- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الفتوى المقدسة في ذكراها السابعة.. (فذكر إن نفعت الذكرى) !
بقلم: نجاح بيعي
حرصت المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف, على أن تبث روح الأمل دائماً في نفوس جميع العراقيين وترفع من معنوياتهم, في أحلك الظروف وأصعبها. وما فتوى الدفاع المقدسة التي انطلقت من الصحن الحسيني الشريف في 13/6/2014م إلا دليل على ذلك. فالمطلع على الوضع المأساوي العام الذي يعيشه شعب العراق آنذاك, والذي فقد أبسط مقومات الحياة والعيش الكريم, لم يكن يتوقع منه أن ينهض من قاع الجرح الدامي, ويسطر أروع البطولات الملحمية في العصر الحديث, وهو يستعيد أرضه وعرضه ومقدساته من براثن عصابات داعش الإرهابية, ويكون مثالاً يُحتذى لباقي الشعوب في نيل الكرامة والحرية والسيادة.
فالفتوى بقدر ما أشارت بصريح العبارة الى العدو (الداعشي) وشخصته وأعلنت عليه الحرب بقتاله حتى النصر, الذي بشرت به بنص الفتوى (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم ۖ مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ۗ ألا إن نصر الله قريب), وكانت تلبية الشعب بجميع مكوناته لنداء الفتوى المقدسة, أداة ذلك النصر المؤزر, بالتطوع الى الأجهزة الأمنية والعسكرية الرسمية.
فلقد أشارت الفتوى بطريقة لا تخفى على اللبيب, الى أسباب تلك النكسة الأليمة التي توجت بغزو داعش لأكثر من ثلث أراضي العراق, وعبثت بمصائر ومقدرات ومقدسات شعبه. وهي أسباب تشير الى الطبقة السياسية وبالخصوص الذين يُمسكون بزمام السلطة والنفوذ في العراق. فالإختلاف والتناحر فيما بينهم من أجل المكاسب السياسية, مع تشتت كلمتهم وغياب القرار السياسي, ويضاف الى ذلك التدخل الأجنبي وعبث الأجندات الخارجية بإرادتهم الوطنية, وبالتالي عدم دعمهم للقوات المسلحة, مما دعت المرجعية العليا لأن تضع زعامات الأحزاب السياسية وقاداتها, أمام مسؤولياتهم التاريخية والوطنية والشرعية في هذه المرحلة (مرحلة قتال داعش) على أقل تقدير. فالنقطة رقم (3) من نص الفتوى المقدسة قد صرحت بوضوح بـ:
(إنّ القيادات السياسية في العراق أمام مسؤولية وطنية وشرعية كبيرة وهذا يقتضي ترك الاختلافات والتناحر خلال هذه الفترة العصيبة وتوحيد موقفها وكلمتها ودعمها وإسنادها للقوات المسلحة ليكون ذلك قوة إضافية لأبناء الجيش العراقي في الصمود والثبات، مُوضّحاً أنّها - أي القيادات السياسية - أمام مسؤولية تاريخية ووطنية وشرعية كبيرة).
ـ وإذا كانت تلك هي أسباب الإنكسار والنكسة, فإن أسباب الإنتصار على (داعش) هو العمل بخلاف ذلك مما لا شك فيه.
فتلبية رجال العراق لنداء الفتوى المقدسة من مختلف المكونات, حتى خاضوا معارك طاحنة ببطولة قل نظيرها ضد العدو حتى (قدّموا في هذا الطريق عشرات الآلاف من الشهداء وأضعاف ذلك من الجرحى والمصابين إنقاذاً للوطن الغالي وفداءً للحرمات والمقدّسات، حتّى منّ الله عليهم بالنصر المؤزّر وتمكّنوا من دحر الإرهابيّين وتخليص الأراضي المغتصبة من رجس المعتدين والقضاء على دولتهم المزعومة).
ـ فقالت المرجعية العليا بوضوح تام: (ولم يكن ليتحقّق هذا الإنجاز التاريخيّ العظيم لولا تكاتف العراقيّين وتلاحمهم وتوحيد صفوفهم، وتجاوز القوى السياسيّة لخلافاتهم وصراعاتهم، وتعاليهم على المصالح الشخصيّة والفئويّة والقوميّة والمناطقيّة أمام المصلحة العُليا للوطن والمواطنين من مختلف المكونات. بالإضافة الى تعاون الدول الشقيقة والصديقة ومساهمتهم الفاعلة في مساعدة العراق على دحر الإرهاب الداعشيّ).
ـ إتضح بأن من بين أهم أسباب تحقق الإنجاز التاريخي العظيم (الإنتصار على داعش) هو: (تجاوز القوى السياسيّة لخلافاتهم وصراعاتهم، وتعاليهم على المصالح الشخصيّة والفئويّة والقوميّة والمناطقيّة أمام المصلحة العُليا للوطن والمواطنين من مختلف المكونات).
ـ إذن فديمومة النصر وبقاء الإنجاز التاريخي العظيم هو ببقاء ذات العوامل والأسباب في ذلك!
ـ والسؤال يطرح نفسه هنا:
ـ هل استمرت القيادات السياسية في العراق على النهج الجديد؟. وهل احتفظت بأسباب الإنتصار العظيم؟
ـ الجواب: كلا!
فسرعان ما تنصلت تلك القيادات السياسية من مسؤولياتها التاريخية والوطنية والشرعية للأسف! فعادوا لما كانوا عليه بعد وضعت الحرب أوزارها وتحقق النصر, فدبّ الخلاف وتفاقم الصراع بينهم, والأنكى من ذلك استحداث قوى منافسة جديدة, وبأدوات صراع جديدة منذرة بخطر جسيم يضاف الى الأخطار الأخرى المحدقة بالعراق وشعبه.
ففي ذات بيان المرجعية العليا حول الذكرى (الخامسة) لفتوى الدفاع المقدسة في (14حزيران 2019م), نرى بعد أن استعراضها لأسباب (تحقّق الإنجاز التاريخيّ العظيم) بالإنتصار على داعش كما بينّا, أردفت المرجعية العليا بالقول:
ـ(ولكن بعد أن وضعت الحرب أوزارها وتحقّق الانتصارُ المبين وتمّ تطهير مختلف المناطق من دنس الإرهابيّين دبّ الخلاف من جديد - مُعلَناً تارةً وخُفْياً تارةً أخرى - في صفوف الأطراف التي تُمسك بزمام الأمور، وتفاقم الصراع بين قوى تريد الحفاظ على مواقعها السابقة وقوى أخرى برزت خلال الحرب مع داعش تسعى لتكريس حضورها والحصول على مكتسبات معيّنة، ولا يزال التكالب على المناصب والمواقع.. والمحاصصة المقيتة.. ولا يزال الفساد المستشري في مؤسّسات الدولة لم يُقابلْ بخطواتٍ عمليّة واضحة للحدّ منه ومحاسبة المتورّطين به، ولا تزال البيروقراطيّة الإداريّة وقلّة فرص العمل والنقص الحادّ في الخدمات الأساسيّة.. تتسبّب في معاناة المواطنين وتنغّص عليهم حياتهم، ولا تزال القوانين التي منحت امتيازاتٍ مجحفة لفئاتٍ معيّنة على حساب سائر الشعب سارية المفعول ولم يتمّ تعديلُها، كلّ ذلك في ظلّ أوضاعٍ بالغة الخطورة في هذه المنطقة الحسّاسة، وتصاعد التوتر فيها بعد فترةٍ من الهدوء النسبيّ لانشغال الجميع بالحرب على داعش).
ـ وأردفت المرجعية العليا: (إنّ استمرار الصراع على المغانم والمكاسب وإثارة المشاكل الأمنيّة والعشائريّة والطائفيّة هنا أو هناك لأغراضٍ معيّنة، وعدم الإسراع في معالجة مشاكل المناطق المتضرّرة بالحرب على الإرهاب، تمنح فلول داعش فرصةً مناسبة للقيام ببعض الإعتداءات المخلّة بالأمن والإستقرار، وربّما يجدون حواضن لهم لدى بعض الناقمين والمتذمّرين فيزداد الأمر تعقيداً).
ـ إذن: مع عودة تلك الأسباب في نهج عمل الطبقة السياسية الممسكة بالسلطة في العراق, يضاف اليها عنادها وعدم تقبلها الدرس القاسي قد (تمنح فلول داعش فرصةً مناسبة للقيام ببعض الإعتداءات المخلّة بالأمن والإستقرار..) و(وربّما يجدون حواضن لهم لدى بعض الناقمين والمتذمّرين فيزداد الأمر تعقيداً)..
ـ وهو ما يحصل اليوم فعلاً
ـ ونحن بانتظار الأسوء مما لا ريب في ذلك.