حجم النص
بقلم: حسن كاظم الفتال من الواضح والمعلوم لدى الجميع أن معيار امتهان أو احتراف أية مهنة أو حرفة هو التوفر على كفاءات معينة وامتلاك بعض المؤهلات أو الطاقات التي ينبغي على المتقدم للمزاولة أن يظهرها ليثبت الجاهزية والاستعداد التام لمزاولة المهنة بإمكانية فائقة ويتعهد بالالتزام ببعض الضوابط أو الشروط التي توضع وتفرض على الممارس ليتقيد بها ولعلها تكون كفيلة بنجاح الممتهن أو المحترف أو فشله. هذا ما يدركه المهنيون والحرفيون ويعدونه قاعدة أو سياقا عاما يرفضون أي سياق غيره وحين يحدث العكس فذلك يشير إلى وجود خطأ أو خلل. أما الاستثناءات فهي نتيجة الإرتجالات والإجتهادات والافتقار إلى المهنية والحرفية. هذا السياق صار حقيقة ملموسة لا غبار عليها ولا تقتصر على حرفة دون أخرى. وحين تحتم علينا بعض الملامح أن ندرج ممارسة الإنشاد في حقل المهن أو الحرف وهي كذلك فلا شك إنها لا تبتعد عن شمولية هذه الحقيقة. فالإنشاد هو مهنة لها معاييرها وشرائطها واقتحام عالمها يستلزم هو الآخر امتلاك مؤهلات واستعداد وجاهزية لمزاولة المهنة. وقد أسس الرواديد الأوائل مدرسة إنشادية عظيمة أشرعت أبوابها لمن يريد أن يساهم في الخدمة الحسينية ويتفاعل مع القضية. ولكن يبدو أن بعض المحاولات جرت لإفلات هذا المجال إفلاتا كبيرا وتحريره من قيود الضوابط والشرائط كافة وجعله ميدانا لا قيود به ليتسنى لمن هب ودب أن يخترق أسوار هذا الميدان. ولاشك إن أية ظاهرة أو أية فكرة أو نظرية يحدد قوة ومدة صمودها وثباتها وبقائها على خارطة الواقع لفترة أطول هي نسبة القبول والرضا أو الرفض بقناعة تامة. وتتباين هذه النسبة بين ظرف وآخر وبين بيئة وأخرى وللأجيال دور مهم في إفشالها أو إنجاحها بالقبول والرفض ولكن ما يحدث أحيانا تتعرض النظرية للتعامل بالأهواء أو للمزاجات أو المصلحة الخاصة والمنفعة وكثيرا ما نجد البعض يسوِّق الأمور لنفسه ويروج لها وأي ترويج. وتختلف صيغ ووسائل وسبل الترويج والتسويق اختلافا كليا في استخداماتها وممارساتها وكيفياتها ولكنها تصب في مصب واحد. ضبابية الفهم وغيابية الرقابة إن الإرتجاليات والإجتهادات وخلو الساحة من الرقابة الذاتية والإجتماعية الشرعية وغياب القيود وحتى السياقات المألوفة فسح المجال لبعض الرواديد ليندسوا بخلسة وبغفلة في ميدان صناعة القصيدة وظن أن بمقدوره أن يغازل المفردات التي لا تطاوع كثيرا إلا من هو أهل للإطاعة وراح يعرض مما يسميه نتاجا أدبيا على أفراد إما أن تنقصهم الخبرة أو تسيرهم العاطفة في الحكم والإحتكام أو المجاملة أو الخشية من إبداء الرأي الصائب. وحين استعصى عليهم مواصلة الدرب بدؤوا يتحججون بحجج وأعذار واهية وانهالت علينا القصائد التي تفتقر لأبسط مقومات النص الأدبي ولا يسعنا التمييز بين مقدمتها وخاتمتها وما هي إلا عبارات أو جمل مستلبة من هذه القصيدة أو تلك من منظومات الأوائل وأبرزها (المنظورات الحسينية) التي تعرضت للسطو من قبل الكثير أو على الأقل للإستنساخ . وحين لا يجد ذلك الناظم للقصائد بدا من التدارك يرمم القصيدة ويرقعها عن طريق استخدام الإستعارات والتشبيهات التي زين بها كاظم المنظور رحمه الله قصائده الخالدة حتى وإن لم يفهم هذا المستخدم ماذا يقصد المنظور من هذه الكناية أو تلك الاستعارة. وكاد ذلك أن ينعكس على جوهر القضية لولا تضافر جهود بعض الغيارى على سلامة مسيرة مفاهيم النهضة الحسينية العظيمة. أذكر ذات مرة مر بي أحد الأخوة الرواديد وعرض علي قصيدة لم أفهم منها شيئا وحين طلب مني ترقيعها كالعادة فقد رفضت فلجأ إلى أحد الزملاء وهو شاعر وأديب وإعلامي فتناولها محرجا ودأب على ترقيعها وتجميلها فقلت لهما على الفور إن هذا العمل يعد جناية على الأدب والأدباء. ناهيك عمن اعتمد أسلوبا آخر لا يقل خطورة عن الأساليب الأخرى فآل على عقد صفقة مع شاعر معين لأن يكوِّن معه ثنائيا تصورا أنهما يعوضان عن ثنائيات قديمة وكأن المسألة تتعلق بالإتفاقيات وتسطير القافيات وراح كل يصنع ما يحلو له وقد نأت كل المنأى عن جوهر القضية الحسينية أيضا وخضعت إلى الأهواء والمزاجات.
أقرأ ايضاً
- الدعوة إلى تجديد الخطاب في المنبر الحسيني.. بين المصداقية ومحاولة تفريغ المحتوى
- تكامل ادوار النهضة الحسينية
- الإعلام الحسيني.. الأهداف والخصائص