حجم النص
بقلم جسام محمد السعيدي الشباك الذي صنعه العراقيون كأفخم وأقوى وأجمل, وأطول شبابيك الأضرحة عمراً، هيّج مشاعر السخط على المتصدين للحكم في العراق، من قبل ممثل المرجع الديني الأعلى والمتولي الشرعي للعتبة العباسية المقدسة. وقد اختصرها العلامة السيد أحمد الصافي بعبارته التالية التي تلاها في حفل إزاحة الستار عن هذه التحفة الفنية، ليلة ذكرى ميلاد أمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام، حين قال: "إنّ ثقتنا بطاقاتنا وكفاءاتنا كفيلةٌ بأن تخرج البلد من أزماته لو أحسن المتصدّون إدارة هذه الطاقات، لكنّهم في سباتٍ عميق نسأل الله تعالى أن يوقظهم من رقدتهم عاجلاً". وكامل كلمته في الرابط التالي: https://alkafeel.net/ar-news/index.php?id=4045 ونحن أزاء هذا الحدث أخوتي الكرام الأحبة نود بيان الردود التالية على الشبهات التي طرحها البعض في الأشهر التي سبقت الافتتاح، في منشورات عدة، وأغلبها نابع من الغيرة على المجتمع، والنية الصادقة في مساعدته، لكنها للأسف خاطئة جملة وتفصيلاً، عقلاً وشرعاً وكما يلي: 1. أموال الوقف شرعاً ووفق جميع المذاهب الاسلامية، لا يجوز صرفها إلا في شؤون الوقف نفسه. يعني لو أن زائرا وضع في شباك أو قسم هدايا ونذور العتبة العباسية المقدسة –كمثال- 250 دينار، فإدارة العتبة ملزمة شرعاً بصرفه في شؤون العتبة نفسها، ويحرم صرفه في أي عتبة أخرى ولو كانت عتبة أخيه الامام الحسين عليه السلام، أو عتبة أبيه أمير المؤمنين عليه السلام. والسبب بسيط، وهو أن الزائر قصد عتبة بعينها ولم يقصد غيرها. 2. لو ان الشخص في مثالنا السابق أراد صرف مبلغه في شؤون اعانة الفقراء، أو الارامل او اليتامى او تزويج الشباب...الخ، فلماذا يضعها في العتبة؟!! الجواب لانه يريدها في هذا المكان، وإلا لأعطاها لغيره!! والقاعدة الشرعية العقلية تقول: الناس مسلطون على اموالهم. وهذا يعني لا يحق لأي أحد أن يعترض على مورد صرفك للأموال ما دام الصرف شرعياً. وادارة العتبة ملزمة ومؤتمنة على أموال الناس ولا يحق لها التصرف بها إلا فيما قصده الواقف والمتبرع منهم، وإلا تصبح خائنة سارقة، حتى لو أعطت المال للفقراء، لأنها ببساطة لن تفرق عن الشخصية الإنكليزية القصصية الخيالية (روبن هود Robin Hood) الذي كان يسرق من الاغنياء ليعطي الفقراء!!. والحال نفسه في قضية خدمة مواكب زيارة الأربعين في العراق.. فلدينا تجار ومواطنون بسطاء يجمعون المال إستعداداً لزيارة الأربعين في صناديق خاصة فلساً بفلس وديناراً بدينار طوال السنة، حتى أن من المفارقات الجميلة، أن حصالات النقود في المحافظات الجنوبية ارتبط اسمها بالإمام الحسين عليه السلام وصارت تسمى (حسينيات). فهل نأتي في نهاية السنة ونقول لمن جمع هذه الأموال لاتنفقوها على الزوار وأنفقوها في مجال اخر؟! بل وننتقدهم ان خالفوا!! 3.عتبات كربلاء المقدسة نفذت مئات المشاريع في المجالات الطبية والصناعية والزراعية والأمنية والثقافية والعلمية والتعليمية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية والترفيهية للزائرين والمواطنين، ومنجزات العمران الكثيرة من أهمها توسعة العتبتين المقدستين بنسبة 250%، هذين الكيانين المقدسين، يعيل اليوم آلاف العوائل معظمهم من ذوي الدخل المحدود والفقراء، بعد ان عجزت الدولة عن تشغيلهم، كل هذه الانجازات والرواتب والخدمات التي قدمتها العتبتين المقدستين الحسينية والعباسية ل 650 مليون زائرا، فضلا عن الكلف التشغيل وهداية الاف الناس في اصقاع المعمورة، كل ذلك كلف خلال 13 سنة مبلغا لا يتجاوز بضعة ملايين من الدولارات، وذهب للشعب وفقرائه، مشاريع وخدمات ومعيشة يونية، وهو لا يساوي سوى 0.001% من صرفيات الدولة في الحكومات المتعاقبة خلال هذه الفترة، فهل كانت نتاجات صرفيات الحكومة ألف ضعف عن صرفيات العتبتين المقدستين، باعتبار أن صرفيات الأخيرتين كانت 1 بألف من صرفيات الحكومة؟!! فإن تأدية العتبات المقدسة لواجبها الأساس تجاه تعظيم شعائر الله – ومنها تزيين المراقد- لا يعني تقصيرها تجاه غيره، خاصة لو عرفنا أن هذا التزيين جزء من هيبة المكان في نفوس الأعداء، وتعظيمٌ له في نفوس المؤمنين. أترانا نرضى أن يلبس أبانا دشداشة خـَلِقة بحجة تبرعه لماله للفقراء؟!!! ألا يمثل رمزاً لأسرتنا؟!! فما بالنا نرضى أن نعيد صناعة الشباك المتهالك الذي انتهت صلاحيته، من حديد مثلاً!!! أو خشبٍ فقط!!!! 4. مبلغ واردات الشباكين الشريفين في العتبتين المقدستين الحسينة والعباسية وقسمي الهدايا والنذور فيهما لا تتجاوز واردتهما 50 مليون دولار سنويا!!! لا كما يعتقد البعض، علما ان صرفياتهما حوالي170 مليون دولار سنوياً، قبل عام 2014م وحصول الأزمة الاقتصادية، ولو ارادتا تحقيق الطموح بانجاز مشاريع اكثر في المحافظات وكربلاء، فتحتاج أضعاف هذا المبلغ، فما بالكم والدولة قطعت معظم التمويل في 2015 فتوقفت معظم المشاريع، وربما في 2016 بلا تمويل!! ولولا موازنة الدولة لما نفذت معظم مشاريع العتبتين المقدستين. ولا تأتينا من أي دولة إلا صفر دولار سنوياً. 5. التمويل لصرفيات العتبة العباسية المقدسة هو بالتفصيل التالي: أ. إما بأموال وارداتها عن طريق الشباك الشريف وقسم الهدايا والنذور. ب. تبرع شخص عراقي أو أجنبي (إيراني، هندي، باكستاني، تركي، آذري، من بلدان الغرب او العرب) بجهده المباشر عن طريق إدارة العتبة المقدسة، كالنجار والمهندس والطبيب...الخ، وجهده هو مال غير مباشر، فهو كمن ألقى في الشباك الشريف أجر جهده. ج. عن طريق قطاعات الاستثمار...وتمثل مع النقطتين أعلاه بمجموعهم حوالي 25% من مصروفات العتبة المقدسة. د. أو عن طريق موازنة الدولة العراقية التي تُعطى لها بواسطة ديوان الوقف الشيعي، وتمثل بين عامي 2008 و2015 تمثل 75%. 6.بناء على ما سبق نقول: كيف يمكن للعتبات ان تقرض الدولة أو تعيل عُشر فقرائها فضلاً عنهم كلهم كما قال عصام الجلبي وزير النفط السابق، وبعض جهابذة زمانهم!! ووارداتها لا تفي بربع حاجتها فضلا عن طموحاتها فضلا عن الفقراء؟!!! 7. لو قسنا الأمور هكذا كما قاسها اخوتنا المعترضون او المستنكرون للتذهيب، فنقول، إذن فلنخلع كل ملابسنا الجيدة والغالية، ونبيع بيوتنا الراقية، وسياراتنا الفارهة، ونرضى بملابس بسيطة وببيت إيجار صغير، وأثاث بسيط، ونعطي الفرق للفقراء، وإلا أصبحنا مجرمين!!! لو عمل الجميع ذلك في كل بلاد المسلمين، لكان الفرق بعشرات مليارات الدولارات، في حين لو بعنا كل أموال العتبات من الأضرحة والقباب والمنائر، فهي لن تتعدى مليار دولار، يعني أقل من سرقة وزير!!!!. ثم أن الجميع يعلم علم اليقين أن إشباع بطون الفقراء لايتوقف على ترك تذهيب أجزاء العتبات، فهناك الكثير من الأموال المهدورة التي لانسمع من يطالب بتوفيرها للفقراء وهي أضعاف ما يتم التبرع به للتذهيب بكثير. 8. الفقراء واليتامى لهم مورد صرف يختلف عن العتبات، فالأخيرة لها ما أوقف لها وأهدي فقط، بينما للفقراء الخمس والزكاة والصدقات والكفارات، ولا يجوز شرعاً الخلط بين الأمرين، فلا يعطى للفقراء من أموال الوقف، ولا يُعطى للوقف من أموال الفقراء، مع العلم أن أموال التذهيب يأتي الكثير منها من أصحاب الدخل المحدود، بل وحتى بعض الفقراء، حباً بصاحب المرقد، أو إيفاء بنذر لقاء قضاء حاجة بشفاعته عليه السلام. 9. كمؤمنين علينا أن نعلم إن أحكام الله أوجدها الله الخبير بنفوس وأجسام واحوال عباده ومخلوقاته، الحكيم بمصالحهم، الغني عن طاعته، الذي وضع كل شيء بقدر، ومنها أحكام الوقف وغيرها، وأحكام الوقف وغيرها من أحكام الله، وليس من أحكام البشر. 10. الشباك والتذهيب للمنائر والقبب، والتزيين للبناء والتأثيث الراقي وما شابه، وسيلة بشرية مادية لإظهار عظمة شخصية معنوية، وهي لغة انسانية متعارف عليها بين البشر لإيصال رسالة للآخر بأن من وضعت له هذه الأشياء انسان عظيم، يُراد لفت أنظار من لا يعرفه إليه. فهل رأيتم متحفاً أو سفارة أو أي بناء يرمز لدولة ما، بل أي لباس يتزيا به مسؤولوها مهما كانت فقيرة، هل رأيتموه متواضعا؟!!! الجواب كلا لأسباب منها أنها رمز عرفي لاحترام الدولة ومكانتها. ما قاله المعترضون في منشوراتهم، يُشم منه أحياناً النية السليمة في حرصهم على الفقراء، ويُفهم من بعضها الطعن في الدين بعدما أخرستهم الحجة في الطعن بقواعده ورموزه. لكني أتساءل، هل سينظر الناس لمرقد الامام الذي تكون قبته متواضعة وبناء من حجر غير مزين، وشباك خشبي متواضع كنظرته له حالياً؟!!!! جوابي كباحث نفس واجتماع منذ سنوات، وجوابي العلمي الواقعي الناتج من تحليل هو بالتأكيد: نظرة الشخص ستتغير والهيبة ستقل، وهذه مسألة عُرفية بشرية، لا يشذ عنها إلا العلماء وذو النظر الثاقب للأمور وهم بمجموعهم نادروا الوجود. إذن فالتعظيم بالذهب والتزيين وسيلة لا بُد منها للغالبية لصلاح الناس ومصلحتهم. 11. الشباك الشريف له مدة صلاحية، كأي بناء أو أثاث يتعرض للاستخدام، ومدة صلاحية الشباك الحالي 50 سنة فقط، وقد صُنع عام 1964 ودخل الخدمة في 6/1/1966 وهذا يعني ان مدة بقائه انتهت في 6/1/2006م، وقد انهار مرتين في زيارة الأربعينية الماضية ومرتين في التي قبلها، وجُرح بسبب البعض، واُغلق الحرم لعد ساعات حتى انتهى التصليح، وهذا يعني حرمان عشرات الآلاف من الزائرين من الوصول اليه، بعضهم قطع قارات ولن يراه مرة أخرى، والسبب واضح، قٍدم الضريح، وهنا نحن أمام خيارين: أ. أما أن نصنع واحداً جديداً من حديد أو معدن قوي رخيص، وبالتالي قللنا من قيمة صاحب الضريح في نفوس المؤمنين، فضلا عن الأعداء. ب. أن نصنعه بما يليق به وهو ما حصل، ونحن هنا أمام خيارين: أولا: أن نصنعه بعمر افتراضي قليل كسابقه وبالتالي سنحتاج آخر بعد 50 سنة، وهو يعني وقتا ومالا وجهدا لصياغته. ثانيا: أو أن نصنعه بأضعاف عمره لتوفير مال صياغة عدة شبابيك مستقبلية لقرون قادمة، وهو ما حصل بزيارة وزنه ومتانته وذهبه، حيث جعلته العتبة بعمر 1000 سنة، أي أنها وفرت على نفسها والمؤمنين صناعة 20 شباك خلال الألف سنة القادمة. 12. الشباك صنع في العراق بأيدي عراقية وفي مصنع عراقي تابع للعتبة، وبأموال الزائرين، ولا دخل لأي دولة أخرى بالأمر، تمويلاً وصناعة وخبرات. 13. قد يقول البعض: إن أهل البيت عليهم السلام ليسوا بحاجة الى هذا الذهب، فنقول: عندما تقدم هدية لصديقك أو زوجك أو ابنك، تعبيراً عن حبك، هل يشترط أن يكون المهدي إليها بحاجة إليها؟!! انتبهوا هدية وليست أموال فقراء مسروقة منهم!!!. وكما هو معلوم إن تقديم الذهب طريقة معروفة للإحترام بين الناس منذ أوائل التاريخ، وقد إعتادت عليها الشعوب والأمم سواء المسلمة أو غيرها.. والعرب أو غيرهم. فإن قلت: إن أهل البيت عليهم السلام ربما لايتفقون مع هذه القاعدة ولا يعتبرون الذهب دليلاً على التكريم. قلنا: بالعكس فإن أهل البيت عليهم السلام يعتبرون الذهب هو أوضح وجوه التكريم، رغم أنهم ليسوا أهل ذهب في طريقة عيشهم، فهم أهل الزهد والبساطة، وقد تركوا الذهب للقياصرة والأكاسرة والملوك، فما عند الله خير وأبقى. ولكن هذا لاعلاقة له بتكريمنا نحن لهم، نحن نريد التعبير عن حبنا لهم، ونحن أحرار في أموالنا. وإذا سؤلت عن دليل مانقول فعليك بقراءة هذه الرواية: عن إبن مارد قال: كنت عند الصادق عليه السلام وقد ذكر أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا بن مارد مَن زار جدي عارفا بحقه، كتب الله له بكل خطوة حجّةً مقبولةً، وعمرةً مبرورةً، يا بن مارد والله ما يطعم الله النار قدماً تغبّرت في زيارة أمير المؤمنين عليه السلام ماشياً كان أو راكباً، يا بن مارد ((اكتب هذا الحديث بماء الذهب)). كتاب فرحة الغري للسيد إبن طاووس / ص 147. فإذا كان الإمام الصادق عليه السلام يعتبر حديثاً واحداً في فضل عليه السلام يستحق أن يكتب بماء الذهب.. فكيف بقبة وضريح علي عليه السلام وأولاده عليهم السلام ؟!!! 14. هذا الذهب مصدر ربح معنوي ومادي للوطن.. فهو يعادل مئات الكليات الحربية في اعداد الجنود والقادة.. بحيث أن قيمته المعنوية الرمزية على تلك القباب والمنائر الشامخة لمراقد الأئمة المعصومين وأولادهم عليهم السلام، وأضرحتهم المطهرة، ساهمت في بناء أنفس ملايين الشباب المملوئين بالإيمان والمضحين الذي هبوا الى جبهات القتال للدفاع عن الوطن، بمقدساته وعظمتها التي يكشف عنها هذا الذهب وغيره من وسائل التعظيم التي لم يحرمها الله.
أقرأ ايضاً
- غائب منذ (10) أشهر.. البرلمان يفشل في حسم منصب "الرئيس"
- تشيد اربع مرآئب بسبع طبقات العتبة الكاظمية تباشر اولى خطواتها بنصب محطتي كهرباء وماء اسالة
- العتبة الكاظمية تنفذ (82) مشروعا لخدمة الزائرين مع نصب (1000) كاميرات مراقبة ذكية