- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الاعلام في منهاج حكومة الشراكة الوطنية
من خلال المتابعة الدقيقة والاستقراء الفاحص نجد إن البرنامج الحكومي الذي اعلنه رئيس الوزراء نوري المالكي غداة الكشف عن كابينة حكومته الجديدة بعد إعادة تكليفه بتشكيل وزارة (2010 ـ 2015 ) ، نجد ان\"محور\" الميدان الاعلامي ومنه الصحافي فضلا عن حرية التعبير ـ رغم انه حظي باكثر من بند ـ قد جاء في ادنى تسلسل بنود هذا البرنامج ( 43 بندا) اي انه جاء في ادنى مناسيب الاهتمام الحكومي بهذا المحور المهم بعد ان تطرق البرنامج بالكثير من التفصيل لمجمل المحاور المهمة والإستراتيجية (الأمن/السياسة/الاقتصاد/الإرهاب/ الحالة المعيشية/ الخدمات/ الديون/العلاقات الخارجية/ توزيع الثروات / البنية التحتية / الفقر والبطالة/ تفعيل قطاعات الزراعة والصناعة والاستثمار والسياحة /التربية /التعليم العالي/العلاقة مابين الحكومة المركزية والاقاليم ...) واخيرا جاء دور الاعلام وحرية التعبير في البندين: ( 39- دعم الاعلام وتمكين الإعلاميين العراقيين من أداء دورهم الرقابي المسؤول بحرية وظروف أمنية مناسبة وتعزيز دور الصحافة في بناء الدولة وإصلاح المجتمع باعتبارها سلطة رابعة ، ودعوة المؤسسات الاعلامية المحلية والأجنبية للالتزام بمعايير الاعلام 40- احترام التعددية الإعلامية وحرية التعبير واعتبارهما ركيزتين أساسيتين لدعم العملية السياسية والتجربة الديمقراطية) ويكاد ان يكون هذان البندان تفسيرا شبه تفصيلي للمادة (36) من الدستور العراقي التي نصت على ان :( تكفل الدولة، بما لا يخل بالنظام العام والآداب :اولاً :ـ حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل. ثانياً :ـ حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر. ثالثاً :ـ حرية الاجتماع والتظاهر السلمي، وتنظم بقانون ).وهي محاولة حثيثة لبرمجة \"الطموحات\" التي اكتظ بها البرنامج الى واقع عملي من خلال نقل المواد الدستورية من حيزها التشريعي المقنن الى الفضاءات المؤسساتية مع الدعم الحكومي اللازم وضمان حرية التعبير واستقلالية واحترام تعددية التوجهات الفكرية التي تندرج في نسق السلطة الرابعة التي حصلت بدورها على اعتراف صريح ضمن البرنامج الحكومي بكونها احدى السلطات الرقابية التي تمارس عملها بحرية لدعم التجربة الديمقراطية في العراق التي ماتزال فتية .
وكإستقراء قانوني نجد ان المادة الدستورية التي شرعت آليات العمل الاعلامي وضوابط حرية التعبير لم تكن مجرد مصفوفات تشريعية جوفاء كما لم تكن قوالب لغوية خالية من المعاني التي طبقت على ارض الواقع سيما بعد الانفتاح الاعلامي غير المسبوق على مجمل الساحة العراقية بعد التغيير ما ادى في بعض الاوقات الى فوضى اعلامية خلاقة بدلا من ان يكون اعلاما يتمتع بالحرية المقننة دستوريا وغير المؤدلجة او المسيسة كتلويا او حزبويا او فئويا لذا نجد إن برنامج حكومة الشراكة الوطنية قد استلهم المفاهيم النظرية المستنبطة من المادة الدستورية مع الاخذ بنظر الاعتبار المعطيات الملموسة على ارض الواقع في المجال الإعلامي طيلة السنوات السابقة فاستنتج منها رؤيته الحكومية المتأتية في البندين المذكورين من هذا البرنامج الذي زاوج بين مجالين: الاول المجال التشريعي (القانوني) والثاني المجال الواقعي (التطبيقي) ليخرج بحصيلة تمظهرت في هذه الرؤية وهذه هي المرة الاولى في تاريخ الوزارات العراقية تدخل السلطة الرابعة وحرية التعبير وضوابطهما القانونية في برنامج حكومي كمنهاج عمل منذ ان تأسست اول وزارة عراقية سنة 1920 بعدها كان الإعلام يدخل أكثر التشكيلات الوزارية مقترنا مع ميدان الثقافة في وزارة واحدة (وزارة الثقافة والإعلام) وحسب توجيهات الأنظمة الحاكمة ومساراتها الأيديولوجية ومصالحها السلطوية وانماطها التسلطية الى أن جاء الحاكم المدني بول بريمر الذي اصدر امرين في 2004 أولهما (65) يتعلق بهيئة الاعلام وهي الجهة المسؤولة عن إعطاء التراخيص والاجازات بشأن البث في العراق وثانيهما الامر (66) وهو الذي يتعلق بشبكة الاعلام العراقي تحث عنوان( الهيئة العراقية لخدمات البث) وشبكة الاعلام العراقي تضم عدداً من القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية والصحف والمجلات الأسبوعية واليومية وتعمل بشكل مستقل عن التوجه الحكومي وان كانت تمول من المال العام وتتمتع بالصفة شبه الرسمية وهذه هي البادرة الاولى التي يقنن فيها الاعلام العراقي بضوابط معينة.
كانت رؤية البرنامج الحكومي الجديد رؤية شمولية متكاملة لأغلب مفاصل الدولة العراقية ومؤسساتها وهياكلها الحكومية والسلطوية وحتى غير الحكومية كمنظمات المجتمع المدني كروئية نابعة من الاستعداد الشامل للعمل الدؤوب في جميع محاور الحياة وحيثيات الواقع المعاش ومن الطبيعي وضمن هذا التوجه ان يتم إفراد اكثر من بند من محاور هذا البرنامج للحيز الاعلامي كرؤية حكومية مطروحة ذات طابع عملي (كبرنامج عملي قابل للتطبيق وليس بنودا تنظيرية فقط ) ضمن التشكيلة الوزارية الجديدة وامام المعنيين بهذا الشأن مثل نقابة الصحفيين العراقيين/ وزارة الثقافة/ هيئة الإعلام والاتصالات/ منظومة الشبكة العراقية /الاتحادات والهيئات والمنظمات التي تعنى بالصحفيين والاعلاميين والفنانين والشعراء والادباء والمثقفين عموما ونخب الانتلجنسيا / منظمات المجتمع المدني / .
وبما ان الحكومة الجديدة هي حكومة شراكة وطنية وليست حكومة اغلبية أي ان المعارضة البرلمانية لن يكون لها الدور الفاعل او القوي المطلوب في ظل اشتراك اغلب الكتل السياسية في المضمار الحكومي وضمن السلطات الثلاث وهذا ما تطلبه سياق المرحلة الراهنة فان دور السلطة الرابعة يجب ان يكون اكثر فاعلية وتفاعلا مع الواقع وذلك من خلال تفعيل الدور الحكومي الداعم في هذا المجال باعتبار ان الفاعلية الايجابية للسلطة الرابعة في ظل المناخ الديمقراطي الحر والمنفتح هي احدى المنجزات الديمقراطية التي تؤشر الى بوادر نجاح هذه التجربة التي حاولت الكثير من القوى المحلية والاقليمية والدولية افشالها ومن ثم اسقاطها والرهان على ان الديمقراطية في العراق على وجه الخصوص وفي الشرق الاوسط عموما هو مشروع سياسي فاشل فلم تكن السلطة الرابعة بمنأى عن هذه المحاولات التي فشلت جميعها ابتداء من التضحيات الجسام بالارواح (253) اعلاميا وصحفيا شهيدا) وليس انتهاء بالهجمات الاعلامية الشرسة والكيدية لرسم صورة فاقعة ومشوشة عن الشان العراقي توحي بان القيامة قد قامت في هذا البلد وعدم الالتفات الى وسائل الاعلام العراقية لتأخذ دورها في نقل الحقائق الا بالاعتماد على الوسائل الاعلامية المغرضة والمشبوهة باستغلال الاوضاع السياسية والامنية غير المستقرة.
امام حكومة الشراكة الوطنية مهام كثيرة وكبيرة وتحديات جسام يستشف ذلك من غزارة المواد التي تضمنتها بنود المنهاج الحكومي ومنها ما يتعلق بالاعلام الذي ان تحققت فعلا ماورد في البندين اللذين تناولا هذا المحور المهم (في غياب او ضعف المعارضة البرلمانية) فان هنالك طفرات نوعية ستتحقق في ميدان السلطة الرابعة وتنظيم ودعم قنوات العمل الصحفي وترسيخ مبدأ حرية التعبير كحق قانوني كفله الدستور ومن المؤمل ان يحظى قانون حماية الصحفيين بالاهتمام التشريعي المطلوب بعد ان تم تاجيله لاسباب شتى من قبل البرلمان السابق وذلك بعد استيفاء حقه من القراءة داخل اروقة البرلمان ومن قبل المعنيين والاكاديميين فضلا عن تفعيل لجنة برلمانية تعنى بشؤون السلطة الرابعة لاتقل فاعلية واهمية عن بقية اللجان البرلمانية الاخرى تاخذ على عاتقها تنظيم العمل الاعلامي والصحفي اضافة الى كونها جهة رقابية من دون المساس بحرية التعبير او النهج الديمقراطي الذي يعيشه العراقيون في مناحي الحياة كافة .
إعلامي وكاتب عراقي
أقرأ ايضاً
- دور الاعلام القضائي في تحقيق الأمن القانوني
- القتل الرحيم للشركات النفطية الوطنية
- ثورة الحسين (ع) في كربلاء.. ابعادها الدينية والسياسية والانسانية والاعلامية والقيادة والتضحية والفداء والخلود