بقلم:حسن الهاشمي
طريقان لا ثالث لهما طريق الرحمن وما يعقبه من نعيم وافر وكرامة وعزة وسؤدد وسلام ورضوان من الله تعالى أكبر وأعظم، وطريق الشيطان الذي يوسوس في قلوب المغرر بهم لكي يركسها في الانحراف والرذيلة والظلم والعدوان والتيه والضلال المبين فتؤدي بهم إلى الخسران المهلك في الدنيا والآخرة. (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ، وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ، وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ، هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ). (يس – الآية – 60- 61- 62- 63).
يأتي النداء الإلهي يوم القيامة، ألم آمركم وأوصيكم يا بني آدم أن لا تطيعوا الشيطان، وحذرتكم إنه عدوكم الواضح الذي لا تخفى عداوته لكم وإنه يريد جركم إلى النار، ودعوتكم بواسطة الرسل الذين أرسلتهم إليكم إلى عبادتي وطاعتي وعمل الصالحات وبينت لكم إن طاعتي وعبادتي هي الطريق المستقيم الوحيد الذي يؤدي إلى السعادة.
فلماذا لم تحذروا الشيطان وانتم ترون إنه قد أضل منكم خلقا كثيرا ووسوس لكم وزين لكم فعل السيئات وترك عبادة الله حتى وقعتم في المعاصي واستحققتم العذاب، ألم تكن لكم عقول تفكر قبل أن تصيروا إلى هذا المصير؟! فها هي جهنم التي كنتم توعدون بها في الدنيا فلا تصدقون، بل كنتم تكذبون بها، ادخلوها الآن واحترقوا بها وقاسوا حرها وعذابها الأليم جزاء كفركم وعصيانكم.
تتجلى عدالة الله تعالى بمكافئة المؤمنين وبعذاب الكافرين، إذ كل إنسان بما كسب رهين، رهين عمله وقوله وحركاته وسكناته في الحياة الدنيا، إن كان مصدر خير ونفع ومحبة ووئام وبناء وتطور وخدمة للبشرية فهو منعم مكرم معزز بالعناية الإلهية، وإن كان مصدر شر وعدوان وظلم وتجبر وتعنت وهدم وخراب فهو معذب مهان قد حاق بالغضب والانتقام الإلهي.
لعمري إن ثنائية التنعيم والتعذيب هي التي تعطي كل صاحب حق حقه دون غمط للحقوق والالتزامات، فالمؤمن الذي كبح جماح نفسه الأمارة بالسوء ووساوس الشيطان وارتدع ونهى نفسه عن الغي والهوى والمفاسد، من غير المعقول أن يساوى بينه وبين من ترك نفسه عرضة لرياح مغريات الشيطان العاتية التي تقذف به في الدنيا إلى ساحة الخذلان وفي الآخرة إلى حفرة النيران غير مأسوف عليه، حيث إن انتخاب طريق الهدى أو الضلال يرجع للإنسان، فهو باختياره يقرر مصيره بانتخاب أحد النجدين إما شاكرا وإما كفورا.
ولا زال رسول الإنسانية محمد صلى الله عليه وآله وسلم يقرع آذاننا ويوصينا باقتفاء طريق الهدى والابتعاد عن طريق الضلالة، وليعلم الإنسان إن حب الدنيا رأس كل خطيئة، إذن علينا أن نجتاز هذه العقبة لنكون من الفائزين المهتدين، وينقل أنه لما احتضر سلمان الفارسي رضوان الله تعالى عليه تحسر عند موته، فقيل له علام تأسفك يا أبا عبد الله؟ قال ليس تأسفي على الدنيا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله عهد إلينا وقال: (ليكن بلغة أحدكم كزاد الراكب) وأخاف أن نكون جاوزنا أمره، وحولي هذه الأشياء، وأشار إلى ما في بيته وإذا هو: سيف ودست وجفنة!!! والدست هي آلة لصقل السيف، والجفنة هي القصعة أي السفرة التي توضع عليها الطعام. (مستدرك الوسائل للميرزا النوري ج2 ص54).
والسؤال الذي يطرح هنا بقوة ما هو موقف بعض المسؤولين المحسوبين على المشروع الاسلامي الذين يدعون السير على نهج الرسول الاعظم وحولهم السيارات الفارهة والقصور الفخمة والأرصدة المليونية والخدم والحشم والحمايات والفضائيات… الى آخره من زينة الحياة الدنيا التي لو أدركها سلمان الفارسي في زماننا الحاضر لمات غصة وأسفا وكمدا لما يراه من بطر المسؤول وعوز الرعية في زمن بات موتورا من مصاديق الرسالة الحقة إلا ما ندر؟!.
والحال ان عهد الرسول محمد صلى الله عليه وآله موجه للإنسانية جمعاء ليأخذ بيدهم إلى سبيل النجاة وليس موجها لسلمان الفارسي فحسب، ولهذا علينا أن نراقب أنفسنا ونحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب، فلنحتفظ بما هو ضروري لإعانة أنفسنا وأهلينا بما يحفظ كرامتهم ونبدد الباقي في سبيل الله، فالحمل لابد ان يكون خفيفا لئلا نقصم ظهر مركوبنا الذي لابد من امتطائه، وهو قصم لظهورنا في حقيقة الأمر، فهل من مدكر؟!.
أقرأ ايضاً
- كيف يمكن انقاذ العراق من أزمته "البيئية - المناخية" الخانقة ؟
- الامام الكاظم (ع) من النعش الغريب المنادى عليه بأستخفاف الى مرقد يعانق السماء و تشيع ومسير الملايين من القلوب المحبة
- حكامنا بين الفار .. والسونار !