بقلم | هشام الهاشمي
في ساعة السابعة صباحا يوم 10حزيران,يونيو 2014، ذهبت الى مطعم قدوري "الباقلاء" في شارع سليمان الفايق وسط بغداد، كان برفقتي صديق يذكرني صوته الإذاعي بالمذيع المخضرم"غازي فيصل"، وكنت أقول له الأخبار من ايمن الموصل ليست جيدة، وهل تشك بعملية نوعية لهم، وقد ينسحبون الى الحضر والبعاج، وانا لا أشك في حدوث هذا، او أكثر من ذلك!
حسناً، يمكنك ان تطلب الباقلاء بالدهن الحرّ مع بيضتين، وأنا متأكد ان أصدقائي في الموصل لا يبالغون ولا يكذبون بهذه الرسائل المرعبة، ولكن صاحب الصوت الإذاعي يقول؛ اتصلت بصديقي العميد في استخبارات الدّفاع وقال لي: أن الموصليين يبالغون في تقدير المواقف، والأمور تحت السيطرة هناك.
اتصلت بي نهلة الحيالي (تدرس التاريخ الحديث)، وقالت: إن عناصر القاعدة والملثمين في الشارع والنداء والتبليغات عبر مكبرات الصوت الخاصة بالمساجد، أنه يحدث الآن_بصوت منكسر_.
على طول الوقت الذي قضيته في مطعم قدوري الجميع يثرثرون بالأخبار حتى العامل البنغلاديشي أخذ ينصت جيدا لضوضاء الحديث دون توقف، في المغزى نفسه، الجميع يترقب شرا مستطيرا، او كابوسا مزعجا، وعلى التلفزيون، وفيما نحن ننتظر الشاي بعد الفطور، هناك اخبار عاجلة على قناة الشرقية دائماً؛ تحدثنا عن سيطرة مسلحي القاعدة وآخرين على احياء الساحل الأيمن في الموصل وعملية انتحارية تستهدف فندق غربي الموصل، وأخذت العواجل تنتشر على قناة السومرية تؤكد ما تنشره قناة الشرقية.
اذا كنت جالساً، باكرا، في مطعم قدوري، فستلتقي الأشخاص الذين يعملون في المساء وهم في طريقهم الى العودة للمنزل، وهم في معظمهم، من رجال الأمن، ورواد الفنادق والصالات والملاهي الليلية، والنساء، واصحاب سيارات الأجرة في الغالب.
وانا أغادر المطعم كانت هناك سيدة في منتصف العقد الخامس من عمرها فقيرة وهي تسأل المال، كانت تتحدث مع صباغ الاحذية وتثرثر معه عن اخبار الموصل.
في طريق العودة للبيت راديو السيارة لا تنقطع ضوضاؤه، عن اخبار سيطرة مسلحي القاعدة على احياء من الموصل.
أخذت أفتش في تويتر، واذهلني العدد الكبير من التغريدات عن "تحرير الموصل!!"، واغلب من يغرد هم الدواعش والبعثية واتباع هيئة علماء المسلمين واصحاب منصات الاحتجاج والاعتصامات في الحراك الشعبي السني.
بغداد لا تزال تكذب تدفق الأخبار القادمة من نينوى، والقنوات الحكوميّة كالعادة تهون وتستخف بالذي يحدث.
وقد سارع الإخباريون الإعلاميون، مستعيرين تعبيراً من وزير الاعلام في نظام البعث "الصحاف"، الى الحديث عن "إنهيار القوة المهاجمة" ولكن الحقيقة تؤكد "انهيار أمني مدمر" وانسحابات غير مبررة، ورفضا دوليا للتعاون مع بغداد، وسط فوضى طائفية وسياسية واجتماعية واسعة.
يصف صديقي الصحفي المحنك زياد العجيلي، الحدث:" الموصل سوف تتحول تدريجيا الى ميدان حرب وأرض حرام" وقد صدّق.
مع انهيار النظام الأمني والدفاعي عن نينوى وانهيار الاحتكام الى خطة الطوارئ او الخطط البديلة الحاسمة، اكتفت بغداد بتكذيب الأخبار والتوصية بحجب الفيسبوك وتويتر، عندها تعرف الصحفيون على برامج كسر الحجب(vpn).
في الساعة 11 صباحا من نفس الْيَوْمَ، أصبحنا نسمع اخبار عن سقوط اجزاء من الساحل الأيسر، أستيقظت العشرات من الخلايا النائمة في الشوارع المحاذية لجسور الموصل الخمسة، وقد تضاعفوا على مدار الساعة في مابعد ليصبحوا بالمئات.
فتنظيمهم وتوزيع الواجبات بينهم وثيابهم ولغة الجسد مختلفة بالكامل عن تنظيمات "مجلس العسكري لثوار العشائر" وعن" الجناح العسكري لحزب البعث، جيش رجال النقشبندية"، هم شباب وقليل من الشيوخ، ثياب سوداء وثياب قصيرة فوق الكعبين والى منتصف الساق، او الثوب العربي الخاص بالرجال "الدشداشة" وعمائم سوداء، ولحى وضفائر، وأناشيد وتكبيرات "الله اكبر" وأسطول من سيارات تويوتا بيك اب "الدوسرية/حوثية".
قرابة الساعة الرابعة عصرا، صدم أهالي بغداد بخبر سقوط الموصل، وأخذت التحليلات تتصاعد بشكل غريب ومُريب، بينما كان الإعلام الحكومي ينشر أغاني وأناشيد، جاءت الصور والفيديوهات على القنوات العالمية ومواقع التواصل الاجتماعي، تكذب مزاعم التّخدير" الأمور تحت السيطرة"، سيطرت داعش على مركز الموصل، فهم لا يحطمون الكثير من المباني والدوائر الحكومية، عدا مبنى المحافظة ومجلس المحافظة ونهب جميع المراكز الأمنية والثكنات العسكرية وفتح وكسر البنوك والمصارف ونقل الأموال الى مباني شديدة الحماية في حي الطيران.
في الساعة الثامنة مساءً انتظر اخبار قناة الحرة، والتي جاءت مطابقة للواقع ولعواجل قناتي الشرقية والسومرية؛ مسلحون يسيطرون على مدينة الموصل، وفيديوهات استعراض عسكريا بمئات من المركبات والعجلات الخاصة بالشرطة الاتحادية وقوات الطوارئ ومدرعات للجيش العراقي.
الْيَوْمَ أقول؛ لقد ولى عهد الكذب الإعلامي، ستضطرب الأخبار سريعا ويكتشف الكذب، كان أسلوب تهوين وتسهيل النوازل والنكسات وإعادة تدوير الخطاب إحد افشل الوسائل والطرق التي أستخدمها اعلام البعث ايّام الاحتلال الأمريكي، وبالتالي تدويره في زمن الاعلام البديل حماقة وعدم مهنية.
الْيَوْمَ تحررت الموصل والعراق بثمن كبير وبتضحيات اكبر وبمخلفات أشد تعقيدا، ولكن هل يمكن أن تراودني فكرة أن مثل تلك النكسة قد ولّت ولن تعود، مثل القاعدة ومثل الحرب الطائفية والحرب الأهليّة، حسناً، ها هي أسباب ومحفزات النكسة أخذت تعود مجدداً.
أقرأ ايضاً
- تركيا تحاور بغداد على احتلالها القادم
- لنضرب الصهيونية من جديد.. الشركات البديلة بدلاً من الداعمة للاحتلال
- مدينة الموصل وصوم كروبات السياحة