بعد جولة تقييم شملت المدراء العامين، وجه السوداني عدسته إلى مدراء الإعلام والمتحدثين الحكوميين ممهلاً إياهم ثلاثة أشهر، لكن هذا الإنذار بدا غامضاً وفقاً لإعلاميين، لأن النظرة الحكومية للإعلام ما زالت قاصرة وتعتمد ما أسموه بـ"التطبيل والشعارات الغنائية"، فيما أجمعوا على أن أداء الإعلام الحكومي لن يتحسن بسبب تصديره لـ"إنجازات وهمية".
ويقول الإعلامي حسام الحاج، إن "إنذار السوداني لمدراء الإعلام والمتحدثين الحكوميين يثير الاستغراب، فهو يحث على إظهار إنجازات الوزارة أو المؤسسة، والإعلام الذي يبحث عن إنجازات ليس إعلاما موضوعيا".
ومنح السوداني، اول امس الأربعاء، في كتاب رسمي موجّه إلى مكاتب الوزراء، مديري الإعلام والمتحدثين في الوزارات مدة ثلاثة أشهر لتحسين أدائهم بدءاً من تاريخ التوجيه، وفي حال تعذر على أصحاب التقييم المتدني منهم تحسين أدائهم يتم استبدالهم، كما أكد الكتاب على ضرورة حضور مدير الإعلام أو المتحدث في اجتماعات الوزير ومرافقته في جميع جولاته كي يكون على اطلاع بالأنشطة والمهمات اليومية والتواصل مع وسائل الإعلام، موجها بمنح المتحدثين درجات وظيفية واضحة كي يتنسى لهم القيام بواجباتهم كما هو مطلوب ومرسوم لهم.
وتناول كتاب السوداني أيضاً، دراسة إمكانية رفع الهيكل الإداري لدوائر الإعلام بحيث تكون على مستوى قسم فما فوق وترتبط بمكتب الوزير مباشرة، وكذلك تقسيم الأدوار بشكل واضح بين المسؤولين عن الإعلام وأهمية أن يكون لكل وزارة مدير إعلام ومتحدث معلوم، وأن يتم عقد اجتماعات بين رئيس مجلس الوزراء والمتحدثين أو مسؤولي الإعلام بحضور أعضاء فريق الإعلام الحكومي.
ويضيف الحاج، أن "سلوك هذه الحكومة يتسم بالغرابة في التعاطي مع الإعلام، فهو يريد من الإعلامي أن يكون مطبلا وملمعا ويساهم في تضليل الرأي العام وإخفاء الحقائق ويذهب باتجاه إظهار الأشياء الإيجابية فقط على قلتها، أما من يشخص مواطن الضعف فهذا غير مرغوب به ولا يمكن التعامل معه".
ويتابع: "حتى على صعيد الصحف والمؤسسات الإعلامية، إذ يتم تصنيفها على أساس معتمد وصديق، أو عدو تتعامل معه الحكومة بخصومة واضحة، وهذا على مستوى الأفراد الصحفيين والمؤسسات"، لافتا إلى أن "زاوية النظر هذه مؤسفة، فالإعلام الذي لا يذهب باتجاه تشخيص مواطن الضعف ويمتلك علاقة تكاملية مع سلطات الدولة هو إعلام ملمع ومطبل".
ويرى أن "رئيس الوزراء لو منح ثلاثين سنة للمتحدثين ومدراء الإعلام في الوزارات لن يتحسن أداؤهم، وليس ثلاثة أشهر فقط، لأن النموذج الذي يقدم من هذه المؤسسات ومفهومها للإعلام هو مفهوم متخلف يكرس وقته للتغطية على الفشل الموجود، إذ لا يمكن أن يختلف اثنان في العراق على أن أداء مؤسسات الدولة فاشل وهذا الفشل تراكمي، وإن أظهر المتحدث عكس ذلك، فهو يجانب الحقيقة ويجانب وظيفة الإعلام الرئيسية".
ويعتقد الحاج، أن "الأمر يتعلق بإعادة إنتاج المفهوم وتعريف وظيفة الصحافة لدى الحكومة ومؤسسات الدولة، وهذا مرتكز أساسي كي تفهم الحكومة احترافيا ماهي وظيفة الصحافة، ومن ثم تبحث عن أداء الإعلام الحكومي"، لافتا إلى أن "الحكومة تركز على الشعارات الغنائية في معالجة المشاكل، وبالتأكيد هذه الشعارات لا تغني ولا تسمن".
ويؤكد أن "العراق لديه نقص في التشريعات لا سيما فيما يتعلق بعدم انسيابية الوصول إلى مصادر المعلومات، وهذا الأمر فيه مخالفة دستورية واضحة، فقد لا احتاج كصحفي إلى تصريح منمق من متحدث حكومي إذا كنت قادرا على الوصول إلى المعلومة بانسيابية، فإن كان عمل المؤسسات والوزارات يتسم بالشفافية، وتقدم أرقامها وإحصاءاتها وعقودها وأخبارها على موقعها الإلكتروني بطريقة احترافية لا نحتاج إلى متحدث، لكن المؤسسات الحكومية تعتمد مواقع بدائية لا تحتوي على معلومات"، واصفا المعالجة التي يريدها رئيس وزراء بـ"البدائية".
من جهته، يعتقد الإعلامي عيسى العطواني، أن "وظيفة الإعلام الحكومي هي التغطية الإعلامية للمنجزات الحقيقية من أجل الحفاظ عليها، لكن أن يطلب من مدراء الأعلام ابتداع إنجازات وهمية ليس لها وجود على أرض الواقع، فهذا خداع وكذب حكومي وحزبي".
ويضيف العطواني، أن "الإعلام يجب أن يكون مرآة حقيقية لمطالب الناس أمام المسؤول، لكن للأسف فصوت المواطنين مكتوم في دوائر الدولة، بل وصل الحال أن بعض الدوائر الحكومية تمنع التعليقات على السوشيال ميديا وإبداء الآراء بمستوى العمل، وهذا يدل على أن رأي المواطن غير مسموع من الجهات التي من المفترض أنها وجدت لخدمته".
ويتابع: "كصحفيين كنا وما زلنا نعاني من عدم تعاون مدراء الإعلام في الوزارات ودوائر الدولة، أحيانا بمبرر، وأكثر الأحيان من دون مبرر، فبمجرد أن يأتي زميل ويتسلم إدارة الإعلام في مؤسسة ما، يتحول إلى خصم وعدو كاسر، يهاجم كل صحفي يحاول كشف معلومة أو ملف عن وزارته"، لافتا إلى أن "هؤلاء يعتقدون أن واجبهم حجب المعلومة عن الصحفي ومهاجمته إذا انتقد مؤسستهم".
ويكمل: "كنا نتمنى من حكومة السوداني أن تأتي بأصحاب الاختصاص لإدارة الإعلام وتسهيل عمل الصحفيين وعدم منعهم من تأدية واجباتهم على اعتبار أن رئيس الوزراء كان قريباً من منظمات المجتمع المدني والصحفيين، ولكن لغاية الآن لم نلمس خطوات جدية من أجل ترسيخ مبدأ الشفافية في الوزارات والمؤسسات الحكومية".
وعن إمهال رئيس الوزراء لمدراء الإعلام من أجل التقييم، يخلص العطواني إلى القول "لا نعرف ما هي فكرة السوداني بتحسين الأداء، فإذا كان يطلب من مدراء الإعلام التطبيل لوزاراتهم وإطلاق منجزات وهمية، فهذه نكبة كبرى للإعلام الحكومي، أما إذا كان يقصد أداء واجبهم الحقيقي في ترسيخ مبدأ الشفافية وعدم الكذب على المجتمع فهذه خطوة ستحسب له".
إلى ذلك، يشير الخبير القانوني عدنان الشريفي، أن "من حق رئيس الوزراء تقييم المتحدثين الإعلاميين كموظفي دولة فإذا عجز أحدهم أن يقوم بدوره الإعلامي ويسوق أعمال الوزارة يعتبر قصورا بالعمل ومن حقه كرئيس سلطة تنفيذية تقييمه".
ويضيف الشريفي، أن "واجب هؤلاء يفرض التواصل مع الإعلام، ومن لا يرد أو يجيب على مراسلي المؤسسات الإعلامية يعتبر مقصرا في عمله، ويجب أن يعاقب بعقوبة إدارية حسب قانون انضباط موظفي الدولة".
وبات أغلب المتحدثين الرسميين باسم الوزارات والمؤسسات الحكومية، بمعزل حقيقي عن الإعلام العراقي، وخاصة في ظل الأزمات الأمنية والسياسية التي يشهدها البلد، والتي يرافقها ظهور قوي للشائعة والأخبار المفبركة، ما يضع الصحفي أمام مسؤولية الحصول على المعلومة من مصدرها الرسمي والحقيقي، لحسم الجدل بشأن الكثير من الأخبار المتداولة، لكن الجهات المعتمدة لا تتجاوب.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- انتخاب المشهداني "أحرجه".. هل ينفذ السوداني التعديل الوزاري؟
- وسط دمار مدينة النبطية :مساعدات العتبة الحسينية الطبية والغذائية تصل مستشفى نبيه بري الحكومي(فيديو)
- تحالف السوداني والصدر.. "جس نبض" أم تهديد لـ"الإطار"؟