قالت وكالة رويترز، في تقرير لها نشرته إن إيران وليس أكراد العراق هي الفائز الوحيد بعد أسابيع من 'مقامرة' رئيس إقليم كردستان، مسعود بارزاني، بالاستفتاء على الاستقلال عن بغداد، والذي جرى أواخر ايلول الماضي.
وكان ثمن خسارة الرهان باهظاً على جميع الأطراف المعنيّة؛ فقد اضطرّ بارزاني لإعلان أنه سيترك الرئاسة، وأغضب خصومه السياسيون الأكراد قاعدة تأييدهم الشعبية، كما يشعر الأكراد الذين صوّتوا بأغلبية ساحقة لصالح الانفصال عن العراق بأنهم بعيدون عن حلم الاستقلال أكثر من أي وقت مضى.
ويقول محللون إن إيران هي الفائزة في نهاية الأمر، ويُعتقد على نطاق واسع أن طهران أيّدت ونسّقت الهجوم الذي شنه رئيس الوزراء حيدر العبادي، في 16 تشرين الاول الماضي، لاستعادة السيطرة على المناطق التي تقودها السلطات الكردية، بما في ذلك مدينة كركوك الغنية بالنفط.
وقال حسن شعبان، لوكالة 'رويترز'، وهو معلّق سياسي في بغداد وناشط في مجال حقوق الإنسان: 'إيران أحسنت اللعب أكثر من الإدارة الأمريكية، وكانت القوة الأساسية التي أدّت إلى الاتفاق لتسليم كركوك'.
وتحوّل ميزان القوى في شمال العراق كشف عن نفوذ الأكراد المحدود في أي مفاوضات مستقبلاً، كما كشف عن الدور المهيمن الذي أدّته إيران في تغيير مصير المنطقة الكردية.
وأصبحت إيران في وضع يسمح باستغلال العواقب السياسية والسعي لانتقال مركز السلطة من أربيل عاصمة الإقليم، حيث هيمن بارزاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، إلى حلفائها الأكراد في مدينة السليمانية.
وقال ريناد منصور، وهو خبير في شؤون العراق، بمؤسسة 'تشاتام هاوس' البحثية: 'كانت إيران دوماً تسبق الاستفتاء بخطوة'، مضيفاً: إن 'الإيرانيين كانوا يعرفون أن بارزاني لن يؤجّل الاستفتاء أبداً. كان الإيرانيون يخطّطون بينما كان الأمريكيون يتخبّطون'.
ونقلت وكالة مهر للأنباء عن علي شامخاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، قوله إن طهران نصحت بارزاني بعدم إجراء الاستفتاء، لكنه لم ينصت لها، موضّحاً 'نحن نصحنا بارزاني بعدم إجراء الاستفتاء، وحذّرناه من تداعياته على الأكراد وعليه شخصياً، ولكن للأسف الشديد كانت تصل إليه معلومات خاطئة حول مكانته الاجتماعية عند أكراد العراق، وقرّر إجراء الاستفتاء'.
والقائد العسكري الإيراني، الجنرال قاسم سليماني، حليف منذ سنوات لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الخصم الرئيسي للحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة بارزاني.
لكن الاستفتاء زاد القائد الإيراني القوي قرباً من المشهد السياسي الكردي، وأظهر كيف امتدّ نفوذ إيران لما هو أبعد من الحكومة المركزية في بغداد.
وقال مسؤولون أكراد وعراقيون، إن سليماني نصح الزعماء الأكراد في شمال العراق قبل الاستفتاء بسحب قواتهم من كركوك، وإلا فسيواجهون هجوماً 'شرساً' من القوات العراقية، ومقاتلين مدعومين من إيران.
ودفع التحذير مقاتلي البيشمركة الأكراد إلى الانسحاب من معظم المناطق، وعمّق الشقاق بين قاعدة نفوذ بارزاني في أربيل وعشيرة الطالباني المنافسة في السليمانية، والحليفة منذ وقت طويل لإيران.
وعبّر سياسيون عراقيون سنّة عن قلقهم من تنامي نفوذ إيران، لكنهم أثنوا على العبادي لأنه كبح جماح الطموحات الكردية.
وقال الشيخ أحمد العبيدي، من مجلس عشائر كركوك، لنفس الوكالة: 'نحن نشعر بالقلق لرؤية أذرع الأخطبوط تمتدّ بعمق في الشمال، لكن إذا تكرّر نفس التدخّل في المناطق الكردية عندها فالأسوأ قادم وسيسود عدم الاستقرار، رأينا جميعاً المشاكل التي حصلت في أجزاء أخرى من العراق، ومن ضمنها المناطق ذات الأغلبية السنّية، والناتجة عن تدخّل إيران'.
وقضى الاستفتاء وما أدى إليه من عقاب عسكري وسياسي عراقي للأكراد، بدعم من إيران وتركيا، على القوة النسبية التي تمتّع بها الأكراد منذ سنوات.
وأُلقي باللوم على بارزاني؛ سواء من جانب خصومه السياسيين، وأبرزهم عشيرة الطالباني المتحالفة مع إيران، أو حلفائه الغربيين، الذين غضبوا لإصراره على إجراء الاستفتاء رغم نصائحهم، كما أثنت الولايات المتحدة، الاثنين الماضي، على قرار بارزاني بالتنحّي.
وباتت القوات العراقية، التي تضم فصائل شيعية مدعومة من إيران، تسيطر على المعابر الحدودية في الشمال، وطرق التجارة المهمّة بالنسبة إلى الأكراد.
ووجه استسلام كركوك عسكرياً ضربة قاصمة للأكراد على المستوى المعنوي والمالي، إذ انخفضت عائدات المنطقة من تصدير النفط إلى النصف بين ليلة وضحاها.
ولم يتضح من سيكون الرئيس المقبل لحكومة إقليم كردستان العراق، لكن في خضم الصراع على التوصل إلى تسوية بين بغداد وأربيل، يجب أن يوضع نفوذ طهران في الاعتبار.
أقرأ ايضاً
- الحكومة العراقية تعدّل قراراً خاصاً بالتبرع من رواتب موظفيها الى لبنان وغزة
- السوداني يؤكد رغبة العراق بوضع آلية لتطوير العلاقة مع روسيا
- العراق ينفي تسلم رسالة إسرائيلية من وسيط أذري