- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الاجراءات الاستدلالية ، كتاب شرعية التبرك بآثار الانبياء والاولياء
التعامل مع النصوص التاريخية على مستوى اجرائي استدلالي يوحي بتأثيرات مبدئية تحمل جملة من التعارضات التي تؤطر الفعل العام. فالمنظومة الفكرية يسمو خطواتها من مرجعية فكرية ودينية ومذهبية وجمالية عامة... أي هناك صفات حضارية نستلهمها من التاريخ نفسه لندخل بها مناهج القراءة الحديثة، ولنقل انها جدلية بسبب التراكمات التي خلفتها بعض السلبيات الفكرية الفرقية هنا وهناك.. فلابد من انتقاء جاد مثقف مطلع يرصد ملامح المنجز لفرض التفاعل التأثيري، ويميل الى مصادر مرجعية ثابتة مثل كتاب الله سبحانه والسنة النبوية لترسيخ الفعل الاستدلالي واغنائه بابعاد تتعدى النقاشات والردود الآنية المنفعلة، فتسعى الى تحصين فكري ورشاد للموجه إليه... ولذلك كان مسعى وحدة الدراسات التابعة لقسم الشؤون الثقافية والفكرية في العتبة العباسية المقدسة في كتابها الثالث (شرعية التبرك بآثار الانبياء والاولياء) يبدأ من استقراء الموروث اللغوي للتبرك ويعني كثرة الخير والنماء... ولغة يراه السبحاني مشتق من البركة والزيادة في النعمة... واصطلاحا زيادة الخير من خلال التبرك بالذوات الصالحة، ومثلما هو معروف. فكان البحث الاستدلالي عبارة عن خطابات فاعلة تمتلك الجذور الفكرية لضمان شروط التواصل الى ابعد من مديات الاثبات المتحضرة برد شبهات فكرية معينة بل قيم ايمانية التربوية الخلاقة الحيوية يسعى التأثير بالمعنى الاوسع من خلال الموروث القرآني المقدس الذي وردت فيه مرجعيات التبرك لفظا ومعنى.. فيرى ابن كثير في تفسير (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ) سورة آل عمران: 96 استشهد بقول أمير المؤمنين عليه السلام هو أول بيت وضعت فيه البركة. وقد وردت في بعض الآيات القرآنية زمانية مثل قوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) سورة الدخان: 3 ومن التبرك ما ورد مكانيا: (فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها) سورة النمل: 8 أو ورد التبرك وصفيا: (وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا) سورة مريم: 31 ومثل هذا الاشتغال يدل على ان لجنة التأليف سعت لربط هذا المكون الاعتقادي ببنيته؛ الاولى بما ورد من مسند لفظي قرآني ثم قصدت البنية المعنوية بعدة أدلة قرآنية ومنها تبرك يعقوب بقميص يوسف (ع) فالتفسيرات تدل على ان القميص كان مباركا من الله سبحانه تعالى. ويرى ابو عبد الله عليه السلام ان الثوب الذي ألبسه جبرائيل لإبراهيم (ع) كي لايضره الحر ولا البرد وهذا المعنى يمنحنا جواز التبرك بمثل هذه الاثار.. والاستدلال الثاني فقد تبرك بنو اسرائيل بالتابوت الذي يحتوي اثار موسى وهارون. فهناك من يرى فيه عصا موسى وثيابه. ويرى مولاي ابو جعفر عليه السلام هو مهد موسى الذي القته امه في البحر. والرضا عليه السلام يقول عن السكينة: انها ريح من رياح الجنة. ثم يسلك البحث سبيلا آخر من سبل الانتقاء الرشيدة (وعي الذاكرة التاريخية) الملخصة بالقاعدة الاساس والمشتركة مذهبيا، فما رواه البخاري... قال العيني: ان بركة يد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) تزيل كل علة. والسائب بن يزيد يروي: شربت من وضوء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فشفيت... وتقول عائشة: كان الناس يؤتون بصبيانهم للرسول (ص) من أجل التبرك. ومسألة شفاء رمد الامام علي عليه السلام ببركة الرسول (ص) مبينة وثابتة.
ومن مشاهدات عروة بن مسعود مبعوث قريش الى النبي (ص) في صلح الحديبية: (اذا توضأ النبي كادوا يقتتلون على ماء وضوئه). وابن عمر كان يمسح بيده المنبر مكان جلوس النبي (ص) ويضعها على وجهه. وعمر بن عبد العزيز احتفظ بظفر من اظافر النبي (ص) فخاطه في كفنه. وعن اهل البيت عليهم السلام حيث كانت فاطمة الزهراء عليها السلام تأخذ قبضة من تراب رمس النبي (ص) وتضعها على عينيها. وجميع الائمة تبركوا بقبر النبي (ص) فيعمل النص الاستدلالي من خلال استشهاداته عمل البحث الموجه ليجعل حاصل القراءة حاصلا فكريا. فكانت قراءة الكتاب لجواز التبرك مستندا الى قول لنبي (ص) لعلي عليه السلام: (.... لقلت فيك قولا لا تمر بملأ من الناس الا أخذوا التراب من تحت قدميك يلتمسون بذلك البركة). وعن ابي عبد الله عليه السلام: (بظهر الكوفة قبر لا يعوذ به ذو عاهة الا شفاه الله). يقول النبي (ص) لولده الحسين عليه السلام: (يابني أولئك طوائف من أمتي يزورونكم فيلتمسون بذلك البركة وحقيق علي ان آتيهم يوم القيامة حتى أخلصهم من اهوال الساعة ومن ذنوبهم ويسكنهم الله الجنة). وكان الشافعي يتبرك بابي حذيفة النعمان ومصدره ابن الاثير. وابن جني يشرب الماء الذي يغتسل به الشافعي تبركا... ثم ندخل حيثيات الموضوع من باب آخر حيث التبرك ببعض المقدسات كثياب الكعبة المشرفة، والمنبر، وماء الميزاب، وماء زمزم... يقول رسول الله (ص): (ماء زمزم دواء لما شرب له) وكذلك التبرك بنهر الفرات وتربة الإمام الحسين علي السلام يقول ابو عبد الله عليه السلام: (حنكوا اولادكم بتربة الحسين عليه السلام فانها آمان) وفي رواية أخرى (حنكوا اولادكم بماء الفرات وبتربة الحسين عليه السلام فإن لم يكن فبماء السماء). وهذا يكشف لنا مدى جهد (الوحدة المؤلفة للكتاب) لبلوغ الاحتواء الامثل للاستدلال ضد ما هو مفتعل من التحججات ولا يقوم على دعائم موضوعية لكون اصل الاختلاف حديثا زمانيا ولم يكن معروفا عند المسلمين. وقد وردت في حقولهم المعرفية الكثير من الدلائل المقترنة بالجواز. واول من تصدى لهذه الفتاوى الضالة والتي تحرم التبرك هو الفقيه علي بن عبد الله الكافي المصري الشافعي من كبار علماء اهل السنة في القرن الثامن الهجري في كتابه شفاء السعي في زيارة خير الانام ردا على فتاوى ابن تيمية.
أقرأ ايضاً
- العراق، بين غزة وبيروت وحكمة السيستاني
- المسير الى الحسين عليه السلام، اما سمواً الى العلى وإما العكس
- في العراق، الجهل ثقافة عامة