشيئة القدر لعبت دورها بأن تتزوج للمرة الثانية وتكون أيضا زوجة ثانية؛ مبينةً أن \"ضرتها لم تتركها تهنأ بحياتها، والأكثر من ذلك أن كانت تتلاقى الوجوه أحياناً كانت تقذفها بأبشع الشتائم، ولكن بعد أن أنجبت لهم الطفل الذي لم تستطع أنجابه لأكثر من 12 عام أصبحتُ تبعا لنظام الحرب الباردة فتختلق الأسباب كي لا يأتيني زوجي في مسكن الزوجية\".
إذن وبالرغم من إن سردنا لجملة من أمثلة تعدد الزوجات والأمثال الشعبية والمورثات الثقافية التي قد تُدين الرجل في الزواج الثاني، إلا إن أكثر النساء تراه من يدفع الثمن من استقراره النفسي، فكل زوجة تحاول الاستحواذ عليه واستغلاله ماديا وعاطفيا، فلتجئ كل واحدة إلى التفاني في راحته لتكسب ودّه على حساب الأخرى، ولأن الرجل لا يقوى في كثير من الأحيان على العدل بين زوجاته، فأنه أحياناً يحترق بنيران غيرة الزوجتين، التي تتحول بينهما عادة إلى صدام وعنف وإهانات ولأن مشاكل الأسرة لا تكون نتيجة خلل داخلي فقط، بل ينعكس عليها جميع ظروف المجتمع المضطربة، فتوجهنا بسؤال للمتزوجين: هل امرأة واحدة لا تكفي؟ فجاء رد أكثر الرجال بعد الابتسامة إن الشرع سمح لنا بالتعدد على أن نعدل، وأضاف بعضهم إن الإسلام راعا جميع الشرائح وللمطلقة والأرملة حق الزواج، لكن ما يثير حفيظة أغلبهم هو تساؤلهم ما المشكلة في أن تعيش الزوجتان في أمان؟ وما الضرر الجسيم الذي سيقع عليهما؟!، بينما الإجابة عن سؤالنا للمتزوجين: (إن كان هنالك انسجاما كاملا على جميع الأصعدة وتوافق فكري مع زوجتك الأولى فهل تقدم على الزواج من ثانية؟) كان الرد أشبه بالاستفسار، فمنهم قال: ما المشكلة في أن تعيش الزوجتان معاً في سلام! ومنهم مَن ذهب بأن الحياة السعيدة التي رزق بها مع زوجته لا تتطلب أن يتزوج عليها إلا إن أكثرهم أخذته العزة بارتداء هذا الثوب من الإجابة، فمنهم من قال لو إن العمر يسمح لي فلا بأس بالثانية! ومنهم من قال: إذا أعمد على ستر أرملة أو مطلقة في بيت الزوجية فلا بأس! وغيرهم قال لا بأس في حل مشكلة العنوسة المتفشية في المجتمع! وبقيت اللا بأس مع أكثرهم وبأعذار مختلفة..
التعدد بين أنانية المرأة وفرضية العدل بالنسبة للرجل بين زوجاتِه..
تقول الدكتورة (افتخار الصفار) الباحثة الإسلامية في التجمع الإعلامي للمرأة العراقية، \"إننا إذا تكلمنا عن التعدد وطالبنا فيه فإننا نطالب بالتعدد بامرأة مسلمة مسكينة عاطلة لم تجد زوجاً وتبحث عنه؛ لكن بعض النساء المتزوجات لا يرغبن بذلك، بل لسان حالهن يقول اتركوها تجلس بدون زوج حتى لو كانت مسلمة، اتركوها تموت محرومة على ألا تأخذ مني زوجي، وهذا بعينه أنانية؛ وذلك نتيجةً لجياشة العاطفة والرغبة القلبية دون نظر ولا اعتبار للمصالح الشرعية التي تضمنها التعدد فهل من الخير أن تتمتع بعض النساء مع أزواجهن وتبقى الأغلبية محرومات من عطف الرجل والعائل؟ وما هي الجريمة التي ارتكبنها حتى يطبق عليهن هذا العقاب الصارم من أناس فقدوا العطف والرحمة؟\"، موضحةً إنْ \"الأنانية في النساء المتزوجات ومن يجاريهن من الرجال الأزواج الذين أسَرَتهم زوجَاتِهم فلا يدورون إلا في فلكهن ولا ينظرون إلا بمنظارهن، وإلا فما الذي يضير المرأة المتزوجة أن يضم إليها زوجها زوجة ثانية وثالثة ورابعة، مادام قادراً على النفقة عليهن والعدل بينهن في كل شيء؛ أهو حب الزوج وعدم القدرة على الصبر عنه؟ وهي التي تصبر عنه أياماً طويلة في سفره وعند غيابه عن البيت؟! أهو التملك والاستئثار به، أم هو الحسد والأنانية فقط؟ وهي دعوة أن تتصور كل زوجه نفسها مكان المرأة المحرومة التي لم تجد زوجاً لتعرف مدى المعاناة التي تعانيها تلك المرأة المحرومة!\"..
وأشارت الصفار إن \"من الإنصاف والعدل والمساواة وتحكيم العقل أن تفكر المرأة في أختها من بني جنسها وفي مصيرها وواقعها المؤلم الذي تعيشه، وما فعلت ذنباً تستحق بموجبه هذه العقوبة القاسية وهي حرمانها من الزوج والعائل والوالد سوى أنها كانت ضحية أختها المتزوجة وأنانيتها!\"، لافتةً إنه \"من الفضل في تعدد الزوجات الابتعاد عن المخاطر والمفاسد التي قد تنشأ من بقائها بلا زوج ولا معيل وقد تضطرها الظروف وتلجئها الحاجة إلى ارتكاب الإثم والفاحشة فتهدر بذلك كرامتها وتضيع إنسانيتها وتبيع بُضعها بأرخص الأثمان على مذبح الفاقة والحاجة!\"..
وتداركت الصفار الحديث مشيرة الى \"العدل بين الزوجات وما يحصل الآن من ممارسات سيئة من قبل بعض الأزواج المعددين ينبغي أن لا تحسب على التعدد وإنما تحسب عليهم وحدهم وهؤلاء هم الذين أساءوا للتعدد وجعلوا منه شيئاً مخيفاً لكثير من النساء، لأن الرجل لو عدل بين زوجاته لسعدنَّ بذلك ولانتفت المشاكل، فأكثر النساء يكرهن التعدد لأن أزواجهن لم يعدلوا معهن، والخطأ ليس بالتشريع وإنما الخطأ في التطبيق، ولو أن الرجال إذا تزوجوا عدلوا لاستقامت الحياة وقلة المشاكل ورضي الجميع ولربما دعت النساء إلى التعدد\".
لو كانت للمرأة سابقة زواج فاشلة، فهل علينا أن نتهمها بأبشع الاتهامات.
يقول (عبد الحسين الجبوري) الباحث الاجتماعي \"لو أن رجلا سيئا تقدم للزواج بسيدة منفصلة هل يكون تفكير أسرتها بأنها منفصلة؟ وبان هذا الرجل سيء؟ المفروض أن يكون كذلك؛ لكن في الغالب الأعم سيقدمون على تغاضي أي شيء في سبيل تخليص أنفسهم من كون ابنتهم مطلقة كونهم يعلمون العادات والتقاليد في مجتمعنا كم قاسية فلماذا يكون الرجل في الاتهام الأول؟.
أما لماذا الزوجة الثانية في حياة أكثر الرجال؟ فيضيف الجبوري \"لأسباب عديدة عند الرجل لأخذ هذا القرار فمنهم من يملك زوجه أصيله وأم من الدرجة الأولى ومخلصه ووفيه ومحبه لدرجه الجنون؛ لكنها رغم كل هذه الامتيازات فإنها أبت أن تكون له الشريكة والرفيقة والعشيقة أيضا، والرجل قد يحتاج للزوجة الشريكة أكثر من الزوجة التي تتعامل معه فقط من منطلق الزوجة العاملة والمكلفة، وهنا الرجل بحاجة لمن تشاركه أفكاره واهتماماته وقد يختلفا في النقاش وتتعارض الآراء ويحتد الحوار ولكن في النهاية الاهتمامات والمواضيع واحده حتى لو اختلفا في الرأي ووجهه النظر\"، مضيفا إن \"الغيرة لدى الزوجة أولى؟ تقتادها الى الشك والحيرة.. وهواجس تتأجج عنفواناً.. حوّلتها إلى امرأة مرهقة الأعصاب.. شاحبة الوجه.. عصبية المزاج.. تقتحم خصوصيات زوجها.. وبحرقة تفترس أي نقاش يدور حول الزواج بثانية، تريده إنساناً محنطاً.. بقلب صناعي.. لا يعمل إلا بأمرها.. فلا يرى سواها.. ولا يسمع إلا صوتها.. ولا يذكر إلا اسمها وفي كل لحظة تهدده بما ستفعله إن فكر بغيرها.. ففناء البيت ستقلبه إلى ساحة معركة.. والمخالب تحوّلها إلى أنياب.. والدموع إلى دماء.. وألف معنى ومعنى تبلوره أمامه وهنا يفقد الزوج حلاوة الاستمرار معها\".
ويتأسف الجبوري أنه \"يعرض صورة معنى الحب للنساء بعد الزواج في مجتمعنا، بأنها تعلمت إن تكون أما لأبناء يحتاجون إليها وخادمه للرجل فقط وهذا ما تعلمته أغلب النساء من أمهاتهن، والرجل أما إن يكون سيدا ظالما دكتاتورا كاسرا جبارا مهابا أو يكون عبداً أسيراً خانعا، فلا تعرف الكثير من النساء ماذا يريد الرجل؟ جاهلةً أنه يريد إنسانةً تشاركه حياته برضاه وليس بحكم القانون الشرعي أو قانون الغابة!\"..
الآن هل من ضرورة لتأصيل موضوع تعدد الزوجات والترغيب فيه.
مما تقدم يتبين لنا أهمية التعدد وحاجة المجتمع إليه، وضرورة الاهتمام به والكتابة عنه كثيراً وتعاون الجميع لتأصيله والترغيب به ابتغاء تصحيح ما راج بين المسلمين من تصور خاطئ عن تعدد الزوجات واعتباره عند البعض ظلماً للمرأة وهضماً لحقها وخيانة لها، لاسيما والحاجة اليوم ماسة لذلك، فما يجب على وسائل الإعلام بجميع مجالاتها تصحيح الفكرة لكل ما يتعارض مع مسألة التعدد من خلال ما يكتب في الصحف أو يعرض في المسلسلات والأفلام ونحوها كما على التربية إدراج هذا الموضوع ضمن المناهج الدراسية في المراحل المتقدمة وجعله ضمن إحدى المواد الإسلامية لكي تتعرف الطالبات على أهميته وفوائده وينشأن على عدم كراهيته والخوف منه فضلا عن دعوة أئمة المساجد وذلك بالحديث عنه وعن فوائده وعن حاجة بعض النساء إليه، فإن تضافرت الجهود وتعاون الجميع في هذا الموضوع فإنه سيصبح بإذن الله أمراً عادياً ومألوفاً بين الناس كما كان في المجتمعات السابقة ويسهل بذلك تعدد الزوجات وتخف وطأته على النساء، وتتحصن المحرومات ويُقضى على ظواهر العوانس والأرامل والمطلقات ويسعد الجميع بإذن الله.
إذن ومن ثمار ما جنيناه من تحقيقنا هذا بحسب البعد الاجتماعي فان سر هجوم المجتمع هو رعايةً للزوجة الأولى على حساب الزوجة الثانية، ولأن المشكلة خاضعة لتقييم الناس للمشاكل، إذ يعتمدون على المشاعر في المقام الأول ويعتبرون الزوجة الأولى ضحية دون أن يتطرقوا إلى الأسباب الحقيقية التي دفعت الرجل للزواج، فهناك زوجات يهملن رعايتهن لأزواجهن، ويهملن حقوقه الشرعية وهذا الجانب يؤثر بالسلب على استقرار الزواج نفسيا، إلى أخره من مسلسلات الإهمال التي لا تنتهي.. أما ما يعزز فكرة رفض الزوجة الثانية أيضاً أن أكثر المجتمعات لا تهتم إلا بالزواج الأوحد، حيث يُجرّم الطلاق والزواج الثاني، معتنقاً مبدأ زوجة واحدة للعمر كله، ورغم إن قصص الزواج الثاني لا تتشابه إلا أن نظرة المجتمع لها لا تختلف، وبناءً عليه لن تختلف سوء معاملة الزوجة الأولى للثانية، ولن تهمد غيرتها غير المبررة، وتظل وكأنها في حرب باردة طوال العمر.
ولكي تُفهَم مسألة الزوجة الثانية والثالثة؟.. علينا أن نعي إن التعدد دليل على واقعية الإسلام وحكمة الخالق الذي يعلم ما يصلح أحوال العباد، وكلنا يعلم أن ما من امرأة تحب أن تكون لها شريكة في زوجها، ولذلك شرطَ الله رخصة التعدد بالعدل وهو شرط لا يختص بالنفقة فقط، بل يتعداها إلى المبيت والمعاملة، وكل الأمور المادية والعينية والمشكلة هنا أن معنى العدل وتفسيره يقع في يد الزوج وحده، مما يؤدي في بعض الأحيان إلى ظلم كبير للزوجة الأولى والتي تأتي بعدها.
إضافة الى إن مسألة تعدد الزوجات ليس بلعبةٍ؛ بل مسؤولية مضاعفة يجب أن تكون حلالا، والحياة أصبحت معقدة جدا ومن الرجال من لا يستطيع تحمل مسؤولية زوجته وأولاده فكيف يمكنه الزواج بثانية؟ وكيف يبني أسرة جديدة على حساب أسرة قائمة بالفعل؟ ولا أقصد بكلامي هذا أن أغضِب الرجال أو أستفز مشاعرهم، ولا أقصد أيضا المساس بالثوابت الدينية، ولكنني أرى في بعض حالات تعدد الزوجات بصورته المطبقة في مجتمعاتنا تجسيدا لقول جبران خليل جبران \"وقاتل النفس مقتول بفعلته وقاتل الروح لا تدري به البشر.
أما هل التعدد نعمة وليس بنقمة؟ فليتصور كل واحد منا أخته أو ابنته وقد فاتها قطار الزوجية لسبب من الأسباب.. أو لنتصور حال تلك الأرملة أو المطلقة التي كان من قدر الله تعالى عليها أن تصبح كذلك فمن سيقدم على الزواج من تلك النساء؟! هل سيقدم عليهن شاب في مقتبل عمره؟ وماذا لو أن الله لم يشرع التعدد ما هو مصير أولئك النسوة اللاتي ينتظرن نصف أو ربع رجل؟ فلهذا يتبين أن التعدد هو لصالح المرأة أولاً قبل أن يكون لصالح الرجل وأنه ليس ظلماً للمرأة كما يظنه البعض، فالذي شرع التعدد هو الله سبحانه وتعالى حيث يقول في الحديث القدسي: {ياعبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً}.
تحقيق : حسين النعمة
موقع نون خاص
أقرأ ايضاً
- لماذا يثق العراقيون والعالم بالسيد السيستاني ...السيد الاشكوري يجيب (فيديو)
- اطباء اجانب في كربلاء: اكتشاف "حالة عراقية" باعتلال العضلات والاعصاب غير موجودة في العالم
- في اقل من عام :مركز الحياة للتداخل الاشعاعي بكربلاء يعالج المئات من المرضى بأحدث التقنيات بما فيها قسطرة الدماغ