خمسة أشهر فقط تفصل السنة المالية الحالية 2024 عن طي صفحتها والبدء بعام جديد وما زالت الموازنة الاتحادية حبرا على الورق لم يتم تنفيذها ولا صرف أموالها لغاية الآن على الرغم من إقرار مجلس النواب جداولها المالية مطلع شهر حزيران الماضي، وفيما يرى مختصون أن هذا التأخير على يؤثر على أداء الحكومة ووزاراتها، يحذر آخرون من أن هذا الأمر قد يؤدي إلى فقدان الثقة بقدرة الحكومة على الإدارة المالية ويتسبب بإرباك اقتصادي واستثماري وسياسي أيضا.
وبهذا الصدد، يقول مستشار رئيس مجلس الوزراء للشؤون المالية مظهر محمد صالح، إن “الأساس القانوني للتصرفات المالية قد جرى تشريعه واعتماده بالأساس استنادا إلى أحكام القانون رقم 13 لسنة 2023 أي قانون الموازنة العامة الاتحادية الثلاثية للسنوات 2023 و2024 و2025 الذي أقره مجلس النواب العام الماضي”.
ويضيف أن “المادة ثانيا/ 77 من القانون أعلاه نصت على قيام السلطة التنفيذية بتقديم الجداول المالية للسنتين الماليتين 2024 و2025 ليتاح لمجلس النواب إقرارهما بالتتابع، قد تحقق ذلك قدر تعلق الأمر بالسنة المالية 2024”.
وينوه إلى أنه “الموازنة العامة الاتحادية الثلاثية قد جرى تطبيقها للمرة الأولى في البلاد والتي استندت في اعتمادها على واحدة من المواد الواردة في أحكام قانون الإدارة المالية الاتحادي رقم 6 لسنة 2019 المعدل والتي أجازت العمل بخطة مالية قوامها موازنة عامة لثلاث سنوات مالية”.
ويتابع صالح “الخيارات القانونية المتوافرة لتنفيذ أحكام الموازنة العامة الاتحادية أمست أكثر مرونة أمام السلطة المالية الاتحادية، فضلا عن توافر قانون الإدارة المالية الاتحادي نفسه الذي يسمح بالتصرفات المالية حتى لو تأخر أي إقرار لشكليات الموازنة العامة من حيث المبدأ، لاسيما السماح باستمرار الإنفاق أو الصرف على المشاريع الاستثمارية المعتمدة في الموازنة العامة الثلاثية بكونها من المشاريع المستمرة، وكذلك الإنفاق التشغيلي، أو أية تصرفات مالية نص عليها قانون الموازنة العامة الثلاثية”.
ويلفت إلى أن “اعتماد الجداول المالية للسنة المالية الحالية 2024 والتي أقرها مجلس النواب في وقت سابق من هذا العام أصبحت واقع حال، وأن إصدار تعليمات تنفيذها هي مسألة إجرائية لا تؤثر على التزامات السنة المالية نفسها إذ تتماشى تلك التعليمات في الأحوال كافة عند صدورها بالغالب بالتصرفات المالية المستجدة وهي محدودة وليس الالتزامات القائمة أو المستمرة التنفيذ، بدليل أن وزارة المالية قد أعلنت بوقت سابق من هذا الشهر عن إصدار سندات مالية (سند إنجاز) كمصدر تمويل للموازنة عن طريق الاقتراض من السوق المالية المحلية بقيمة 1.5 تريليون دينار”.
ويشير صالح إلى أن “الصرف على النفقات التشغيلية كالرواتب والرعاية الاجتماعية وخدمات الديون وغيرهما أمر مستمر، فضلا عن استمرار تمويل المشاريع الاستثمارية المستمرة وفي طور التنفيذ”.
وفي 3 حزيران الماضي، عقد مجلس النواب جلسته السابعة والعشرين برئاسة رئيس المجلس بالنيابة محسن المندلاوي، وبحضور 199 نائبا، وصوّت على جداول قانون الموازنة العامة الاتحادية رقم 13 لسنة 2024 المعدلة ومرفقاته جداول (أ. ب. ج. د. هـ. و)، استنادا إلى أحكام المادة 59 ثانيا من الدستور والمادة 77 ثانيا من قانون الموازنة العامة الاتحادية رقم 13 لسنة 2023 للسنوات 2023 و2024 و2025، والمادة 4 ثانيا من قانون الإدارة المالية المعدل رقم 6 لسنة 2019، والموافقة على تقديرات جداول الموازنة العامة لسنة 2024 ومرفقاته وجداول تمويل العجز.
غير أن الخبير الاقتصادي نوار السعدي، ينبه إلى أنه “بعد مضي سبعة أشهر من السنة وما تزال العديد من الجداول في الموازنة لم تصدر تعليمات تنفيذها، فإن مصير هذه الجداول يظل غامضا إلى حد كبير بدون تعليمات التنفيذ، وستبقى الأموال المخصصة في هذه الجداول غير مستخدمة ومجمدة، مما يمنع المؤسسات الحكومية من الاستفادة منها”.
ويحذر “في العادة تتطلب عمليات الصرف الحكومي تعليمات تنفيذية واضحة تحدد كيفية استخدام الأموال المخصصة، وأي تأخير في إصدار هذه التعليمات يؤدي إلى شلل في القدرة على الإنفاق وتنفيذ المشاريع المخططة، وبالتالي ستظل هذه الأموال مجمدة وغير متاحة للصرف حتى يتم إصدار التعليمات اللازمة، مما يؤثر سلبا على قدرة الحكومة على تلبية الاحتياجات التنموية والخدمية”.
ويؤكد السعدي أن “تأخير تعليمات التنفيذ يؤثر بشكل كبير على الأداء الحكومي والاقتصاد الوطني، حيث عندما تتأخر الحكومة في إصدار تعليمات التنفيذ، تواجه المؤسسات الحكومية صعوبة كبيرة في تنفيذ مشاريعها وبرامجها، وهذا التأخير يؤدي إلى تعطيل خطط التنمية ويؤخر العديد من المشاريع الحيوية مثل البنية التحتية، الخدمات الصحية، والتعليمية”.
ويشدد على أن “التأخير يتسبب في تقويض الثقة بين المواطنين والحكومة، فعند تأخر المشاريع الحكومية يمكن أن ينشأ شعور بعدم الثقة في قدرة الحكومة على إدارة الأمور المالية بكفاءة، وهذا يمكن أن يؤدي إلى عدم استقرار اجتماعي وسياسي، خاصة وأن حكومة السوداني أطلقت على نفسها (حكومة الخدمات)”.
ويوضح السعدي أنه “من الناحية الاقتصادية، تأخير تعليمات التنفيذ يمكن أن يؤثر على النمو الاقتصادي، وتجميد الأموال المخصصة للمشاريع الاستثمارية يؤدي إلى تباطؤ النمو وتقليل الفرص الاقتصادية وزيادة البطالة، بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي التأخير إلى عدم استقرار مالي على المدى الطويل، مما يزيد من تعقيد عملية التخطيط المالي المستقبلي”.
ويكمل “عند تأخر إصدار تعليمات التنفيذ، توجد عدة سيناريوهات للتعامل مع الأموال المخصصة للجداول، وفي حال صدور التعليمات بوقت متأخر، قد تقرر الحكومة تدوير الأموال غير المصروفة إلى السنة المالية التالية، مما يتيح للحكومة والمؤسسات وقتا إضافيا لاستخدام هذه الأموال في تنفيذ المشاريع المخططة”.
ويردف السعدي “بشكل عام، استمرار التأخير في إصدار تعليمات التنفيذ يمكن أن يؤدي إلى عدم استقرار مالي وتخطيط غير فعال للمستقبل، فأنه من الضروري أن تتعاون الحكومة والبرلمان لإصدار التعليمات المناسبة في الوقت المناسب لضمان تحقيق الأهداف المالية والتنموية بشكل فعال ومستدام”.
وكان مجلس النواب، أقر في حزيران 2023، الموازنة المالية للسنوات 2023 و2024 و2025 بعد مخاض عسير وسلسلة من الجلسات البرلمانية، وعدّت هذه الموازنة هي الأضخم في تاريخ البلاد، إذ تبلغ قيمتها نحو 153 مليار دولار لكل عام.
ومشروع قانون موازنة العام 2024، تبلغ قيمته 197 تريليونا و828 مليار دينار (نحو 152.2 مليار دولار)، بعجز إجمالي بلغ 63 تريليون دينار (48.3 مليار دولار)، بينما في موازنة العامين المقبلين، ستتغير الأرقام، وفقاً للأحداث في وقتها.
وعلى العكس من السعدي، يرى الخبير المالي مصطفى أكرم حنتوش، أن “هنالك جدية من قبل الحكومة والجهات المعنية في تنفيذ الموازنة لاسيما وأنها تمثل برنامجها الحكومي”.
ويبين أن “الحكومة والجهات المعنية جادة بتنفيذ الموازنة لأنها تمثل البرنامج الحكومي ولكن التنفيذ يتطلب تطبيقا فنيا ماليا مثل توفير السيولة وكذلك إعلان المناقصات من قبل الجهات ووفق قانون عقود الدولة”.
ويختم حنتوش “ليس كل ما يقرّ بالموازنات تدفعه الدولة مباشرة أنما الكثير من الجداول والمشاريع تحتاج إلى عمل وجهد فني لكي تصل إلى مرحلة الصرف”.
وتضمنت نسخة الموازنة المعدة لثلاث سنوات، العديد من المواد الخاصة بالاقتراض الخارجي، منها الاستمرار بالاقتراض وفقا لاتفاقيات سابقة، إلى جانب اقتراض جديد من مؤسسات دولية وحكومات مختلفة، وقد بلغت بعض أقيام الاقتراض أكثر من 3000 مليار دولار.
يذكر أن هذه الموازنة الثلاثية، ونتيجة لقيمة الرواتب المرتفعة جدا، بسبب التعيينات الجديدة، أدت إلى تقليص الموازنة الاستثمارية بشكل كبير، فيما أكد متخصصون بالاقتصاد أن هذا الأمر سيجبر الدولة على الاقتراض.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- شملت الاطفال والنساء : وفد العتبة الحسينية في سوريا يوزع وجبة ثانية من الملابس الشتوية على العائلات اللبنانية
- شملت الاطفال والنساء : وفد العتبة الحسينية في سوريا يوزع وجبة ثانية من الملابس الشتوية على العائلات اللبنانية
- عائلة بارزاني على المحك.. هل تطيح "الرئاسة" بأحد أولاد العم؟