- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
تكبرـ ( زائد) ـ سخرية يساوي ركوب الإثم
حسن كاظم الفتال
قال رب العزة والجلالة في كتابه الكريم وخطابه العظيم بسم الله الرحمن الرحيم (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قومٌ من قومٍ عسى أن يكونوا خيراً منهم، ولا نساءٌ من نساءٍ عسى أن يكنّ خيراً منهن، ولا تلزموا انفسكم) ـ الحجرات يأمرنا الله سبحانه وتعالى أن ننأى بأنفسنا عن إزدراء الناس ايٍ كانوا ومهما كانوا .وأن لا ننتقص من كرامتهم ونقلل من شأنهم فلعل الذين ننتقص منهم هم أجل قدرا وأفضل منزلة وأعظم مكانة لدى الله منا . وهذا الخطاب موجه للرجال والنساء كما تضمنته الآية الكريمة سالفة الذكر. واستوجب احترام الإنسان لأخيه الإنسان الذي قال فيه أمير المؤمنين صلوات الله عليه : ( إما أخٌ لك في الدين أو نظير لك في الخلق ) ويبدو أن الإزدراء والسخرية والإستهزاء مؤداها شعور الفرد بالزهو والغرور والكبرياء والذي نهى الله سبحانه وتعالى عن هذه الصفة الذميمة إذ جاء في كتاب الله ( إن الله لا يحب كل مختال فخور ) فإن قسما من الناس يسعى للبحث عن المثالب أو الثغرات أو عن منقصة في شخصية إنسان آخر سواء كان صاحبه أو بعيدا عنه ليلج من هذه الثغرة أو المثلبة إلى ما يبتغي وينتقص من أخيه الإنسان ويقل إحترامه له ويسخر منه سرا أو علنا . ويدعي لنفسه الكمال والخلو من كل عيب . ونجد أن بعض الناس نساءً أو رجالا يتلذذون بالإنتقاص من الآخرين أو الإستهزاء والسخرية بهم ولعل هذا النوع يتيسر عليه التخلي عن الكثير من صفات الإنسانية والعقلانية وينسلخ من كل أكسية العواطف والحب والدعوة إلى التآخي بين الناس دون أن يعلم أن هذا التصرف أو الممارسة إنما هو نمط من أنماط إنتهاك الحقوق الإنسانية والتجني على الحرمات . وجاء عن الامام الصادق صلوات الله عليه أنه قال: إذكروا أخاكم إذا غاب عنكم بأحسن ما تحبون أن تذكروا به إذا غبتم عنه. والسخرية والإستهزاء والإزدراء صفة لا يمارسها إلا من هو في قلبه زيغ لذا فإن القرآن الكريم يخاطب المؤمنين وينهاهم ويحذر من التعاطي لمثل هذا الأمر فيقول عز من قائل : ( يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِن قَوْم) فهذه السمة لا تناسب المؤمن الذي تتملكه السجايا والصفات الكريمة فالإيمان يطهر النفس ويزكيها وينقيها من الشوائب ويحشدها بسمات في مقدمتها صفة الحياء من الله أولا ومن الناس ثانيا واحترام الناس والتواضع لهم بمعنى أنه لا يتعالى ويتكبر ويتفاخر على الآخرين إذ أن ازدراء الناس مؤداه صفة التكبر التي يتجرد منها المؤمن لأنها صفة مذمومة ولا تليق به .والتكبر آفة تنخر في هيكل الحسنات وتسوق صاحبها إلى تجاوز الحدود والإعتداء على حريات وكرامة الإنسان والتقليل من شانه ويفسد العلاقة بين الإخوان ويخلف ما لا تحمد عقباه من الشحناء بين أفراد المجتمع . وقد قال ربُ العزة والجلالة : ( سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) ـ الأعراف / 146 وجاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله: إن من علامات عقل المرء تركه التعالي على الناس . لذا جاء في الحديث القدسي قول الله سبحانه : الكبرياء ردائى ، والعظمة إزارى ، فمن نازعنى واحدة منهما ألقيته في نار جهنم . وجاء عن أبي عبد الله عليه السلام وإياكم والعظمةَ والكبر فان الكبر رداء الله عز وجل فمن نازع الله رداءه قصمه الله وأذله يوم القيامة. وعن زرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالا : لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر وجاء في كتاب تحف العقول 396 - 397 - في وصية الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام لهشام يا هشام إياك والكبر فإنه لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر، الكبر رداء الله فمن نازعه رداءه أكبه الله في النار على وجهه إلى أن قال يا هشام إياك والكبر على أوليائي والاستطالة بعلمك فيمقتك الله فلا تنفعك بعد مقته دنياك ولا آخرتك وكن في الدنيا كساكن دار ليست له انما ينتظر الرحيل. ويبدو أن بعض الأفراد يتوجسون الضعف في أنفسهم ويعانون من عجزهم عن معايشة الناس ومجاراتهم فيما يملكون من معادن النفوس ومن الصفات الحميدة وغيرها ومثل هؤلاء تلاحظ أن كلما ازددت توددا إليهم وفكرت في الإطراء والمدح والتمجيد بحقهم زادهم ذلك عمى وتصوروا واقعا غير واقعهم وازدادوا تمردا حتى حق عليهم قول الشاعر : وحسبكمُ هذا التفاوت بيننا ** وكل إناء بالذي فيه ينضح وكذلك قول الشاعر : ملء السنابل تنحني بتواضع ٍ ** والفارغات رؤوسهن شوامخ
أقرأ ايضاً
- كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟ (الحلقة 7) التجربة الكوبية
- مكانة المرأة في التشريع الإسلامي (إرث المرأة أنموذجاً)
- الرسول الاعظم(صل الله عليه وآله وسلم) ما بين الاستشهاد والولادة / 2