حجم النص
بقلم:عباس الصباغ حشدان مقدسان غيّرا وجه التاريخ بذات الأسباب وذات النتائج وكلا الحشدين يمثلان معسكرين للحق والهداية يشكل أحفادهما الان الامتداد الطبيعي والفايسلوجي لهما يقابلهما معسكران للباطل والضلالة ولم يفتئا يتقابلان في صيرورة مستمرة لدورة الصراع السرمدي بين الخير والشر، والتي تضعف تارة وتشتد تارة أخرى ولطالما اشتدت عبر التاريخ وما يوم عاشوراء عنا ببعيد حينما اشتدت وتائرها يوم وقف الإمام الشهيد (عليه السلام) أمام مشروع الانحراف الإستراتيجي الذي أراد منه بنو أمية أن يصادروا ويمحوا مشروع الإسلام المحمدي / العلوي من الوجود عن طريقين: الاول اجتثاث البيت النبوي الذي قام بأعباء الرسالة وإبادتهم تماما، الثاني إحياء الجاهلية الأولى وقيمها لتكون بديلا موضوعيا عن المبادئ الإسلامية التي ناضل من اجلها الرسول الأعظم والرعيل الإسلامي الأول، وأراد بنو أمية أن تذهب فصول ذالك النضال المرير أدراج الرياح ولكن أمانيهم هي التي ذهبت أدراج الرياح بعدما وقف الإمام الشهيد في وجه المشروع الأموي، ودفع وجوده المقدس ثمنا كان لابد من دفعه لإفشال ذلك المشروع فالأمر كان يتطلب تضحيات جساما، ولو لم يقف الإمام الشهيد بوجه ذلك المشروع التدميري والتخريبي لأصبحت الرسالة المحمدية مجرد أطلال وذكريات وشواهد على ماض ولى واندرس، وهو بالتأكيد لايكون جميلا لهؤلاء لأنه يتضمن الهزائم التي مني بها المعسكر الأموي في الجاهلية على يد معسكر الرسالة فقد كان وقوف الإمام المعصوم (عليه السلام) مع حشده المقدس وقوفا حتميا لا محيص عنه ولامهرب منه وكان عليه السلام يعلم إن وقوفه سيكون وراءه تضحيات كبيرة تبدأ بنفسه المقدسة ولاتنتهي بسبي عيالاته وحرائره والتطواف بهن في الأمصار. الحشد الحسيني المقدس بقيادة المعصوم (عليه السلام) كان مشروعا استراتيجيا لفك شيفرة المشروع الأموي ودحضه ورميه في البحر وعلى ذات السياق الحكيم وقف نائب المعصوم (عج) آية الله العظمى السيد السيستاني (دام ظله) بوجه المشروع الداعشي والذي أدرك بحنكته ونفاذ بصيرته الثاقبة أن هذا المشروع هو مشروع دولي / إقليمي / محلي الغرض منه ابعد من احتلال بقعة هنا أو هناك أو السيطرة على مفاصل جغرافية حيوية للانطلاق منها لغرض التوسع بل إن الهدف منه هو القضاء على الإسلام المحمدي الأصيل المتمثل بخط التشيع ـ مرة أخرى وبعد أن فشل مسعاهم في الطف ـ فالاستهداف إذن هو متماثل ومتشابه إن لم يكن هو عينه مع اختلاف الأعصر والأدوات، ففي الطف استهدفوا بيضة الإسلام المحمدي الأصيل وأرادوا اجتثاث من يمثل هذه البيضة واليوم يستهدفون ذات الإسلام المتمثل ببيضة التشيع واجتثاث الشيعة بعد أن اجتثوا إمامهم، فالأسباب ذاتها والنتائج ذاتها ايضا والمعالجة ذاتها ايضا تمثلت بالوقوف الحازم وعدم المهادنة أو المراوغة أو انتظار لما ستؤول إليه الأوضاع وما ستسفر من نتائج، فقد قالها الإمام الشهيد (من لحق بي استُشهد ومن لم يلحق لم يبلغ الفتح) فالفتح مقرون بالالتحاق حتما وان كان يفضي الى الشهادة وهي فتح ايضا وعندما عُرضت عليه الحلول الدنيوية والمادية قالها (هيهات منا الذلة) وبقي سائرا في تنفيذ مشروعه الإصلاحي المقدس في امة جده (صلى الله عليه واله) الى أن التحق بالرفيق الأعلى مضمخا بدمه الشريف وبعد أن قدم علاوة عن نفسه المقدسة زبد الوجود وأفضل ماموجود من علية بني هاشم واكارم أصحابه (رضي الله عنهم أجمعين) وقد أدرك الإمام الشهيد بان عاشوراء هي اكبر من كونها معركة ستحدث لسويعات وينتهي الأمر وكما توقع الإمام الشهيد فان عاشوراء لم تنتهِ فصولها بعدُ وهاهي مستمرة فالاجتياح الداعشي لأرض العراق (مركز التشيع في العالم) يعد فصلا آخر من فصول عاشوراء فالأمر يتطلب وقوفا مشرفا يستلزم التحشيد الجماهيري لعموم الشعب العراقي كونهم جميعا مستهدفين في كل شيء في أموالهم وفي ممتلكاتهم وفي أعراضهم ولم يقتصر الأمر على الشيعة فقط الذين لبوا مع إخوانهم (أنفسهم) السُنة والمسيح وبقية المذاهب والأديان نداء الفتوى التي أطلقها الإمام السيستاني غداة الاجتياح الداعشي وللعلم إن فتوى الجهاد الكفائي لم تُوجه فقط الى الشيعة او لمقلدي سماحة السيد السيستاني بل وُجهت لجميع من يقدر على حمل السلاح وهاهي الفتوى الشريفة بدأت تعطي أُكلها وثمارها التي أينعت بتضحيات الذين لبوا نداءها ومن جميع ألوان الطيف العراقي وكاشفة عن سلسلة من الانتصارات الباهرة والتي تم بموجبها تحرير الأراضي التي دنسها داعش ورفع هذا الكابوس الذي جثم على الصدور لسنتين وأزيد. وبهذا نستخلص القول بان الحشد الشعبي المقدس الذي تشكل عفويا وتلقائيا بعد فتوى الجهاد الكفائي، يعد امتدادا طبيعيا للحشد الحسيني المقدس التي تشكل يوم عاشوراء وكلاهما أديا ما رُسم لهما من واجبات في الحفاظ على بيضة الإسلام المحمدي/ العلوي الأصيل وان كانت التضحيات جسيمة جدا بدئت بيوم عاشوراء الذي استمر لحد الان ولم ينقطع وسيستمر لحين ظهور المصلح المنتظر (عج). • كاتب عراقي