- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
لماذا حَكَمْتُ على آلسّياسيين بآلفاسدين؟
بقلم:عزيز الخزرجي
أيّام المعارضة المُمتدة من سبعينيات القرن الماضي و لحدّ هذه اللحظة ضد النظام الصدامي و الأنظمة الأخرى التي ما زالت قائمة و تنهش لحوم و حقوق الناس.. و يا لها من أيام عصيبة و معقدة و مُرّة للغاية مرّتْ علينا.. و لا تزال بنفس الظروف و الأساليب مع بعض الأختلافات الشكليّة؛ فقد رأينا خلالها الكوارث و المحن و الغربة, و كنا رغم كلّ ذلك نُجاهد بإخلاص على كلّ صعيد.. و كثيراً ما كنّا نفترش الأرض و نلتحف السماء و نحن نأمل أن يأتي اليوم الذي يحكم العدل فيه ألعراق, و طالما حاضرتُ و كتبتُ.. و لا زلتُ أكتبُ و أحَدِّثُ و أُحاضر كما كنت أيام زمان مع (ألدُّعاة) و (آلمجاهدين) في قوات بدر و العاملين في المجلس الأعلى و حتى الأسرى العراقيين(ضيوف الجمهورية الأسلامية) و غيرهم؛ عن فلسفة الحكم و العدالة و المساواة في الأسلام.. و كيف أنّ الأسلام و على عكس جميع حكومات و أنظمة الأرض الوضعية القائمة يأمر بآلعدل في تقسيم الحقوق و الأموال بين الناس(كلّ الناس) من بيت المال و بآلتساوي, و كما كان رسول الله(ص) و عليٌّ(ع) يفعل ذلك و هما لا يُفرّقان بين السّيد و العبد و بين الرئيس و المرؤوس, و بين القائد و الجندي, و بين الموظف و آلعامل, طبقاً لكتاب الله تعالى و الآية الشريفة الثابتة ألمحكمة التي لا تتغيير, و التي تقول:
[مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)](1).
و الفيء هنا هو ما يأخذهُ المسلمون من العدوّ دون قتال، و إشتباك، أو ما تركوه هزيمة قبل القتال!
حيث جاء الأمر الإلهي بتوزيعه على هؤلاء الذين ذكروا في الآية الكريمة التي تليها، و كلّ ذلك من أجل أمرٍ واحد مهمّ و أساس في الحقوق الأنسانية, و هو؛ (كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ).
حيث يُعلن الله تعالى؛ بأنّهُ لا يجوز.. و يُحرّم تكدس الأموال في يد فئة قليلة من الناس و كما هو الحال مع حكام اليوم في معظم حكومات العالم الظالمة, و إن الطريق الشرعي لتفادي ذلك,هو تقسيمها بين الفقراء و المستحقين بآلتساوي، بل و الإيثار في ذلك من قبل المتصدين و الوجهاء و الرؤوساء و الحاكمين – أي على الرؤوساء أن يأخذوا أقل من الرّعية و حتى من الفقراء، و هذا هو الذي أتى في نهاية الآيات الشريفة في قوله عز وجل: (وَ لَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَ يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)، و الخصاصة هي الفاقة و الحاجة ألشديدة.
مع النظر و التأمل في هذه الآية التي طالما كنت أحاصر و أكتب عنها للناس من خلال صحف المعارضة و اللقاآت الشخصية: نرى أنّ الحكام و المسؤوليين و الوزراء و نوّاب البرلمان و المدراء الذين كانوا يتحسرون أيام المعارضة ضد صدام؛ لتطبيق العدالة, بعكس ما كان يفعله صدام و الحكام؛ نراهم اليوم و للأسف الشديد, قد فعلوا و يفعلون ما كان يفعله صدام, و بآلعكس تماماً من تلك الآية و مراد الله, و هم – أي المسؤوليين و الحكام والنواب - مُصْرّينَ على إدامة الفساد و لحد هذه اللحظةّ, و ذلك بإدامة الأرهاب الناعم بعد القضاء على الأرهاب العنيف بسواعد المقاتلين في الحشد الشعبي و آلقوات العراقية و قيادة المرجعية الحكيمة.
فهم – أيّ السياسيون - ليس فقط لم يُوزّعوا الأموال بآلتساوي بين الناس؛
و كذلك ليس فقد لم (يؤثروا على أنفسهم و لو كانت بهم خصاصة), بل كدّسوا الأموال من حقوق الفقراء و المحتاجين لأنفسهم و ذويهم و أحزابهم و تحايلوا على حقوق الناس بإصدار قوانين من مجلس النهاب و من مجلس الوزراء و حتى مجلس القضاء برعاية المحتلين الأمريكان.. تضمن لهم الأكداس من الملايين الحرام ألتي أودعوها في بنوك الشرق و الغرب من دون الناس أو مصلحة الوطن على الأقل!
و هناك مقام أعلى من هذا المقام الأنساني, حصل عليه أهل بيت رسول الله(ع), و هم (فاطمة و علي و الحسن و الحسين) و من تبعهم كآية الله الأمام الخميني و آية الله السيد الخامنئي و آية الله السيد محمد باقر الصدر و غيرهم, و(هذا المقام إختصّ بالذين وصفهم الله بقوله تعالى و كما جاء في سورة الأنسان: [وَ يُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَ يَتِيمًا وَأَسِيرًا](2)، و قوله تعالى أيضاً: [وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى](3)، فهاتان الآيتان دلّتا على أنهم رغم حاجتهم لما يملكون و يحبون, لكنهم تصدقوا بها، و يؤكد ذلك أيضا, قوله تعالى: [لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ](4)
و إن عليّاً (ع) يوم كان خليفةً للمسلمين, كان يرعى الأيتام و الفقراء بنفسه و حتى من دون علم الناس, حيث كان يقوم في كلّ ليلة بتوزيع الحليب و التّمر على الأطفال و الفقراء و المساكين و من دون أن يعرفوه, حتى سمّي فيما بعد بأبي الأيتام بعد شهادته الكونية الأليمة!
و كان نبينا محمد (ص) هو المثل الأعلى في تطبيق كلام المولى تعالى بشأن حقوق الناس، حيث كان يحثّ أصحابه بآلعطاء و مداراة الناس لكونه نصف الأيمان و مشاركتهم في كلّ شيئ حتى لو كان بشقّ (تمرة) أو شربة (ماء), و هكذا كان معظم أصحابه فقد جاء في تأريخ الأسلام عن الترمذي و الطبري و مسلم:
(أنّ صحابيّاً و هو (أبو طلحة) قد بات به ضيف, فلم يكن عنده إلا قوته و قوت صبيانه، فقال لامرأته: نوَّمي الصبية، و أطفئي السراج، و قربي للضيف ما عندك، فنزلت هذه الآية: ((وَ يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)).
و في صحيح مسلم: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه و آلله و سلم فقال: إني مجهود - أي: متعب من شدة الجوع و الفقر- فأرسل إلى بعض نسائه، فقالت: و الذي بعثك بالحقّ, ما عندي إلا ماء، ثم أرسل إلى الأخرى فقالت مثل ذلك، حتى قلن كلهن مثل ذلك: لا و الذي بعثك بالحق, ما عندي إلا ماء! فقال: من يضيّف هذا الليلة رحمه الله، فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله!
فانطلق به إلى رحله، فقال لامرأته: هل عندك شيء؟ قالت: لا إلا قوت صبياني، قال: فعلليهم بشيء - أي: أشغليهم و وليهم عن الجوع بشيء آخر- فإذا دخل ضيفنا فأطفئي السراج و أريه أنا نأكل - لأن الطعام لا يكفي الثلاثة - قال: فقعدوا و أكل الضيف، فلما أصبح غدا على النبي صلى الله عليه و سلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم، قد عجب الله عز وجل من صنيعكما بضيفكما الليلة).
أما مصادر الشيعة, فتقول؛ بأن الآية مختصّة بآل بيت الرسول(ص), فقد أخرج الحاكم الحسكاني ـ من أبناء السُّنة ـ بإسناده عن مجاهد عن ابن عباس في قول الله {وَ يُؤْثِرُونَ عَلَى أنفُسِهِمْ وَ لَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} قال: نزلت في عليٍّ و فاطمةَ و الحسنِ و الحسينِ (عليهم السلام).
و في الاحتجاج, عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) في حديث مناشدة أمير المؤمنين للقوم، قال: نشدتُكُم بالله هل فيكم أحدٌ أُنزلت فيه هذه الآية {وَ يُؤْثِرُونَ عَلَى أنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَ مَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} قالوا: لا.
و أخرج محمد بن العباس في تفسيره بسند صحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى {وَ يُؤْثِرُونَ عَلَى أنفُسِهِمْ وَ لَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَ مَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}, فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ لعليٍّ (عليه السلام): أما إنَّ جبرئيل قد أنبأني بذلك، و قد أنزل اللهُ فيك كتاباً {وَ يُؤْثِرُونَ عَلَى أنفُسِهِمْ وَ لَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَ مَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
و أخرج ابن المشهدى في مزاره بسند صحيح عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري عن أبيه (عليهم السلام) ـ في زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) المختصة بيوم الغدير ـ و فيها: و فيكَ أنزل الله تعالى {وَ يُؤْثِرُونَ عَلَى أنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَ مَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(5).
و في الحقيقة, لا يهمّ كثيرأً الآن فيمن نزلت الآية, بل الدرس الهام الذي على السياسيين أن يتعلموه هو تطبيق تلك الآية التي طبقها آل البيت(ع) أو الصحابة.
و ختاماً أقول: لا يجوز للحكومة و للمسؤوليين العراقيين أن يستغلّوا جهل العراقيين بحقوقهم و عدم و عيهم بذلك لمصالحهم و كرامتهم؛ أن يسرقوا الشعب و ذلك من خلال سنّ القوانين و تحديد الرواتب المليونية لمنافعهم الخاصة, بحيث خصّصوا ما يقرب من 34% من أموال النفط كرواتب للرؤوساء و الوزراء و المسؤوليين على مدى 14 عاماً, حتى جعلوا العراق مديناً بأكثر من 250 مليار دولار للبنوك و الحكومات الأجنبية التابعة للمنظمة الأقتصادية العالمية بجانب هدر ترليون و نصف ترليون دولار من دون بناء أي مشروع أساسي مفيد؟
أملي كبير بآلمثقفين العراقيين رغم ندرتهم بسبب سياسة و مناهج التربية و التعليم و الأحكام العشائرية الجاهلية و فساد الحاكمين.. بأنْ يُشكّلوا الحلقات و المؤتمرات و الندوات ألأسبوعية, بل و حتى اليوميّة في المقاهي و البيوت و الحدائق و الصالات, لطرح هذه القضايا الكبيرة التي ترتبط بحياتهم و مصيرهم مباشرة, و التصدي للسياسيين المنافقين المجرمين الذين خرّبوا البلد و سرقوا حقوق الفقراء, و ذلك بآلثورة ضدهم و مقاضاتهم و إرجاع كل دولار سرقوه, و الله هو الناصر و المعين.
عزيز الخزرجي
مفكر كونيّ
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) (الحشر: 7 - 9]).
(2) (الإنسان:8).
(3) (البقرة:177).
(4) (آل عمران:92).
(5) شرح الأخبار ج 2 ص 404 ؛ الأمالي للشيخ الطوسي ص 185 ؛ الاحتجاج ج 1 ص 209؛ مناقب آل ابي طالب ج 1 ص 347 ؛ المزار لابن المشهدى ص 273 ؛ حلية الأبرار ج 1 ص 213 وج 2 ص 263 ـ 266 ؛ بحار الأنوار ج 13 ص 342 ـ 343 وج 36 ص 59 ـ 61 وج 14 ص 28 ـ 29 و34 و ج 47 ص 232 ؛ تفسير مجمع البيان ج 9 ص 430 ـ 431 ؛ التفسير الصافي ج 5 ص 157 ؛ التفسير الأصفى ج 2 ص 1285ـ 1286 ؛ تفسير نور الثقلين ج 5 ص 285 ـ 286 ؛ شواهد التنزيل ج 2 ص 331 - 332 ؛ تأويل الآيات ج 2 ص 678 ـ 679.
أقرأ ايضاً
- الآن وقد وقفنا على حدود الوطن !!
- الآثار المترتبة على العنف الاسري
- الضرائب على العقارات ستزيد الركود وتبق الخلل في الاقتصاد