- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
بعض الجوانب المشرقة من حياة أمير المؤمنين / الجزء الرابع
حجم النص
بقلم: عبود مزهر الكرخي المبحث الأول: بعد البعثة في مكة أوَّل الناس إسلاماً: أجمعت الروايات على أنَّه لم يتقدم أحد على أسلامه وانه لم يسجد لصنم ولهذا تجد ان الكثير من أهل السنة يكنونه بكرم الله وجهه دلالة على عدم سجوده لصنم وهم لم يطف بصنم ولم يسجد له فكانت نفسه خالصة لوجه الله سبحانه وتعالى ولهذا كان هو نفس رسول الله(ص) وهذا ما ذكرته في آية المباهلة {أنفسنا وأنفسكم}(1) وكان عنواناً للشرف والاستقامة، وكانت صفاته الصراحة والأيمان والثقة العالية بالنفس لم يهتز ايمانه قيد شعره والشجاعة التي كانت السمة البارزة عليه فكان إيمانه المطلق بربه هو الحاكم المطلق في كل إحكامه والمسيطر على جميع حركاته وتنقلاته ولا يتوهم أي احد في انه كان أول القوم إسلاماً وأقدمه بدين الله والذي يشكك بذلك من المبغضين له والناصبين العداء له وهم معروفين وقد وصفهم نبينا الأكرم محمد(ص) في وصف حب علي عندما يقول في حديثه عن أم سلمة قالت: {إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لعلي: لا يبغضك مؤمن، ولا يُحبّك منافق}.(2) والحقُّ أنَّه كان أوفر الناس حظاً، بل هو الاصطفاء بحق، حيث منَّ الله عليه بصحبة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم منذ صباه حتَّى نشأ على يديه، لم يفارقه في سلم أو حرب، وفي حل أو سفر، إلى أن لحق رسول الله صلىاللهعليه وآلهوسلم بالرفيق الأعلى وهو على، صدر عليّ.. إنّه ربيب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الذي كان يغذِّيه معنوياً وروحياً ويؤدّبه ويعلّمه. ثم أسلمت السيدة خديجة أم المؤمنين فكانت، ثالثة أهل هذا البيت، إنّها أجابت وأسرعت الاجابة، فكان هؤلاء الثلاثة يعبدون الله على هذا الدين الجديد قبل أن يعرفه بعد أحد غيرهم. ففي الصحيح: أنَّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يخرج إلى البيت الحرام ليصلِّي فيه، فيصحبه عليٌّ وخديجة فيصلِّيان خلفه، على مرأى من الناس، ولم يكن على الأرض من يصلِّي تلك الصلاة غيرهم.(3) وسوف نجلب وبالأدلة من كان أول القوم إسلاماً وكيف تم التحوير والتزييف بإعطاء أن أول الصبيان إسلاماً هو علي وان أول الرجال هو أبو بكر من اجل المنزلة لأبو بكر مع العلم أن هناك ما بناقض ذلك والذي سوف نتتبعه من خلال سردنا للأدلة. وعن عفيف بن قيس، قال: كنتُ جالساً مع العبَّاس بن عبد المطَّلب رضي الله عنه بمكة قبل أن يظهر أمرُ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فجاء شاب فنظر إلى السماء حيث تحلَّقت الشمس، ثم استقبلَ الكعبة فقام يصلي، ثم جاء غلامٌ فقام عن يمينه، ثم جاءت امرأةٌ فقامت خلفهما، فركع الشاب فركع الغلام والمرأة، ثم رفع الشاب فرفعا، ثم سجد الشاب فسجدا، فقلت: يا عبَّاس، أمر عظيم، فقال العبَّاس: أمر عظيم، فقال: أتدري من هذا الشاب؟ هذا محمَّد بن عبد الله ـ ابن أخي ـ أتدري من هذا الغلام؟ هذا علي بن أبي طالب ـ ابن أخي ـ أتدري من هذه المرأة؟ هذه خديجة بنت خويلد. إنَّ ابن أخي هذا حدَّثني أنَّ ربَّه ربُّ السماوات والأرض أمره بهذا الدين الذي هو عليه، ويقولُ العبّاس بن عبد المطلب: (وأيم الله ما أعلم على ظهر الأرض أحداً على هذا الدّين إلاّ هؤلاء الثلاثة).، قال عفيف: ليتني كنتُ رابعاً.(4) وبقي هؤلاء الثلاثة على هذا الدين، يتكتمون من الناس أياماً طوالاً، رجع في بعضها علي إلى أبيه بعد عودته من بعض الشعاب، حيث كان يتعبَّد مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم: ـ يا بني: ما هذا الدين الذي أنت عليه؟ ـ أجاب: يا أبه! آمنت بالله وبرسوله وصلَّيتُ معه. فقال أبوه: أمَّا إنَّه لا يدعونا إلا إلى الخير فألزمه.(5) "من حديث أبو طالب مع ابنه الأمام علي(ع)". فكان علي أول من أسلم، هكذا أثبت سائر أهل العلم، وهذا ما تؤكّده الأحاديث النبوية الشريفة. ففي كلام أهل العلم: قال اليعقوبي في تاريخه: « كان أول من أسلم: خديجة بنت خويلد من النساء، وعليٌّ بن أبي طالب من الرجال، ثُمَّ زيد بن حارثة، ثُمَّ أبو ذرٍّ، وقيل: أبو بكر قبل أبي ذرٍّ، ثُمَّ عمرو بن عبسة السلمي، ثُمَّ خالد بن سعيد بن العاص، ثُمَّ سعد بن أبي وقَّاص، ثُمَّ عتبة بن غزوان، ثُمَّ خبَّاب بن الأرت، ثُمَّ مصعب بن عمير ».(6) وممَّن قال بأنَّ علياً أولهم إسلاماً: ابن عبَّاس، وأنس بن مالك، وزيد ابن أرقم. رواه الترمذي ورواه الطبراني عن سلمان الفارسي رضي الله عنه، وروي عن محمَّد بن كعب القرظي، وقال بريدة: أولهم إسلاماً خديجة، ثُمَّ عليٌّ عليهالسلام وحكي مثله عن أبي ذرٍّ، والمقداد وخباب، وجابر، وأبي سعيد الخدري، والحسن البصري وغيرهم (7): أنَّ عليَّاً أول من أسلم بعد خديجة، وفضّله هؤلاء على غيره.(8) وعن أنس بن مالك، قال: « بعُث النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم الأثنين، وأسلم عليٌّ يوم الثلاثاء ».(9) وجاء في خبر محمَّد بن المنذر، وربيع بن أبي عبدالرحمن، وأبي حازم المدني والكلبي: «أوَّل من أسلم عليٌّ». قال الكلبي: كان عمره تسع سنين، وكذا قول الحسن بن زيد بن الحسن، وقيل: «إحدى عشرة سنة، وقيل غير ذلك».(10) وقال ابن اسحاق: « أول من أسلم علي وعمره إحدى عشرة سنة ».(11) ومن قال: « أسلم عليٌّ وهو ابن عشر سنين » مجاهد برواية يونس عن ابن اسحاق، عن عبدالله بن أبي نجيح.(12) وقال عروة: أسلم وهو ابن ثمان، وقال المغيرة: أسلم وله أربع عشرة سنة، رواه جرير عنه.(13) وعن سعد بن أبي وقَّاص، وقد سمع رجلاً يشتم أمير المؤمنين عليهالسلام فوقف عليه وقرَّره بقوله: يا هذا، علامَ تشتم عليَّ بن أبي طالب؟ ألم يكن أول من أسلم؟ ألم يكن أول من صلَّى مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ ألم يكن أعلم الناس؟... إلى آخره.(14) أما الأحاديث النبوية الشريفة فإنَّ الواحد منها يكفي هنا لقطع النزاع وردّ أيّ ادعاء في تقديم أحد على عليّ عليهالسلام في إسلامه، والحق أن معظم الذين أدعوا أسبقية أبي بكر لم يقولوا بأنه أسلم قبل علي أو خديجة أو زيد بن حارثة، بل وضعوا تصنيفاً من عند أنفسهم يجعل لأبي بكر أولوية بحسب هذا التصنيف، فقالوا: أول من أسلم من النساء خديجة، ومن الصبيان علي، ومن الموالي زيد، ومن العبيد بلال، ومن الرجال أبو بكر (15)! هذا مع أن أبا ذر ـ على الأقل ـ كان قد سبق أبا بكر، وكان رابعاً. وهذا التصنيف قد تم وضعه من اجل رفع منزلة أبي بكر وهو تصنيف مردود ولا يتطابق مع العقل والمنطق. ولنقف الآن على بعض الأحاديث النبوية الشريفة التي قطعت كل نزاع وردّت كل ادعاء: فمما ورد عن النبي الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم بسند صحيح قوله: « أوَّلكم وروداً عليَّ الحوض، أوَّلكم إسلاماً عليُّ بن أبي طالب ».(16) وعن سلمان الفارسي: قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم: « أول هذه الأُمَّة وروداً على نبيِّها أولها إسلاما عليٌّ بن أبي طالب ». رواه الدَبَري عن عبدالرزاق، عن الثوري، عن قيس بن مسلم، قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات.(17) وقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لفاطمة الزهراء عليها السلام، كما رواه أنس:« قد زوَّجتك أعظمهم حلماً، وأقدمهم سلماً، وأكثرهم علماً». وروى نحوه جابر الجعفي وغيره.(18) وقال أبو ذر: سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول لعليٍّ عليهالسلام: « أنت أول من آمن بي، وأنت أول من يصافحني يوم القيامة، وأنت الصدِّيق الأكبر، وأنت الفاروق تفرِّق بين الحقِّ والباطل، وأنت يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الكافرين ».(19) وأخيراً فقد كان علي عليهالسلام يصرِّح في كثير من المناسبات بذلك، فيقول عن نفسه: « أنا عبد الله وأخو رسوله، وأنا الصدِّيق الأكبر، لا يقولها بعدي إلا كاذب مفتر، ولقد صلَّيت قبل الناس سبع سنين ».(20) ويقول عليهالسلام: « أنا الصدّيق الأكبر، آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر ».(21) وأمّا أبو بكر، فقد أخرج الطبري في تاريخه بسندٍ صحيح أنه أسلم بعد خمسين رجلاً، وهذا نصّ روايته: « حدّثنا ابن حُميد، قال حدّثنا كنانة بن جبلة، عن إبراهيم بن طَهمان، عن الحجّاج بن الحجّاج، عن قتادة، عن سالم بن أبي سالم بن أبي الجَعْد، عن محمد بن سعد، قال: قلت لأبي: أكان أبو بكر أوَّلكم إسلاماً؟ فقال: لا، ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين»(22) الدعوة الخاصة: عليٌّ يوم الإنذار الأول: وبقت الدعوة الإسلامية من ثلاثة إلى أربعة سنوات سرية يتم التكتم على الإسلام والدعوة إليها بالخفاء خوفاً من أذى المشركين والذين كانوا يحسون بان لدى الرسول محمد(ص) شيء عظيم هو يدعوا إليه ولكن لا يجهر به وبعد ذلك جاء الأمر الآلهي بالتبليغ والجهر بالدعوة والتي أخذت طابع إبلاغ عشيرته لما تمثله قبيلة بني هاشم من منزلة ومكانة ورفعة بحيث أن آمنت به جعلته في منعة وخاصة انَّه كان يتمنَّى أن يسارع في الاستجابة له أهله وعشيرته، وكلُّ من يتَّصل به بنسب أو سبب، لأنَّهم آله وعشيرته الذين يشكِّلون قوة مكينة، لمكانتهم المرموقة في داخل مكَّة وخارجها، فسيعود عليه إسلامهم بالنصر حتماً، فيصبح مرهوب الجانب وفي منعةٍ من الأعداء الألدَّاء، وهذه وسيلة متينة لتثبيت دعائم دعوته وبالتالي السلامة من آذى قريش والعرب ككل ولهذا نزل جبرائيل الأمين بأمر الله سبحانه وتعالى إذ يقول { وَأنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَقْرَبِينَ* وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ* فَإنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُون}.(23) ولكنه كان يخشى من رفض دعوته من قبل عشيرته لدين التوحيد، فينضمُّوا إلى غيرهم من الأعداء والمكذِّبين والمستهزئين ببعثته صلوات الله وسلامه عليه.. قال جعفر بن عبدالله بن أبي الحكم: « لمَّا أنزل الله على رسوله (وَأنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَقْرَبِين) اشتدَّ ذلك عليه وضاق به ذرعاً، فجلس في بيته كالمريض، فأتته عمَّاته يعُدنه، فقال: « ما اشتكيتُ شيئاً، ولكن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين» » (24).. بعد ذلك عزم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم امتثالاً لأوامر الله تعالى على إنذار آله وعشيرته ودعوتهم إلى الله، فجمع بني عبد المطلب في دار أبي طالب، وكانوا أربعين رجلاً ـ يزيدون رجلاً أو ينقصون رجلاً ـ وكان قد قال لعلي عليهالسلام: « اصنع لي صاعاً من طعام واجعل عليه رجل شاة واملأ لنا عساً من لبن »، قال علي عليهالسلام وهو ينقل هذا الحديث واصفاً قومه: « وإنَّ منهم من يأكل الجذعة ويشرب الفرق »(25)، وأراد عليهالسلام بإعداد قليل من الطعام والشراب لجماعتهم إظهار الآية لهم في شبعهم وريِّهم ممَّا كان لا يشبع الواحد منهم ولا يرويه.(26) فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم: « أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج من سفح هذا الجبل، أكنتم مصدقي؟ » قالوا: بلى، أنت عندنا غير متهم، وما جرَّبنا عليك كذباً، فقال: « أني نذير لكم من بين يدي عذاب شديد » فقطع كلامه عمه أبو لهب، وقال: تباً لك! ألهذا جمعتنا؟! ثم عاد فجمعهم ثانية، فأعاد أبو لهب مثل قولته الأولى، فتفرّقوا، فأنزل الله تعالى عليه {تبت يدا أبي لهب وتب }.(27) إلى آخر السورة المباركة. ثم جمعهم مرَّةً أُخرى ليكلِّمهم، وفيهم أعمامه: أبو طالب والحمزة والعبَّاس وأبو لهب، وغيرهم من أعمامه وبني عمومته، فأحضر عليٌّ عليه السلام)لهم الطعام ووضعه بين أيديهم، وكان بإمكان الرجل الواحد أن يأكله بكامله، فتهامسوا وتبادلوا النظرات الساخرة من تلك المائدة التي لا تقوم حسب العادة لأكثر من رجلين أو ثلاثة رجال، ثم مدُّوا أيديهم إليها وجعلوا يأكلون، ولا يبدو عليها النقص حتَّى شبعوا، وبقي من الطعام مايكفي لغيرهم. فلمَّا أكلوا وشربوا قال لهم النبيُّ صلىاللهعليهوآلهوسلم: « يا بني عبد المطَّلب، والله ما أعلم شابَّاً في العرب جاء قومه بأفضل ممَّا جئتكم به، إنِّي جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه » ثمَّ عرض عليهم أصول الإسلام وقال: « فأيُّكم يؤازرني على هذا الأمر، على أن يكون أخي ووصيِّي، وخليفتي فيكم من بعدي »؟.فلم يجب أحد منهم، فأعاد عليهم الحديث ثانياً وثالثاً، وفي كلِّ مرَّةٍ لايجيبه أحد غير عليٍّ عليهالسلام، قال عليٌّ: ـ والرواية عنه ـ « فأحجم القوم عنها جميعاً، وقلت ـ وأنا لأحدثهم سناً ـ: أنا يا نبيَّ الله أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي، ثُمَّ قال: إنَّ هذا أخي، ووصيِّي، وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا ». قال: « فقام القوم يضحكون، ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع » (28). فقال أبو لهب: خذا على يَدَي صاحبكم قبل أن يأخذ على يده غيركم، فإن منعتموه قُتلتم، وإن تركتموه ذللتم. فقال أبو طالب: يا عورة، والله لننصرنَّه ثُمَّ لنعيننَّه، يا ابن أخي إذا أردت أن تدعو إلى ربِّك فأعلمنا حتَّى نخرج معك بالسلاح.(29) وهذا يدلل على ان أبو طالب كان مسلماً وهو مؤمن قريش ليدحض كل الروايات التي تقول غير ذلك، ومن بين جميع الأهل والأقارب كان محمَّد صلىاللهعليهوآلهوسلم شديد الحزن والمرارة، فقد كان وحيداً، وكان يتمنَّى مناصرة قومه له على قوى الشرك المدجَّجة بالمال والسلاح، لكنَّ عليَّاً عليهالسلام كان قوماً له رغم صغر سنه، لتأتي الأحداث أن يكون الأمام علي (ع) هو الناصر الأكبر والوحيد لرسول الله محمد(ص) وليكون أخوه بالسلاح ليثبت مقولته التي تقول(فأنا حربٌ على من حاربت) وبهذه المقولة قامت دعائم الإسلام وثٌبتت قواعده وتم إرسائها. ولنجد بالتالي لهذا البيان الصريح في علي عليه السلام: « أخي، ووصي، وخليفتي من بعدي » لابد أن يجد من يبذل كل جهد للالتفاف عليه إما بالتغييب، وإما بالتكذيب، وإما بالتأويل... ذكر الشيخ محمَّد جواد مغنية في كتابه (فلسفة التوحيد والولاية) ـ بعد أن ذكر المصادر الأساسية لهذه الواقعة ـ: أنَّ من الذين رووا نصَّ النبيِّ صلىاللهعليهوآلهوسلم على عليٍّ عليهالسلام بالخلافة ـ عندما دعا عشيرته وبلَّغهم رسالة ربِّه ـ: محمَّد حسين هيكل في الطبعة الأولى من كتابه (حياة محمَّد)، ومحمَّد عبد الله عنان في كتابه (تاريخ الجمعيات)، ولكنَّ هيكل ـ في الطبعة الثانية وما بعدها من الطبعات ـ قد مسخ الحديث المذكور وحرَّف منه كلمة « خليفتي من بعدي » في مقابل خمسمائة جنيه، أخذها من جماعة ثمناً لهذا التحريف.(30) الجهر بالدعوة وبدأت الدعوة إلى الإسلام جهراً وعلانية عندما أمره الله سبحانه وتعالى بذلك فقال {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ * الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ }.(31)فاتخذت الدعوة أذاً منحى أخر وهي دعوة للمشركين والذين يجعلون مع الله آلهاً أخر وهم يستهزئون وكان من الكفر والشرك ما يفوق العقل والوصف والذي يقول له ربه أنا نكفيك الذين يستهزئون بك بالنصر من الله سبحانه وبالأمام علي(ع) الذين كان له خير ناصر وعون له وعندما أَخذَ رسول الله(ص) يدعو إلى رسالته، تَعنَّتتْ قريشٌ بشِركها، وبدأت تؤذي رسول الله، فتُرسلُ صبيانَها لإيذاءِ رسول الله(ص)،للتقليل من شأنه. فكان عليّ(ع) يَنقَضُّ عليهم واحداً واحداً، وها مانقله الرواة إذ يقولون: وحدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن هشام، عن أبي عبد الله(عليه السلام) أنه سئل عن معنى قول طلحة بن أبي طلحة لما بارزه علي: يا قضيم ؟ قال: إن رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان بمكة لم يجسر عليه أحد لموضع أبي طالب، وأغروا به الصبيان وكانوا إذا خرج رسول الله(صلى الله عليه وآله) يرمونه بالحجارة والتراب فشكى ذلك إلى علي(عليه السلام) فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، إذا خرجت فأخرجني معك، فخرج رسول الله(صلى الله عليه وآله) ومعه أمير المؤمنين(عليه السلام) فتعرض الصبيان لرسول الله(صلى الله عليه وآله) كعادتهم فحمل عليهم أمير المؤمنين وكان يقضمهم في وجوههم وآنافهم وآذانهم فكانوا يرجعون باكين إلى آبائهم ويقولون قضمنا علي قضمنا علي! فسمي لذلك: القضيم، و ظلّت هذه الصّفةُ في ذاكرةِ العرب. ففي معركة أُحُد برز (أبا طلحة العبدري) لمعسكر المسلمين، و برز إليه أمير المؤمنين(ع) فسأله طلحة: مَنْ أَنّتَ يا غلام؟. قال: أنا علي بن أبي طالب. قال طلحة: قد علمتُ يا (قَضِمْ) أَنّه لا يجسُر عليّ أحدٌ غيرَك. وكان عُمْرُ عليّ (ع) حينذاك ستا وعشرين سنة. وكان أبو طلحة من فرسان العرب وحامل لواء المشركين يوم أحد فقتله وقتل كل أخواته الواحد بعد الآخر وهذا يبين مدى شجاعة الأمام علي(ع) في أن كل من يبارزه هو ميت لا محالة وهنا للنكتة أن هذا أبو طلحة لم يقتله ويجهز عليه وسأله عمر لماذا لم تجهز عليه؟ فأجابه انه ميت لا محالة وهناك رواية تقول أنه كشف عورته عندما أراد الأمام أن يجهز وهو لا يفعل ذلك وأشاح وجهه عنه وحال حال عمر بن العاص والذي فعل نفس الفعل ويعتبرونه بطل وفاتح أرض الكنانة فلك الله أيها التاريخ كم تحمل من تزوير وتحريف والذي يكتب حسب أهواء المؤرخين والحكام.(32) ولنسرد هذه الحادثة عن أسد رسول الله الحمزة(رض) وفي كيفية مساندته لأبن أخيه وان من حامى الرسول والإسلام هم بنو هاشم وفي مقدمتهم الأمام علي(ع) والتي نذكرها كما يلي: "ومرة جاء محمد إلى عمه أبي طالب يشكو له أذى قريش فقد ألقوا عليه سلى ناقة فقال محمد لعمه: (عم كيف ترى حسبي فيكم)؟! فقال له: وما ذاك يا ابن أخي؟ فأخبره بالأمر فدعا أبو طالب حمزة، وقد توشح كل منهما بسيفه، وقال لحمزة: خذ السلى معك وتوجها إلى القوم، وهم في فناء الكعبة، فلما شاهد القوم المقبلين توسموا في وجوههم الشر وإذا ما وقفا على رؤوسهم قال أبو طالب لأخيه حمزة: مرّ السلى عليهم، ومن يعارض اقتله، فامتثل حمزة حتى أتى على آخرهم، فالتفت أبو طالب إلى ابن أخيه قائلاً: هذا حسبك فينا!.(33) برغم هذا فلم تكف قريش عن أذى محمد كلما ساعدتها الفرصة وتقسو معه حيث أمكنتها القسوة.. وكان هو بنفسه لا يرد عليها أذاها، يحتمل منهم الألم، ويطويه بين أضلاعه، اللهم إلا أن يعلم أحد الثلاثة بما أصابه، فيكون الانتقام حامياً، وهم: أبو طالب، وحمزة، وعلي، فيردون الصاع صاعين على المعتدي. وذات يوم يمر النبي عند الصفاة، فإذا بأبي جهل هناك ونفسه الحاقدة تغلي في صدره، فيلتفت يمنة ويسرة، فلا يرى من يخشى صولته وغضبه، ليس معه أبو طالب، ولا على مقربة منه حمزة، ولا إلى جنبه علي، وحيد يلقاه، وهي فرصة سنحت له، فليستغلها. وينهال الرجل المريض القلب على محمد دون خشية وخوف يشتمه فيجرحه بالكلام، ويسبُّه ببذيء القول، ويفرغ كل حقده الجاهلي، ويظهر كل كوامن حسده.. ورسول اللّه لم يفتح شفتيه ليردَّ عليه، لأنه لعلى خلق عظيم، ويأنف أن يقابل هذا الأحمق الجاهل، وإن امتدَّ به العمر. وينصرف بعد إن يسمع منه ما لم يسمع، ويتألم ويحزن ويطوي في نفسه أحزانه وآلامه. ويسري الخبر إلى حلقات قريش يقطع أوصال مكة كالعاصفة، ويسبق وصول أبي جهل إليها، ويفرح من يفرح ويحزن من يحزن، ومن يرد عليه؟ والفاعل ابو جهل الشرس الفض، وكثير منهم يرغب بأذى محمد؟ ولا يرغب إن يباشره بنفسه خوفاً من نقمة أبي طالب وبطش آله. وأقبل ابو جهل على قومه يفخر بما عمله، ويزهو بما بدر منه فقد أرقه محمد، وسلب النوم من عينه، فما باله - وقد غنم به - ان لا يسكب كل ما في نفسه من لؤم كلاماً لا هوادة فيه، إذا لم يتمكن من مهاجمته بالسيف. وكانت عادة حمزة إن لا يعود إلى بيته من سفره إلا إذا طاف بالبيت سبعاً. ولا يدخل بيته إلا إذا مرَّ على أندية قريش ومجالسها، مسلماً، ومتحدثاً، ومداعباً، وكان مهاباً مرموقاً ولماذا لا يكون كذلك، وهو من أعز فتيان قريش، وأشرفها وأقواها شكيمة، يعدّ من أبطال الهاشميين، مزهواً بقوته معتداً ببطولته. وانه لفي ذلك اليوم وقد عاد من سفر له، متوشحاً قوسه كعادته توجه إلى الكعبة ليؤدي طوافه، ويقف على أندية قريش يشارك جلاسها أحاديثهم، فينتهي إلى حلقه امرأة، وهي مولاة لعبد اللّه بن جدعان، واستقبلته وقد بدا على وجهها ظل من الحزن، ثم لفت خمارها، وقالت له - ولعل دموعها سبقتها إلى الحديث -: يا أبا عمارة، لو رأيت ما لاقى ابن أخيك محمد قبل قليل من أبي جهل لجزعت، فقد ظفر به، ولم يكن معه أحد، فصب عليه وابلاً من السب الفظيع، والشتم القاسي، وبلغ منه ما يكره ولم يكلمه محمد بشيء..لم يكن هذا الخبر بأقل من وقع الصاعقة على بطل الهاشميين ومادت الأرض به.. شيء لا يطاق، وكبير جداً على بني هاشم أن تنال بني مخزوم ما نالت. وغلى الغضب في قلبه، ودارت الدنيا في عينيه.. يا للعار. حفيد عبد المطلب وسيد قومه يصاب بمكروه، وعين لبني هاشم تطرف، الموت خير من الحياة.. ولمحت المرأة الغضب يجول على وجه حمزة، ويكاد يقطع أنفاسه، فأدار وجهه، ومضى نحو البيت، وهو يخسف الأرض بمشيته، وعيناه تلقف كل من يلقاه في طريقه لعله المتطاول على كرامته فيهجم عليه. والمرأة خلفه تهرول، وفي قلبها أكثر من فرحة، فقد ضاقت ذرعاً من شر أبي جهل، إنه الرجل الشرس الفض، الذي يعتدي على الناس، ويرى انه المتفضل في اعتدائه، ويشاكس الكثير من الضعفاء، ويصيبهم بسوء، ولا رادع يردعه، ولا راد يرده. وهي بهذا التفكير لمحت حمزة قد وصل إلى المسجد، وتخطى الجالسين واحداً بعد الآخر حتى وقف على رأس أبي جهل وانفجر بوجهه صارخاً، والغضب يتطاير من عينيه: أتشتم محمداً يا حقير، ورفع قوسه، وأنزله بعنف على رأسه فشجه، ووقع على الأرض، وكاد يثني بها، لولا بعض الجالسين فقد حالوا دون ذلك، ثم قال له: أتشتمه يا أبا جهل؟ وتهينه، وأنا على دينه وأقول ما يقول، رد عليّ إن امكنك القول، وتكلم إن ملكت الكلام؟ ولم يهن على بني مخزوم ما أُصيب به زعيمهم، فتواثبوا من هنا وهناك ليأخذوا بثأرهم، ولم يتزحزح حمزة، ولم ترهبه جعجعة السيوف، وقف يتحداهم، وهو يرفع قوسه استعداداً لكل خطب، لم يهب شخصاً، ولم يطأطئ رأسه لأحد. ويخشى أبو جهل العاقبة إذا توسع الأمر، فيطلب منهم أن يخلدوا إلى الهدوء والسكينة، ويتركوا أبا عمارة، لأنه ألحَّ في سب ابن أخيه سباً قبيحاً. ووصل الخبر إلي النبي(ص)وهو في بيته، فتنكشف الغمة عنه، ويشكر لعمه حمزة موقفه.(34) وفي أجزائنا سوف نكمل هذه القبسات النورانية والخالدة لسيدي ومولاي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) أن شاء الله إن كان لنا في العمر بقية. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المصادر: 1 ـ [آل عمران: 61]. 2 ـ الأمام أحمد بن حنبل في المناقب ورواه في المسند (ج6 ص292 ط الميمنية بمصر). محب الدين في الرياض 2 ص214. ابن كثير في تاريخه: 7 ص354. الخرگوشي النيسابوري في شرف النبي. الحافظ العبدري الأندلسي في الجمع بين الصحاح. سبط ابن الجوزي في التذكرة: 32. ابن كثير الدمشقي في البداية والنهاية: 7 ص354. ابن حجر العسقلاني في فتح الباري 7 ص57، العسقلاني في تهذيب التهذيب:ج8 ص456. المناوي في الكواكب الدرية 1 ص39. المناوي في كنوز الحقائق 192. الخطيب التبريزي في مشكاة المصابيح 564. القندوزي في ينابيع المودة: ص47، 182. النبهاني في الفتح الكبير: 3 ص355. البرزنجي في مقاصد الطالب 11. السيد علوي في القول الفصل 1 ص63. الأمرتسري في أرجح المطالب 512. 3 ـ المستدرك على الصحيحين / الحاكم النيسابوري ٣: ٢٠١، ح٤٨٤٢ / ٤٤٠، دار الكتب العلمية. 4 ـ تاريخ الطبري ٢: ٥٦ ـ ٥٧. 5ـ انظر الكامل في التاريخ ١: ٥٨٣. 6 ـ تاريخ اليعقوبي ٢: ٢٣. 7 ـ انظر شذرات الذهب / ابن طولون: ٤٨ ـ ٤٩. 8 ـ أسد الغابة ٤: ١٠٣. 9 ـ أسد الغابة ٤: ١٠٢، ينابيع المودَّة ٢: ٦٨. 10 ـ انظر تهذيب الكمال في أسماء الرجال ١٣: ٢٩٩ ـ ٣٠٠. 11 ـ الكامل في التاريخ ٢: ٥٨٢. 12 ـ أنظرها في أسد الغابة ٤: ١٠١. 13ـ سير أعلام النبلاء (سيرة الخلفاء الراشدين): ٢٢٧. 14ـ مستدرك الحاكم ٣: ٥٠٠، وصحَّحه هو والذهبي، وحياة الصحابة ٢: ٥١٤ ـ ٥١٥. 15 ـ انظر: البداية والنهاية ٧: ٢٢٣. 16 ـ الاستيعاب/ابن عبدالبرالقرطبي٣: ٢٨، مطبوع بهامش الإصابة سنة ١٣٢٨هـ.ق، دارالمعارف، مصر. 17 ـ تاريخ بغداد / الخطيب البغدادي٢: ٨١، نشر دار الكتاب العربي، بيروت ـ لبنان، المستدرك على الصحيحين ٣: ١٣٦ ط سنة ١٣٤٢هـ الهند وصحَّحه، تهذيب الكمال في أسماء الرجال ١٣: ٢٩٩، وعنه: أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد باب إسلامه رضي الله عنه ٩: ١٠٢. انظر أسد الغابة ٤: ١٠٣. 18 ـ سير أعلام النبلاء (سيرة الخلفاء الراشدين): ٢٣٠. 19ـ إعلام الورى ١: ٣٦٠. 20 ـ سنن بن ماجة ١: ٤٤/١٢٠، الخصائص / النسائي: ٣، المستدرك على الصحيحين ٣: ١١٢. 21 ـ ترجمة الإمام علي عليهالسلام من تاريخ دمشق ١: ٦٢/٨٨. 22 ـ تاريخ الطبري ٢: ٣١٦. 23 ـ [ الشعراء: 214، 215،216] 24 ـ الكامل في التاريخ ١: ٥٨٤. 25 ـ تاريخ اليعقوبي ٢: ٢٧. 26 ـ الإرشاد ١: ٤٩. 27 ـ [ المسد: ١]. 28 ـ تاريخ الطبري ٢: ٢١٧، معالم التنزيل في التفسير والتأويل / البغوي ٤: ٢٧٨، الكامل في التاريخ ١: ٥٨٦، الترجمة من تاريخ ابن عساكر ١: ١٠٠/١٣٧ و١٣٨ و١٣٩، شواهد التنزيل لقواعد التفضيل/ الحاكم الحسكاني الحنفي ـ تحقيق محمَّد باقر المحمودي ـ مؤسسة الأعلمي بيروت ١: ٣٧٢ ـ ٣٧٣/٥١٤ و٤٢٠/٥٨٠، كنز العمَّال ١٣: ١٣١/٣٦٤٦٩. 29 ـ تاريخ اليعقوبي ٢: ٢٧ ـ ٢٨. 30 ـ أنظر سيرة المصطفى ـ نظرة جديدة/ هاشم معروف الحسني، منشورات الشريف الرضي: ١٣٠، وكذا ذكره في كتابه سيرة الأئمة الاثني عشر ١: ١٥٧، وأضاف قائلاً: بعد أن ساوموه على شراء ألف نسخة من الكتاب فوافق على ذلك، ورواه في ط٢ وما بعدها بدون كلمة « خليفتي من بعدي ». 31 ـ [الحجر: 94، 95، 96، 97] 32 ـ ابن هشام: 3/593. الكافي 8 /111 33 ـ بين يَدي الرسُول الأعظم (ص)، تأليف: محمَّد بحر العُلوم. حمزة بن عبد المطلب. 34 ـ نفس المصدر.
أقرأ ايضاً
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- التكتيكات الإيرانيّة تُربِك منظومة الدفاعات الصهيو-أميركيّة
- ماذا بعد لبنان / 2