عباس الصباغ
كثيرة هي السيناريوهات التخريبية التي واجهها العراق دولة وشعبا ومرتكزات حضارية وشواخص عمرانية وبنى تحتية، منذ التغيير النيساني الذي نقل العراق من الديكتاتورية المقيتة الى فضاء الحرية الرحب، وقد انصبت هذه السيناريوهات على استعداء العراق وتوجيه سهامها المسمومة الى العملية السياسية التي اريد لها ان تكون واحة الديمقراطية الناجحة في الشرق الاوسط والتجربة الرائدة في مضمار الانتقال الديمقراطي السلس والتداول السلمي للسلطة على مستوى العالم الثالث.
اصحاب هذه السيناريوهات لم ترقْ لهم التجربة الديمقراطية الفتية في العراق لذا راهنوا على افشالها بشتى انواع الاذى والخراب من اجل ان يوهنوا من عزيمة الشعب العراقي او يصرفوا انظار العراقيين عن تجربتهم الديمقراطية البِكر، وفي النهاية تحقيق هدفهم المرسوم وهو ارجاع العراق الى المربع الاول، مربع ماقبل الدولة اي مربع (اللادولة) ولإفراغ التغيير من محتواه الديمقراطي والذي هو استحقاق عراقي تاريخي طال انتظاره لعقود عجاف ذاق فيها العراقيون الويلات تلو الويلات.
وتنوعت اجندات تلك السيناريوهات الكيدية مابين الامنية والارهابية والاقتصادية وصولا الى البيئية، ففي عين الوقت كان العراق يواجه اكبر تحدٍ امني تمثّل بتنظيم القاعدة التكفيري الظلامي ـ وبعده داعش ـ وما كان يمارسه هذا التنظيم المدعوم من جهات خارجية مشبوهة من اعمال ارهابية وحشية طالت جميع مناحي الحياة رعبا وتدميرا وخرابا لم يشهده أي بلد في العالم لأسباب سيا/ طائفية مبيتة، وفي هذا الحين كانت سوق النفط الذي يعتمد عليه العراق في تمويل اقتصاده الريعي، كانت تشهد اغراقا سلعيا مقصودا ليختل ميزان العرض والطلب بالضد من مصلحة العراق، وكان هذا الاغراق السلعي مقصودا لإحداث تخلخل في المورد شبه الوحيد الذي يعتمد عليه الاقتصاد العراقي وبالتالي إضعاف هذا الاقتصاد بغية افقار الشعب العراقي واحراج حكومته المنتخبة، وفي حرب اقتصادية مكشوفة تزامنت مع الهجمات الارهابية التكفيرية فكان العراق يقاتل في خندقين ويدير معركتين متزامنتين ضروسين في ان واحد، الاولى ضد الارهاب واعماله الوحشية، والثانية لتفادي انهيار الاقتصاد العراقي الذي كان ومنذ 2014 معرّضا لذلك، وبعد ان تذبذبت اسعار النفط الى مستوى تاريخي غير مسبوق، وهي ذات السنة التي استولى عليها تنظيم داعش القروسطي المتخلف على ما مقداره ثلث مساحة العراق، وقد نجح العراق في كلا المعركتين وخرج منتصرا منهما، لاسيما معركته الوجودية مع داعش الذي انبثق من رحم القاعدة وهي معركة تحرير ملحمية استمرت لأكثر من ثلاث سنوات بعد ان التحمت جميع الوان الطيف المجتمعي العراقي في هدف واحد هو القضاء المبرم على داعش وطرده من الاراضي العراقية فأزالت خطر هذا التنظيم الى الابد وبجهود ابطال قواتنا الامنية تعاضدهم فصائل الحشد الشعبي والعشائري.
وكان الهدف من تلك السيناريوهات التدميرية جعل الواقع المعيشي العراقي مكتظا بالأزمات، فما ان تنتهي ازمة حتى تبدأ اخرى متمّمة لها او مرادفة، فجاءت ازمة شحة المياه في اخر المطاف لتضيف تحديا اخر للحكومة العراقية استلزم ان تحشد كوادرها العاملة للضغط على دول الجوار التي تشكل اراضيها المنبع الذي يغذي نهري دجلة والفرات وهما شريانا العراق اللذان قامت على ضفافهما اول حضارة في التاريخ، وبهما سمي ارض السواد.
وبالمحصلة لم يبالغ رئيس الوزراء د. حيدر العبادي في التفاؤل حينما وصف الدور الذي يمر به العراق الان هو دور البزوغ واستشراف مستقبل اكثر امانا واشراقا، بعد ان مر العراق بسلسلة من المصاعب والفواجع والنكبات والمعاناة والتي سببتها تلك السيناريوهات التخريبية، والبزوغ استعارة ذكية استنبطها عن بزوغ الشمس وظّفها رئيس الوزراء للتعبير عن هذه المرحلة المهمة من تاريخ العراق المعاصر، طالبا من المجتمع الدولي ان يتهيأ لهذا البزوغ المرتقب بقوله لمجلة (تايم) الامريكية مؤخرا (لقد اعلنتم ذات مرة انها "نهاية العراق" وانا اقترح الان عليكم ان تعلنوا عودة بزوغ العراق).
ولقد بدأت تباشير هذا البزوغ تلوح من الان اذ جاء العراق في المرتبة (117) في معايير السعادة الدولية متقدما بذلك على عدد من الدول العربية بينها مصر، وبعد ان كان يصنّف ضمن الدول الاكثر شقاء ومحرومية وخطورة او من الدول المرشحة للأفول والتلاشي، ولاول مرة يدخل معيار السعادة الدولي بمرتبة لاباس بها.
أقرأ ايضاً
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- ضرائب مقترحة تقلق العراقيين والتخوف من سرقة قرن أخرى
- الأطر القانونية لعمل الأجنبي في القانون العراقي