د. إبراهيم الجعفري
انمَا وصِفَت بَعض الخَصائِص بالثوابت لانّها غير قابلة للتغيير سواء أكانت بالارض أو بالبدن أو بالقيم أو حتى ببعض الأفكار والعواطف والقيم والأخلاق والتي ميّزت الانسان من جملة ما ميّزته عن باقي مخلوقات الله عز وجل.. واستوحيت من فطرته التي فطره الله عليها "فَأَقِمْ وَجْهك لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَة اللَّه الَّتِي فَطَرَ النَّاس عَلَيْهَا لَا تَبْدِيل لِخَلْقِ اللَّه ذَلِكَ الدِّين الْقَيِّم وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس لَا يَعْلَمُونَ"..
تماماً كما هي الجغرافية بمفهومها الواسع وبمصاديقها المتعددة ثابتة غير قابلة للتغيير فالأرض بقاراتها الخمس وببحارها وصحاريها وأنهارها كلها من الثوابت وحتى في ملتقى الأنهر كالفراتين بالبصرة أو النيلين في السودان فإن الناس اعتادوا على ثباتها عبر السنين من دون أي تغيير كذلك باقي الثوابت..
أما المتغيرات فهي كذلك لانها قابلة أن تتغير مع الزمن أو مع الظرف وهي خاضعة لإرادة الانسان ومستجيبة لها فالتاريخ ركام أحداث قديمة وقد تلتها احداث متاخرة وحديثة ومعاصرة ما توقفت ولن تتوقف على مدار السنين أو الأحوال "وَتِلْكَ الْأَيَّام نُدَاوِلهَا بَيْن النَّاس" وإذا كانت الجغرافية غير قابلة للتغيير فان التاريخ غير قابل للتوقف.. ففي كل دورة عقود من الزمن ان لم تكن في دورة سنين أقل مدةً تحصل تغييرات مستمرة فدول ترتقي في سلّم الصعود الى الأعلى وأخرى تهبط في سلم النزول الى الدرك الأسفل..
وحتى في المدن تحصل تغييرات كبيرة من خلال أحداث مهمة كالثورات والصناعات الثقيلة وتوفر الثروات وولادة المشاهير أو حلول الكوارث واشتعال فتيل الحروب وانتشار الأوبئة المرضية مما يضفي عليها حالاً غير الذي كانت عليه وحتى حلول العقاب الالهي على الأقوام التي تستحقه كعاد وثمود.. وعندما يحين البلاء لا يستثني من آمن بالله وصلح أمره اذا ما استحق كلُّ القوم عقابه في الدنيا!!..
ذلك ما يعلّل دفع الخطر عن أي أمة من شأن الأمة كلها ووجوب تلافيه لإبعادها عن مثل هذا المصير فقد قال أمير المؤمنين (ع) "لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولى عليكم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم".. فاذا ما استحقت أية أمة العقاب فلا يستثنى منه أحد!!..
الكثير من الناس مُنيَت شخصياتهم بضعف ما وهذا الضعف قابل للمعالجة شريطة ان يكون صاحبها قد حكّم ارادته في ذلك دون أن يستبد به اليأس فعنه (ص) جاء "لو تعلّقت همّة أحدكم في الثريّا لنالها" وفي حديث آخر "ما ضعف بدن عمّا قويت عليه النية".. مما يفتح للانسان منافذ التغيير نحو الأصلح مهما كانت صعبة شريطة ان ينطلق من ارادة قوية وتصميم جاد..
الذين انتهوا الى القوة والنجاح ربما لم تكن بدايتهم كذلك بل كانت محاطة بالفشل شخصياً وعائلياً واجتماعياً لكنهم لم يستسلموا له بل ضاعفوا ما أمكنهم من جهود للوصول لما يريدون وقد بلغوا ذلك ولو بعد مدة من الزمن وبذل مزيد من الجهد.. والحديث الشريف يؤكّد على التفاؤل ونبذ اليأس "يسّروا ولا تعسّروا وبشّروا ولا تنفّروا"..
النظرة الاستطلاعية عبر التاريخ تُرينا الكثير من مصاديق التغيير نحو الأفضل ممن تصوّروا ان الواحد منهم عصيٌ على التغيير ومستحيلٌ على التحسّن خصوصاً وأنّ عالم اليوم يتجاوب إنسانياً مع من تعرّض الى ضعفٍ ما.