بشأن التظاهرات التي تشهدها بعض مدن بلادنا الحبيبة والمطالبة بتحسين الخدمات وتوفير فرص العمل ورفع المستوى المعيشي للمواطنين، بين ممثل المرجعية الدينية العليا وخطيب الجمعة في كربلاء المقدسة سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في الخطبة الثانية من صلاة الجمعة التي أقيمت في الصحن الحسيني الشريف في 14 ربيع الأول 1432هـ الموافق 18/2/2011 م إن من حق المواطنين الاحتجاج والتظاهر ( وهو حق دستوري ومشروع كفله الدستور ) وان من حقهم المطالبة بتوفير الاحتياجات الأساسية لحياتهم ورفع مستواهم المعيشي وتخفيف معاناتهم، ووجه سماحته في هذا الشأن وصيتان .. أحداهما لعموم مواطني بلدنا الحبيب والثانية للكتل السياسية والمسؤولين في الدولة.
وأضاف سماحته في الوقت الذي نؤكّد على إن حق الاحتجاج مشروع للمواطنين، ولكن لابد من التأكد أن لا يؤدي ذلك إلى الإضرار بالممتلكات العامة وتفويت الفرصة على بعض المندسين للقيام بأعمال تضرُّ بآلية الاحتجاج السلمي وتعطي صورة مشوّهة عن المتظاهرين والمحتجين.
كما أوصى الإخوة المسؤولين وقادة الأجهزة الأمنية بضرورة الاستماع لمطالب المواطنين والعمل الجاد على حلّها وعدم التعامل معها بالعنف لان ذلك سيؤدي إلى إراقة الدماء - كما حصل في بعض المناطق – ويؤزّم الأوضاع أكثر.
وناشد الإخوة في الكتل السياسية بأن من الضروري أن تبادر لاتخاذ خطوات جادة وعملية وسريعة لطمأنة المواطن بأنها ستعمل على حلِّ هذه الأزمات وتخفيف معاناتهم ومن جملة ذلك:
1- البدء فوراً باتخاذ الإجراءات لتخفيض رواتب كبار المسؤولين والوزراء والنواب وغيرهم بل وحتى إلغاء الامتيازات التي مُنِحتْ في الأوقات السابقة لكبار المسؤولين والنواب .. وكذلك تخفيض الرواتب التقاعدية لهم.
2- أن تتنبّه الكتل السياسية إلى مخاطر وتداعيات بقاء هذه المعاناة للمواطنين بسبب نقص الخدمات وعدم توفر المواد الأساسية لحياته المعيشية من دون حل ولو جزئي ولابد – حينئذ- من بدء الكتل السياسية بإصلاح من داخلها يتمثل بالإصلاح السياسي والإصلاح القيمي.
3- العمل على الوفاء بالوعود التي يقطعها المسؤولون لأبناء الشعب بشأن رفع معاناتهم خصوصاً ما يتعلق بالكهرباء وتحسين مفردات البطاقة التموينية وتوفيرها في موعدها المحدد وبكمياتها المحددة، حيث إن إعطاء الوعود من المسؤولين من دون أن يلاحظ المواطن إن هناك سعي جاد من الجميع للوفاء بهذه الوعود سيفقِد ثقة المواطن بهم.
وتابع سماحته إن مثل هذه الإجراءات ستؤدي إلى إشعار المواطن وطمأنته بان الذين انتخبهم ليس هدفهم ولا يسعون من خلال مواقعهم التي وصلوا إليها بالانتخابات إلى تحصيل المنافع الشخصية وتحقيق المكاسب المالية والامتيازات الخاصة، إضافة إلى تقليل الفوارق في المستوى المعيشي بين المسؤولين وعموم المواطنين، وسيؤدي ذلك إلى رفع الشعور لدى المواطن بالتمايز الطبقي والظلم الاجتماعي بسبب الفرق الكبير في الامتيازات والتنعم في الحياة، كما سيؤدي إلى تخفيف وطأة المعاناة التي يمر بها المواطن بسبب الفقر والحرمان والعوز الذي يعيشه.
وأشار سماحته إن الإصلاح السياسي يتمثل بالابتعاد عن التكالب على المناصب والسلطة، وان تمثيل الشعب وتبوئ المقاعد الوزارية والمواقع الأخرى في السلطة إنما هو من اجل خدمة هذا الشعب وليس لأجل تحصيل مكاسب خاصة أو مكاسب سياسية ضيقة، ومن جملة الإصلاح السياسي اتخاذ الوسائل الجادة والعملية لمحاربة الفساد المالي والإداري ومن أي موقع يحصل ومن أي مسؤول يصدر.
وأكد سماحته إنه قد لاحظنا خلال الأيام الماضية كيف إن الكتل السياسية والمسؤولين ومجلس النواب شغلوا الكثير من وقتهم وجهودهم حول استحداث موقع نائب رابع لرئيس الجمهورية .. وكيف إنهم حينما شُكِّلت الوزارة جعلوا احد عشر وزارة دولة، كل ذلك من اجل إرضاء الكتل السياسية وبدلا ً من العمل على معالجة الترهل الذي يحصل في الوزارات، وإذا بهذه الكتل تحاول استحداث مناصب وهمية وشرفية لا يحتاج إليها البلد، بل ترهق كاهل ميزانية الدولة وتشغل مؤسسات الدولة ومسؤوليها بأمور لا يحتاجها البلد ولا الشعب في الوقت الحاضر.
وأما عن الإصلاح القيمي قال سماحته إنه يتمثل بنكران الذات والشعور بمعاناة الآخرين وتفهم مطالبهم المشروعة والابتعاد عن التكالب على السلطة والمناصب، وان تمثيل الشعب إنما هو من اجل تحقيق الاستقرار السياسي والتداول السلمي للسلطة والقيام بخدمته وتوفير احتياجاته الأساسية وان يحاول المسؤول أن يكون مستوى معيشته بمستوى لا يفوق كثيراً مستوى اغلب المواطنين بحيث لا يكون هناك فارق فاحش بين مستوى المعيشة لعموم المواطنين وعموم المسؤولين.
وفي جانب آخر من خطبته عزّى ممثل المرجعية الدينية العليا عوائل الشهداء الذين سقطوا بسبب التفجير الإرهابي الذي حصل في زيارة الإمامين العسكريين (عليهما السلام ) سائلا الله تعالى أن يسكنهم فسيح جناته وان يمن على الجرحى بالشفاء العاجل، مشيرا إلى إن طريق الولاء لأهل البيت ( عليهم السلام) طريق معبّد بدماء الشهادة والتضحية ..وهذه التضحيات هي التي تحفظ للفكر وللكيان الموالي لأهل البيت ( عليهم السلام) قوته ومنعته وعزته.
وفي الوقت نفسه توجه بالشكر لأهالي سامراء الذي قاموا بتقديم الخدمات للزائرين من خلال نصب الخيم وتقديم خدمة الطعام والإيواء لزوار المرقدين الشريفين، وهذا يعبّر عن مدى التلاحم الوطني والشعور بالمواطنة بين أبناء الطائفتين الشيعية والسنية في العراق .. ولعل البعض يحاول أن يؤجج نار الفتنة في هذه المدينة من خلال هذه التفجيرات .. وطالب الجميع أن يلتفت إلى مخاطر الانسياق وراء هذه المحاولات أو الاستماع إلى بعض الأبواق التي تحاول إثارة الفتنة الطائفية من جديد، مؤكدا إننا على ثقة إن أبناء بلدنا من الزائرين ومن أهالي سامراء على وعي تام بهذه المخططات وسيفوتون الفرصة على هؤلاء الأعداء بعد أن خابوا في محاولاتهم السابقة.
وفيما يتعلق بالاحتجاجات والتظاهرات الشعبية التي تعم بعض البلدان في منطقتنا ناشد سماحة الشيخ الكربلائي حكومات هذه الدول أن تنظر إلى هذه المطالب بأنها مطالب مشروعة، وان تعمل على الاستجابة لها وتفهمها وعدم استخدام العنف وعدم استخدام الوسائل التي تُشعِر مواطني بعض هذه الدول إن هناك تعامل طائفي معهم. فاستخدام العنف واستخدام هذه الوسائل سوف لا يؤدي إلا إلى المزيد من إراقة الدماء والمزيد من العنف وتأزيم الأوضاع أكثر .. لذلك لابد لحكام هذه الشعوب أن تتفهم مطالب شعوبها وتعمل على تحقيقها واستخدام الحوار واتخاذ الخطوات الجادّة لحل أزمات شعوبها.
موقع نون خاص
أقرأ ايضاً
- رئيس الجمهورية: تشخيص هدر المال العام مهمة وطنية تتطلب وقفة جادة وحازمة
- بارزاني يبحث مع الحكيم "التغييرات السياسية" في المنطقة
- الشيخ نعيم قاسم أمينًا عامًّا لحزب الله