أثار الرد العسكري الأمريكي على هجمات الفصائل، فجر الأمس، عاصفة من المطالبات والدعوات بإخراج القوات الأمريكية من العراق، لكن مراقبين للشأن السياسي أكدوا صعوبة تحقيق هذه المطالب، لاسيما أن وجود القواعد الأمريكية رسمي بطلب من الحكومة، وعدم خضوع الولايات المتحدة إلى إرادة الدول لأنها تعمل وفقا لاستراتيجيتها الخاصة خصوصا في ظل الوضع الإقليمي والدولي الراهن.
وفيما يتوقع مقرب من الفصائل المسلحة تصعيدا خلال الأيام المقبلة ضد القواعد الأمريكية، يؤكد أن الطريقة العسكرية هي "الوحيدة" لإخراجها، في وقت تحدث خبير قانوني عن إمكانية إخراج هذه القوات عبر العمل البرلماني.
ويقول المحلل السياسي غالب الدعمي، إن "القوات الأمريكية الموجودة في العراق هي قوات صديقة واستشارية، وفقا لرأي الحكومة العراقية، لذلك لا يمكن إخراجها إلا باتفاق الحكومة مع الولايات المتحدة الأمريكية".
ويضيف الدعمي، أن "انسحاب القوات الأمريكية بطلب من الحكومة العراقية هو أمر ممكن، لكن قد تكون هناك نتائج سلبية لمثل هكذا انسحاب، والحكومة العراقية تدرك هذا، وحتى الجهات التي تعلن عبر الإعلام أنها مع خروج القوات الأمريكية تدرك جيدا أن هذا الأمر سيلقي بظلاله على العراق، لذلك فإن رحيل القوات الأمريكية في هذا الظرف أمر مستبعد، وإن خرجت فهو أمر سيترك تبعاته على العراق لاسيما اقتصاديا وسياسيا".
وعقب قصف صاروخي، استهدف فجر أمس، مقرات للحشد الشعبي في جرف النصر شمالي بابل، قالت الولايات المتحدة إنه "رد على هجمات الفصائل المسلحة"، تصاعدت الدعوات لإخراج القوات الأمريكية من العراق، وكانت أغلب هذه الدعوات من قوى الإطار التنسيقي.
وسارع زعيم عصائب أهل الحق، قيس الخزعلي، لكتابة تغريدة على منصة (X) أكد فيها أن الوجود الأمريكي لم يقتصر على الاستشارة العسكرية، وأن لديه قوات مقاتلة "محتلة ومستهترة"، في مخالفة صريحة للدستور العراقي الذي يمنع وجود أي قوات قتالية أجنبية على الأرض العراقية، مطالبا بمحاكمة هذه القوات و"طردها من بلدنا"، واستعادة السيادة على الأجواء والأراضي العراقية، لافتاً إلى أن هذه "الجرائم الغادرة"، تكشف عن الضرر الكبير الذي يسببه تواجد هذه القوات بعناوين "مخادعة" كالاستشاريين وغيرها.
بدوره، حذر زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، من اندلاع "مواجهات" جديدة جراء القصف الأمريكي، مؤكدا على أن مبدأ القوة لن يكون عاملا مساعدا لتجاوز الأزمات، فيما أكد الأمين العام لمنظمة بدر هادي العامري على ضرورة إخراج القوات الأمريكية، وكل قوات التحالف الدولي من العراق "فورا"، إذ أن بقاءهم سيؤدي إلى مزيدٍ من إراقة الدماء العراقية، ويسبب إرباكاً للوضع الأمني، وإعادة العراق الى المربع الأول من عدم الاستقرار، مردفا بالقول: إن "تواجدهم لا يوجد له أي غطاء دستوري أو قانوني".
ويعتقد المحلل السياسي فلاح المشعل، أن "خروج القوات الأمريكية أمر في غاية الصعوبة، إن كان بالضغط العسكري أو السياسي، والجانب السياسي هو المعني أكثر، غير أن المواقف السياسية ليست مجردة، بل تتصل بالجنبة الاقتصادية والجنبة القانونية، لأن هناك اتفاقية موقعة بين الطرفين، وهناك خبرات متبادلة للمستشارين الموجودين بترخيص وموافقة الحكومة العراقية".
ويضيف المشعل، أن "هناك موقفا رسميا مؤيدا وداعما للوجود الأمريكي، بل ملتزم بحماية الموجودين في القواعد والمصالح الأمريكية، لهذا أن هذه القوات تجد ما تتعرض له من قصف أو اعتداءات من بعض الفصائل تجاوزا وعدم التزام من قبل الحكومة العراقية بردع هذا التجاوز من قبل أطراف يصفونها بأنها مرتبطة بإيران".
ويتابع أن "الظرف الدولي الراهن والأزمة المشتعلة داخل الأراضي الفلسطينية والتوقعات والتحذيرات من أن تتوسع الحرب أكثر، إضافة إلى الأزمة الأوكرانية الروسية، تجعل وجود هذه القواعد في هذا الموقع الإقليمي مهما، وتصعب من عملية إخراجهم حتى لو جاء الأمر بطلب الحكومة أو البرلمان، فالولايات المتحدة تشتغل باستراتيجيات تتجاوز إرادة الدول".
ويؤشر المشعل قضية أخرى تصعّب المهمة، وهي "ارتباط اقتصاد العراق وصندوقه المالي بالبنك الفيدرالي الأمريكي، إذ أن التحرك في هذا الاتجاه قد يبقي العراق تحت البند السابع"، مؤكدا على ضرورة أن "تدرس الحكومة، الموضوع دراسة جيدة وأن لا تندفع بعواطف ثورية وشعارات بدأت تتصاعد في الآونة الأخيرة سواء تعاطفا أزمة غزة أو تناغما مع إيران".
ويرجح أن "الحكومة ستتمسك بالتواجد الأمريكي لأن غياب المستشارين وسلاح الجو الأمريكي مؤثر، لاسيما أن العراق مازال مهددا بقوى إرهابية، ويفتقر إلى القدرة على حماية حدوده وممتلكاته، ناهيك عن تفاقم الجريمة المسلحة في البلاد".
وعلى صعيد الكتل النيابية، خرجت دعوات لإخراج القوات الأمريكية أيضاً تصدرتها كتلة صادقون التابعة لعصائب أهل الحق، إذ أكدت أن بقاء القوات الأمريكية فترة أطول في العراق يشكل تهديدا واضحا لأمن واستقرار البلاد، لافتة إلى بقاء القوات الأمريكية داخل العراق غير مرحب به وهناك تحركات نيابية لخروجهم بشكل نهائي.
وفي الشأن ذاته، أكدت كتلة حقوق أنها ستقدم مشروع قانون مقاضاة الولايات المتحدة الأمريكية لارتكابها جرائم ضد العراقيين، وطالبت الحكومة بتنفيذ قرار مجلس النواب في أيار 2020 بإخراج القوات الأجنبية من الأراضي العراقية.
من جهته، جدد الإطار التنسيقي الذي يضم القوى الشيعية الحاكمة بالعراق، رفضه القاطع لأي استهداف وتجاوز على السيادة العراقية، ودان الاستهدافات التي نفذت على الأرض العراقية آخرها في منطقة جرف النصر شمال محافظة بابل.
بالمقابل، يجد المحلل السياسي المقرب من الفصائل المسلحة علي فضل الله، أن "التجارب الماضية مع الجانب الأمريكي أخبرتنا أن من المستحيل أن يخرج بالجهد السياسي والدبلوماسي، وهو مصر على البقاء لأهمية العراق في حساباته على مستوى الطاقة والموقع الجغرافي والأمن القومي، وكون العراق على المستوى الفكري والعقائدي يعادي الكيان الصهيوني، لذلك الجانب الأمريكي مصر على البقاء، من أجل إضعاف العراق".
ويعتقد فضل الله أن "الطريقة الوحيدة لإخراج القوات الأمريكية، هي الطريقة ذاتها التي مورست عام 2005 و2008 والتي أجبرت الجانب الأمريكي على مغادرة العراق، وكانت عبر السلاح ونشاط المقاومة المسلحة، لذلك أتوقع أن يكون هناك تصعيد في الأيام المقبلة من قبل تنسيقية المقاومة لاستهداف أكبر عدد من المصالح والقواعد الأمريكية في الجغرافية العراقية والمجاورة لها".
وأبرمت حكومتا العراق والولايات المتحدة عام 2008 اتفاقية الإطار الإستراتيجي والتي مهدت لخروج القوات الأميركية بشكل كامل أواخر 2011، وتنظم الاتفاقية العلاقات بين البلدين على مختلف الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية وغيرها.
وعادت القوات الأميركية إلى العراق بطلب من بغداد لمساعدتها في هزيمة تنظيم داعش عام 2014، إثر اجتياح التنظيم لثلث مساحة البلاد، إذ قادت الولايات المتحدة تحالفا لمحاربة هذا التنظيم، وقدمت دعما مؤثرا لإلحاق الهزيمة به، واستعاد العراق كامل أراضيه من التنظيم عام 2017 بعد 3 سنوات من الحرب.
وعلى المستوى القانوني والعمل البرلماني، يرى الخبير عدنان الشريفي، أن "تواجد القوات الأمريكية إذا كان يتعلق باتفاقية الإطار الاستراتيجي الموقعة بين العراق والولايات المتحدة، فبإمكان البرلمان التصويت على إلغاء الاتفاقية بناء على مشروع قانون مقدم من الحكومة أو أعضاء في مجلس النواب".
ويضيف الشريفي أن "التصويت البرلماني هو من يمنح الاتفاقيات شرعيتها، إذ تكون نافذة ابتداء من تصويت البرلمان عليها، لذلك فإن رأيه في هذا الشأن ملزما للحكومة".
ويتابع: "أما إذا كانت القوات متواجدة بناء على دعوة من الحكومة العراقية، وليست ضمن اتفاقية مصوت عليها، فإن قرار البرلمان بخروجها غير ملزم للحكومة".
وكان البرلمان العراقي صوت في 2020 على قرار يلزم الحكومة بالعمل على إنهاء وجود أي قوات أجنبية على الأرض العراقية، بناء على طلب من رئيس حكومة تصريف الأعمال آنذاك عادل عبد المهدي، لكن القرار لم ينفذ.
وجاء ذلك القرار عقب اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس قرب مطار بغداد، بقصف صاروخي أمريكي استهدف موكبهما في 3 كانون الثاني 2020.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- ما علاقة التوتر الإقليمي بارتفاع الدولار في العراق؟
- هل يؤثر خفض الإنتاج النفطي على اقتصاد العراق؟
- من يمول سوق السلاح في العراق؟