- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
التربيةُ -المُنخَفِضَةُ- والتعليمُ -العالي- في العراق
بقلم: د. عماد عبد اللطيف سالم
الكثيرُ من طلبةِ كُلّياتنا القادمونَ توّاً من الإعداديّة ، يُمَزّقونَ الجغرافيا الأرضيّة إرَباً ، ويُمَزِّقونَ معها التاريخ.
هذهِ نماذجُ من أجوبتهم في امتحان مادّة اللغة الإنجليزية .
طالِبٌ عراقيٌّ لا يعرِفُ إلى أيِّ بلدٍ تنتمي مدينةٌ إسمها ميسان ، ولا في أيّ بلدٍ تقعُ تلكَ المدينةِ التي إسمها كركوك.
أُنظروا إلى بقيّة النماذج ، وأحكموا بانفسكم.
ينطبقُ هذا الوضعُ"المعرفيُّ" على جميع المواد الدراسيّة دون استثناء.
أقومُ شخصيّاً ، ومنذُ خمسةِ وعشرين عاماً دون انقطاع ، بتدريس طلبة المرحلة الجامعيّة الأولى ، وفي كُلَ عامٍ أرْصُدُ هذا التراجعَ المُريعَ لمستوى وعي "التلاميذ" على جميعِ الصُعُد. وفي السنواتِ الأخيرةِ إزدادتِ نسبةُ أولئكَ الذين لا يُحسِنونَ القراءةَ والكتابةَ ، ولا يُجيدونَ عملياتَ الحسابِ الأربعِ ، ولا يستطيعونَ بناءً جُملَةٍ واحدةِ صحيحةٍ ، لا كتابةً ولا مُحادثَةً ، ولا جواباً عن سؤال.
تُرى ما الذي كانت تفعلَهُ وزارةُ التربيةُ بالضبط ، لخريجي الإعداديات "الضحايا" هؤلاء ، بكادرها التربوي والوظيفي الهائل ، والذي يصلُ إلى مايقرب من 700 ألف مُنتسِب ، يعملونَ في تشكيلاتها الإدارية والتعليمية في محافظات العراق كافة (ويُشَكّلونَ مع منتسبي وزارتي الدفاع والداخلية أكثر من نصف عدد الموظّفين في العراق ، ويتقاضونَ مع اقرانهم في تلك الوزارتين نصف تخصيصات الرواتب والاجور في الموازنة العامة للدولة) ؟؟.
علينا أنْ نسألَ وزارة التربية عن أسبابِ هذا الهدرِ المُفزِعِ في الإمكاناتِ والموارد ، وعن هذا التخريبِ المُفجِعِ والمُمنهَجِ لعقولِ أبناءنا ، قبلَ أنْ نسألَ وزارة التعليم العالي والبحث العلمي عن أسبابِ انحرافها عن معايير اليونسكو لجودة التعليم ، وعن التزامها بضوابط الجودةِ والإعتماديّة الدوليّة ، وعن ترتيبنا المُتدَنّي "جامعيّاً" ، مقابلَ جامعات غيرنا من الأممِ والشعوبِ والدُوَل.
علينا أن نسألَ وزارة التربية عمّا قامت بتقديمهِ لتلاميذها طيلة 12 عاماً، حاسمة وأساسيّة ، في تقرير مصيرهم المهني والعلمي.. قبلَ أن تقومَ بـ "ترحيلهم" إلى الكُليّاتِ والمعاهد ، ووضعهِم على ذِمّة وزارة التعليم العالي .. وقبلَ أنْ ترمي مسؤولية تعليمهم "العالي" في رقبة الجامعاتِ التي تُطاردها الآنَ جميعُ السكاكين : سكاكينُ الأهلِ ، وسكاكينُ المُجتمعِ المأزومِ والمُنقَسِمِ على نفسه ، وسكاكينُ الساسَة الفاشلينَ ، وسكاكينُ "البيئةِ" الطاردةِ والمُعاديةِ لكُلِّ عِلْمٍ وعالِمٍ و تعليم.
لَمِ يتجاوز إجمالي عدد أيّام دوام طلبة الجامعات (في مدن وسط وجنوب العراق، بما في ذلك العاصمة بغداد) ، للعام الدراسي الحالي 2019 – 2020 ، حاجزَ الثلاثينَ يوماً (كمُعدّلٍ) منذُ بداية العام الدراسي (الذي كان من المُفتَرَضِ أن يبدأ في 1 / تشرين الأوّل/اكتوبر/ 2019، فإذا بهِ يبدأُ في 12 -1 - 2020 ).
كان ذلكَ وضعاً استثنائياً مُرتبِطاً بتداعيات الإحتجاجات والتظاهرات .. ثُمّ جاءتْ عُطلةُ "كورونا" المفتوحة ، لُتضافَ إلى غيرها من عُطَلِنا المديداتِ "المفتوحات" .. وسيأتي بعدها تأجيلُ الإمتحاناتِ ، وحَذفِ "العُطْلاتِ" الربيعيّة والصيفيّة ، وسيأتي بعدها "تكريمُ" الطَلَبَةِ بركلاتِ الترجيحِ في "الدور الثالثِ" .. ثُمّ ينتهي كُلُّ ذلك بـ مكرمةِ "التحميلِ " العظيم.
لصالحِ من .. يحدثُ كُلُّ هذا ؟
كيفَ يُمكِنُ أنْ تكونَ لنا "سياسةٌ"تعليميّةُ سليمةٌ ، في هذه الفوضى العارمة ؟
كيفَ يُمكِنُ أنْ يكونَ لنا تعليمٌ "عالي" المستوى ، بوجود نظامٍ تربويٍّ "مُنخَفِض" المستوى ، و"هابطِ" الإمكاناتِ إلى هذا الحَدّ ؟
هل بوسعِ رئيس مجلس الوزراء الجديد ، ومجلس الوزراء الجديد .. وهل بوسع أولئكَ الذين يُقاتِلونَ بعضهم بعضاً، وهُم يبحثونَ لهم (وليسَ لنا) منذُ خمسةِ أشهرٍ عِجافٍ ، عن رئيس وزراءٍ جديد لا يخرجُ عن طَوْعِهِم وطاعتهم ، أنْ يُجيبوا على أسئلةٍ كهذه .. قبل فوات الأوان ؟
أقرأ ايضاً
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- ضرائب مقترحة تقلق العراقيين والتخوف من سرقة قرن أخرى
- الأطر القانونية لعمل الأجنبي في القانون العراقي