أثار عدم توقيع نواب الإطار التنسيقي على طلب إغلاق السفارة الأمريكية من قبل بعض النواب "المستقلين"، تساؤلات عدة، لاسيما وأنهم يمثلون الفئة الأكثر مطالبة بهذا الأمر منذ سنوات.
مراقبون للشأن السياسي، عزوا توقيع 32 نائبا فقط على طلب إغلاق السفارة، إلى الحرج الذي يواجهه نواب الإطار، فمن جهة تحاول كتلهم السياسية حماية مصالح الحكومة (التي تحظى بدعمهم) مع الولايات المتحدة، ووقوعها تحت ضغط مطالبها السابقة بإغلاق السفارة وطرد العاملين فيها، لكن مقربا من الإطار برر عدم التوقيع بعدم انعقاد أي جلسة للبرلمان حاليا.
ويقول رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، إن "الإطار التنسيقي هو الآن من يشكل الحكومة، وبالتالي يجد صعوبة بتأييد دعوة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بشأن إغلاق السفارة الأمريكية، بسبب الحسابات السياسية المرتبطة ببقاء الإطار ضمن معادلة السلطة وحتى لا يظهر بأن الصدر تقدم عليهم في موضوع إغلاق السفارة".
ويضيف الشمري، أن "طلب النواب المستقلين بعقد جلسة لإغلاق السفارة وطرد السفيرة، يؤشر استثماراً سياسياً من قبلهم، وأيضا لإحراج قوى الإطار التنسيقي، خصوصاً وأن بعض الموقعين على عقد هذه الجلسة سبق وأن تم اتهامهم من قبل الفصائل المسلحة المشكلة لحكومة السوداني بأنهم تابعون للسفارة الأمريكية وأنهم عملاء لها، وهم من خلال هذه الخطوة يحاولون أن يثبتوا عكس تلك الاتهامات، والتخلص منها".
وكان النائب علاء الركابي، جمع تواقيع 32 نائباً فقط، لغرض إصدار البرلمان قراراً بإغلاق السفارة الأمريكية في بغداد وطرد السفيرة آلينا رومانسكي.
وبرزت ظاهرة النواب المستقلين عقب الانتخابات التشريعية الأخيرة في العاشر من تشرين الأول 2021، ممن أعلنوا تمثيلهم أو مساندتهم لحراك تشرين، وهي الانتفاضة الشعبية السلمية الأكثر تأثيرا في تاريخ البلاد الحديث.
ويؤكد أن "طرح موضوع إغلاق السفارة الأمريكية وطرد السفيرة في مجلس النواب، سيلاقي معارضة كبيرة جداً من قبل القوى السياسية السنية والكردية، فهذه القوى ما زالت تنظر إلى الولايات المتحدة الأمريكية كضامن قوي لحقوقهم، خصوصاً وأن واشنطن تتدخل كثيرا بملف استحقاقات الكرد وتضع الحلول له".
ويستبعد رئيس مركز التفكير السياسي، "صدور مثل هكذا قرار، وحتى لو مضى الإطار التنسيقي الشيعي معه، إلا أن هناك من سيرفض التصويت له"، لافتاً إلى أن "هكذا قرار لن يكون ملزماً للحكومة العراقية، فموقفها واضح برفض إغلاق السفارة أو قطع العلاقات مع واشنطن".
وتأتي خطوة جمع تواقيع النواب، بالتزامن مع مطالب لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الحكومة والبرلمان بإغلاق السفارة الأمريكية، مهدداً باتخاذه خطوة خاصة في حال عدم الاستجابة لمطلبه، وذلك على خلفية القصف الاسرائيلي على قطاع غزة، وإعلان البيت الأبيض مساندته تل أبيب.
وردّ الناطق باسم الحكومة، باسم العوادي، على دعوة الصدر، معبرا عن موقف الحكومة الرسمي بـ"غلق السفارة الأميركية سيدمر العراق.. الحكومة عليها التزامات دولية والبعثات الدبلوماسية محمية منذ عقود، وقرار غلق السفارة الأميركية لا يمكن البت فيه بسهولة".
يشار إلى أن واشنطن، أعلنت في تشرين الأول 2020، بعد أن ارتفاع حدة الاستهدافات لها، نيتها غلق سفارتها في بغداد وسحب كافة قواتها، والتعامل بصورة مباشرة مع الجهات التي تستهدفها، الأمر الذي دفع 25 بعثة دبلوماسية إلى التلميح بالانسحاب من العراق في حال غلق السفارة الأمريكية.
من جهته، يبين المحلل السياسي غالب الدعمي، أن "الإطار التنسيقي ككتل سياسية وكذلك الحكومة المشكلة من قبله، ترفض إغلاق السفارة الأمريكية في العراق وتعتبره من المحرمات لديها، وهذا يتناقض مع رؤية الكثير من الجهات المشكلة لحكومة السوداني التي كانت تنادي سابقاً بإغلاق السفارة".
ويوضح الدعمي، أن "إغلاق السفارة الأمريكية مرفوض أيضا من قبل الكتل البرلمانية التابعة للإطار التنسيقي، وعلى إثر هذا لم يوقع نواب الإطار على طلب عقد جلسة خاصة للتصويت على إغلاق السفارة"، مبينا أن "القوى السياسية الكردية وكذلك السنية ليست مع أي توجه نحو إغلاق السفارة الأمريكية، بالتالي فإن أمر إغلاق السفارة لن يحصل ولن يتم قطع العلاقات ما بين بغداد وواشنطن، وأما شعار الإطار التنسيقي الرافض للوجود الأمريكي فهو يتعلق بمسك السلطة، وهي حاليا بيده، وإذا خرجت السلطة من الإطار سيعود لرفع الشعارات السابقة المطالبة بإغلاق السفارة".
وشهد العراق تطورات سريعة إثر الحرب الدائرة في غزة، تمثلت بعودة التصعيد والتوتر بين بغداد وواشنطن، حيث بدأت الأخيرة بسحب موظفيها الدبلوماسيين بعد تصاعد عمليات استهداف قواعدها العسكرية، فضلا عن تغيير بعض شركات الطيران المدني لمساراتها الجوية فوق محافظة الأنبار لأسباب تتعلق بكثافة الطيران العسكري الأمريكي، فيما حاول رئيس الحكومة احتواء الأزمة عبر إصدار بيانات إدانة وتوعد بالاعتقال وإجراء اتصالات مكثفة مع واشنطن.
إلى ذلك، يبين القيادي في الإطار التنسيقي عائد الهلالي، أن "عدم توقيع نواب كتل الإطار التنسيقي في البرلمان على طلب إغلاق السفارة الأمريكية، هو بسبب عدم وجود أي جلسة للبرلمان حتى يكون النواب متجمعين فيها، ولو كانت هناك جلسة فمن المؤكد سيوقع غالبية نواب الإطار على الطلب".
ويلفت إلى أن "مثل هذه القرارات يجب أن تدرس بدقة وتكون المصالح العراقية العليا مقدمة فيها على كل المصالح السياسية والشخصية، فهي تتعلق بالعلاقات الخارجية مع الدول، وخصوصاً الكبيرة، لذا يجب أن يدرس من قبل الدولة العراقية التي هي ترسم السياسة الخارجية".
ويستطرد أن "طرح مثل هذا القرار للتصويت تحت قبة البرلمان، أكيد سيحصل على تصويت غالبية النواب، خصوصاً نواب كتل الإطار التنسيقي، لكن سنرى هناك اعتراض من قبل القوى السياسية السنية والكردية، التي اعترضت سابقاً على قرار إخراج القوات الأمريكية، بل وقاطعت الجلسة ولم تصويت عليه في وقتها".
يشار أن البرلمان سلطة تشريعية معنية بإصدار القوانين لا القرارات، وطرد السفراء هو قرار تابع للحكومة وليس للبرلمان، والتصويت في البرلمان على طرد أي سفير هو قرار غير ملزم للحكومة، وهي مخيرة للمضي به أو عدمه.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- القائم بالاعمال السفارة العراقية في سوريا: جوازات مرور وسمات دخول واقامات قدمها العراق الى مواطنيه وضيوفه
- "تقدم" يتمسك بمنصب "الرئيس" والإطار يطلقه بـ"الثلاث"
- المناصب بالوكالة "عصيّة" على السوداني.. والإطار: سينهي الملف قريبا