أربعة أيام، هي المدة التي احتاجها البرلمان لإقرار مشروع قانون الموازنة الذي أُرسل إليه من الحكومة قبل ثلاثة أشهر أيضاً، من أجل تشريعها لثلاث سنوات، تشمل العام الحالي والعامين المقبلين.
سباقات، ومشكلات، حصلت قبل إقرار الموازنة، فالصراع وصل إلى داخل البيوت الثلاثة "الشيعة والكرد والسنة"، التي اختلفت أيضاً على الموازنة الثلاثية بسبب نصوص موادها، بينها الدرجات الوظيفية.
لا تعيين حتى 2026
مشروع قانون موازنة العام الحالي، تبلغ قيمته، 197 تريليونا و828 مليار دينار عراقي، (نحو 152.2 مليار دولار)، بعجز إجمالي بلغ 63 تريليون دينار (48.3 مليار دولار)، بينما في موازنة العامين المقبلين، ستتغير الأرقام، وفقاً للأحداث في وقتها.
ومشروع قانون موازنة الثلاث سنوات، تضمَّن تعيين قرابة الـ700 ألف شخص وتوزيع 150 ألف درجة وظيفية على المحافظات وفق النسبة السكانية لكل محافظة، وفي الوقت نفسه، منع مشروع القانون، التعاقد والتعيين في دوائر الدولة كافة ولغاية العام 2026.
ويرى معنيون، أن البلد وبعد ثلاثة أعوام، سيشهد تكدّساً إضافياً بالخريجين الأوائل، وحملة الشهادات العليا الإضافيين، ما سيجعل الموقف مشابهاً لما حصل في هذه الموازنة، إذا ما طالب أغلب الخريجين بالتوظيف.
تعيينات تقترب من المليون
الخبير المالي، مصطفى حنتوش يقول، أن "التعيينات الجديدة، التي صدر أمرها في قانون الأمن الغذائي تبلغ 750 ألفاً، وتمت عملية تعيين بعضهم عبر مجلس الخدمة الاتحادي، والـ150 ألف درجة وظيفية في موازنة العام الحالي ستوزع حسب التوزيع السكاني".
ويتابع حنتوش، أن "التعيينات الجديدة، عبارة عن عقود، سيأخذ موظفوها قرابة الـ300 ألف دينار، إضافة إلى 750 ألف موظف على الملاك الدائم، أما إعادة المفسوخة عقودهم من الحشد والدفاع وغيرهم، فهؤلاء يقدرون بمئة ألف".
ويؤكد، أن "الدولة لا تفعّل القطاع الخاص، وقانون الاستثمار ضعيف، وقانون الموازنة ليس فيه خطة استثمارية، فقط خطة موازنة، والعقلية التي تحكم الاقتصاد ترفض تقسيم الموازنة إلى موازنة واستثمار وإقراض، كما في دول العالم".
ويشير حنتوش، إلى أن "الدولة مضطرة للتعيين، وإذا لم تفعل ذلك، فإن الشارع سيحصل فيه اختلال، بسبب عدم دعم القطاع الخاص، وتفعيله لاستقطاب الخريجين".
وخلال آخر جلسة لتمرير الموازنة، والتي استمرت لفجر يوم أمس الاثنين، تم التصويت على المادة 15 من الموازنة الثلاثية، والتي كانت مؤجلة طيلة الأيام الماضي، لكن التصويت جاء على النص الحكومي وليس تعديل اللجنة المالية، حيث اشتمل النص الأصلي على منع التعيين طيلة الثلاث سنوات.
وكان عضو اللجنة المالية مصطفى جبار سند، أعلن في حينها: سقطت المقترحات.. وبقي نص المادة الحكومي الأصلي الذي يمنع التعيين.
كما تضمنت جلسة البرلمان، التصويت على فقرة في الموازنة تنص على التعاقد مع 150 ألف خريج من حملة شهادة البكالوريوس والدبلوم توزع بين جميع المحافظات براتب 300 ألف دينار شهرياً.
وتوقع خبراء بالاقتصاد في وقت سابق، أن يصل العجز في الموازنة العامة إلى 90 تريليون دينار في حال عدم تحقيق الإيرادات بشكل كلي كما هو مخطط لها، مبينين أن انخفاض أسعار النفط بمقدار دولار واحد يكلف الدولة 1.5 ترليون دينار سنوياً.
أزمة خريجين على الأبواب
من جانبه، يبين الخبير الاقتصادي، عبد الرحمن المشهداني، أن "تعيينات الوجبة الأولى كانت 836 ألفاً، وأضاف البرلمان وجبة جديدة، وهذا العدد سيرهق الموازنة العامة، فضلاً عن إعادة المفسوخة عقودهم، الأمر الذي سيرفع تخصيصات الرواتب بشكل كبير".
ويتابع المشهداني، أن "العراق لا يحتاج هذه الوظائف الجديدة، لأن الدولة تحتاج إلى توزيع للموظفين بشكل منطقي وعادل"، مؤكداً، أن "التعيينات الجديدة ستشكل عبئاً على البلد والموازنة".
ويوضح، أن "الزيادة في أعداد الموظفين، ستمنع التعيينات الجديدة، ومشكلة الأعداد الكبيرة الحالية للموظفين، قد تبقى من دون حل، حتى لو تم التسريع بمعاملات التقاعد، فإنه لا يكفي"، مبينا أنه "سنواجه مشكلة الخريجين الذين سيتكدسون بالسنوات المقبلة، وسيخرجون في تظاهرات، وبعضهم ما زال يتظاهر لغاية اليوم، من حملة الشهادات العليا".
ويكشف، أن "هناك قسماً كبيراً من حملة الشهادات العليا جامعاتهم غير رصينة وغير مؤهلين للتدريس، ولا يعرفون ما مكتوب في شهاداتهم، بعد جلبها من دول مثل إيران ولبنان وتونس والسودان"، مضيفا، أن "هناك توسعاً كبيراً في القبول بالدراسات العليا، والذي سيتخرج سيطالب بالتعيين أسوةً بأقرانه".
وبرزت خلال السنوات الماضية، مسألة استخدام التعيينات في الحملات الانتخابية أو من قبل الحكومات التي تمر بأزمات، حيث يتم اللجوء إلى إطلاق الوعود بالتعيينات أو تعيين بعض الفئات، خاصة مع اشتداد التظاهرات المطالبة بفرص عمل من قبل الشباب في ظل ارتفاع نسب البطالة في البلد.
رأي آخر: الموازنة سياسية
أما الخبير الاقتصادي، ماجد الصوري، يرى أن "الموازنة هي سياسية من كل الجوانب وليست اقتصادية، وفيها توجهات لحل بعض المشاكل الاجتماعية، ومنها البطالة".
ويؤكد أن "حل مشكلة البطالة بهذه الطريقة غير صحيح، لأن التوسع في النفقات التشغيلية بما فيها الإعانات الاجتماعية، وتعويضات الموظفين ستصل قيمتها إلى 112 ترليون دينار، وهذه مشكلة إذا انخفضت أسعار النفط".
ويلفت إلى أن "التعيينات ستشمل حوالي مليون شخص، وهذه ستؤدي إلى زيادة النفقات التشغيلية والطلب على السلع والخدمات، لأن تعويضات الموظفين أصبحت قيمتها وحدها 16 ترليون دينار، وهذه الزيادة ستحدث في ظل عدم وجود إنتاج".
ويوضح، أن "التعيينات في الموازنة ليست حلاً جذرياً لمشكلة التشغيل، ولكنه حل لمتطلبات المجتمع لتجنب قضايا كبيرة، كما أنها مسألة سياسية"، مؤكداً أن "الحل الأساسي هو التوجه نحو التنمية الاقتصادية بالنسبة للقطاعات العامة والمختلطة والخاص، لحل مشكلة البطالة والتجنب من التضخم في الموظفين".
وكان صندوق النقد الدولي، أصدر في 1 حزيران الحالي، تقريرا حول الوضع الاقتصادي في العراق، على خلفية اجتماع عدد من خبراء الصندوق مع مسؤولين عراقيين في الأردن من 24- 31 أيار الماضي، لاحظ فيه أن زخم نمو الاقتصاد العراقي تباطأ مؤخرا، وأن إنتاج النفط سيتقلص بنسبة 5 في المائة خلال العام الحالي، بسبب خفض إنتاج منظمة أوبك+، وانقطاع خط أنابيب نفط كركوك- جيهان، إضافة إلى تقلبات سوق الصرف الأجنبي، فيما رهن التقرير خروج البلاد من الأزمة بـ"ارتفاع أسعار النفط، وإيجاد سياسة مالية أكثر صرامة وتقليل اعتماد الحكومة على عائدات النفط عبر تنويع الإيرادات المالية، وخفض فاتورة الأجور الحكومية الضخمة، وإصلاح نظام الرواتب".
يذكر أن المستشار المالي لرئيس الحكومة مظهر محمد صالح، أكد في تصريح سابق له، أن فلسفة الدولة بعد عام 2003 اعتمدت توزيع عوائد النفط بين الموظفين، حيث كل موظف يعيل خمسة أفراد بهدف خلق رفاهية، لكن هذه الفلسفة على المدى البعيد تضر البلاد بشكل كبير.
ملايين الموظفين
في حين، يبين الخبير الاقتصادي صفوان قصي، أن "عدد العاملين في الدولة بلغ حالياً أكثر من 4 ملايين و100 ألف موظف بالخدمة، والبنك الدولي أشار إلى خطورة فاتورة الرواتب على العراق، لأن إيراداته نفطية، فهو يحذر الحكومة من ارتفاع بند الرواتب وضرورة إعادة النظر في التعيينات بما ينسجم مع إمكانية التوظيف في القطاع الخاص".
ويشير إلى أن "مؤشرات نمو القطاع الخاص والاستثماري الدولي، تنسجم مع وجود موازنة ثلاثية، وهنا يجب أن تعطى مجالات تخضع للإنفاق العام"، مبيناً أن "قطاع الإنشاءات سيمتص البطالة، ويمكن الدعم بإنشاء المدن عبر موظفين مدفوعي الثمن لتعظيم قدرة الحكومة التنموية".
ويرى قصي، أن "بناء علاقة واضحة بين الخريجين وسوق العمل، تحتاج لإعادة نظر في المناهج الدراسية، ويجب تطوير الخريجين"، مشددا على أن "القطاع الخاص سيخلق الوظائف بشكل مستدام، ووجود صندوق التنمية في الموازنة يمكن أن يكون عنصر جذب للخريجين بأن يمنح أموالاً لهم لإنشاء أعمال في القطاع الخاص".
يشار إلى أن العراق يعاني من توقف آلاف المصانع وشركات وزارة الصناعة والمعادن، وبعضها تحولت إلى شركات خاسرة وانتقلت من التمويل الذاتي إلى الحكومي، بسبب توقف الإنتاج أو عدم تفعيله، وهذا باستثناء المعامل التي هدمت بعد العام 2003.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- 400 مليون دولار خسائر الثروة السمكية في العراق
- هل تطيح "أزمة الدولار" بمحافظ البنك المركزي؟
- فاطمة عند الامام الحسين :حاصرتها الامراض والصواريخ والقنابل.. العتبة الحسينية تتبنى علاج الطفلة اللبنانية العليلة "فاطمة "