- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الخطاب الحسيني صوت هادر على مدى الزمان/الجزء الحادي عشر
حجم النص
بقلم: عبود مزهر الكرخي نواصل تتبع المسيرة الخالدة لثورة الحسين والتي جرت أحداثها بكل ما فيها من قيم للبطولة والكبرياء والشموخ والوقوف بوجه الطغيان والكفر والظلم في شهر محرم وكذلك ما جرى فيها من مآسي والإيغال في الرغبة في هلاك العترة الطاهرة من ذرية رسول الله(ص) والتي المطلوب من أي كاتب ومفكر نزيه وشريف أن يتوقف ويفكر في هذا المفهوم الذي أصروا فيه بنو أمية وبقيادة رؤوس الكفر والطاغوت من يزيد إلى أبن مرجانة وأبن سعد وشمر وكل المجرمين من ذلكم الأوغاد لعنهم الله أجمعين على سفك دم الحسين(ع)الطاهر ودماء آل بيته وأصحابه المنتجبين الزكية سوى أنهم قالوا لا للظلم ولا للطاغوت ولا لكل مظاهر الانحراف التي طرأت على الدين المحمدي ورفضول الظلم بكل أشكاله والتي تستحق من أي منا الوقوف ملياً أمام هذه النلحمة الخالدة من ملحمة الطف. وصول إلى الحسين إلى كربلاء كربلاء: عرفت قديماً باسم ((كوربايل)) ثم صحفت إلى كربلاء وهي تجمع ما بين الكرب والبلاء وهي وقد ذكرها الأمام الحسين(ع) عندما وصل إلى كربلاء عندما قال اللّهمّ أعوذُ بك من الكَرْبِ والبَلاء». ثمّ قال(عليه السلام): «هَذا مَوضع كَربٍ وبَلاء، انزلوا، هَاهُنا مَحطُّ رِحالِنا ومَسفَكُ دِمائِنَا، وهَاهُنا مَحلُّ قبورِنا، بِهَذا حدّثني جَدِّي رسول الله(صلى الله عليه وآله» وقد ذكرنا ذلك في جزئنا العاشر وهي ارض مقدسة ما من نبي إلا مر بها وأستذكر فاجعة الحسين واستعبر على ما جرى في هذه الأرض الطاهرة وسلم على أبي الشهداء(ع) وحتى سفينة نوح عندما مرت بها في الطوفان اهتزت وماجت وظن نوح(ع) أن يوم القيامة قد قامت فسأل ربه عن هذه الأرض فقال أنها أرض كربلاء وفيها مكان استشهاد سبط رسول الله وتقتله أمة جده فبكى نوح(ع) وكل من السفينة وتربتها الطاهرة التي روى بها سيدنا الحسين(ع) بدمه الشريف أرضها فأصبحت من المدن المقدسة وتربتها الشريفة من أقدس الترب على الأرض ويقول عنها الكاتب المصري عباس محمود العقاد(فهي اليوم حرم يزوره المسلمون للعبرة والذكرى،ويزوره غير المسلمين للنظر والمشاهدة،ولكنها لو أعطيت حقها من التنويه والتخليد،لحق لها أن تصبح مزاراً لكل آدمي يعرف لبني نوعه نصيباً من القداسة وحظاً من الفضيلة،لأننا لا نذكر بقعة من بقاع هذه الأرض يقترن اسمها بجملة من الفضائل والمناقب أسمى وألزم لنوع الإنسان من تلك التي اقترنت باسم كربلاء،بعد مصرع الحسين فيها)ويضيف قائلاً(وهي التي تجلت في حوادث كربلاء منذ نزل ركب الحسين،وقد شاء القدر أن تكون في جانب أشرف ما يشرف به بني آدم).(1) وحتى قيل بحق هذه الأرض المقدسة (لا تقاس كربلاء بالمدن، بل بالسماوات)، ويقول خطيب المنبر الحسيني الشيخ عبد الحميد المهاجر (أن ارض كربلاء هي ارض من الجنة فهي طاهرة لوجود بها الحسين وأخوه العباس وأنصاره النجباء فنلاحظ أنها تتوسع عند الزيارات وتتسع لكل الزائرين الوافدين إليها مهما كان عددهم) وهذا ما نلاحظه في زيارة الأربعين التي بدأت بزيارات مليونية ليصل عدد الزائرين إلى(22)مليون وقيل(26) مليون في زيارة الأربعين الأخيرة وبالرغم من صغرها تستوعبهم بقدرة الله سبحانه وتعالى وإكراما لسيد الشهداء أبا عبد الله الحسين(ع)فهي أرض طاهرة مطهرة عندما يدخل إليها يزورها ويزور ضريحه يقف ويستعبر ينحني أجلالاً وهيبةٍ لهذا الإمام الجليل وفداحة ما لاقى من صنوف القهر والتعذيب والذي قال وبأعلى صوته((هيهات... هيهات...منا الذلة)) والتي أصبحت عبارة يرددها كل الثائرين والملايين في عدم الرضوخ للباطل والتي بها صحح مسار الإسلام وأصبحت عبارة يعمل بها كل ثائر ومسلم شريف في جميع العالم الإسلامي وغير الإسلامي،فطوبى لك يا أرض الطفوف التي التحفتِ جسد خير خلق الله بعد نبيه ووصيه وأمه وأخيه ومعه الثلة الخيرة البطلة معه. مع السيّدة زينب(عليها السلام) نزل الإمام الحسين(عليه السلام) أرض كربلاء، وضَرَب فسطاطه، وراح يُعدُّ سلاحه، ويصلح سيفه، مُردّداً(عليه السلام) الأبيات الآتية: يَا دَهْرُ أُفٍّ لَكَ مِن خَليلِ ** كمْ لك بالإشرَاقِ والأصيلِ من طَالبٍ وصَاحبٍ قَتيل ** والدّهْر لا يقنعُ بالبَديلِ وكُلّ حيٍّ سَالِكٌ سَبيلِ ** مَا أقرَبَ لوَعْد مِن الرّحيل وإنّما الأمرُ إلى الجَليلِ فلمّا سمعت السيّدة زينب(عليها السلام) تلك الأبيات، قالت: «يا أخي! هذا كلام مَن أيقَن بالقَتل»! فقال(عليه السلام): «نَعَمْ يا أُختَاه»، فقالت: «وَاثكْلاه، يَنعي الحُسَين إليّ نَفسَه».(2) وفي رواية أخرى وسمعته أخته زينب، فلم تقو على حنانها ووجلها، وخرجت إليه من خبائها حاسرة تُنادي: و اثكلاه! اليوم مات جدّي رسول الله، واُمّي فاطمة الزهراء، وأبي عليّ وأخي الحسن , فليت الموت أعدمني الحياة. يا حُسيناه! يا بقية الماضين وثمالة الباقين! فبكى لبكائها ولم ينثن ذرّة عن عزمه الذي بات عليه، وقال لها: ((يا اُخت , لو تُرك القطا لنام)). ولم يزل يناشدها ويعزّيها، وهو في قرارة نفسه مستقرّ كالطود على مواجهة الموت وإباء التسليم، أو النزول على حكم ابن مرجانة كما قال... ثمّ احتملها مغشيّاً عليها حتّى أدخلها الخباء.(3) "وبدأت حمى الحرب تستعر من قبل معسكر يزيد فتم تجييش جيش قوامه أربعة ألاف بقيادة عمرو بن سعد(لعنه الله) من قبل أبن زياد حيث تم تمنيته بحكم الري "واشترى من عمر بن سعد آخرته بدنياه و دعاه إلى ولاية الحرب فلباه و خرج لقتال الحسين (عليه السلام) في أربعة آلاف فارس و أتبعه ابن زياد بالعساكر لعنهم الله حتى تكملت عنده إلى ست ليال خلون من المحرم عشرون ألف فارس. فضيقوا على الحسين (عليه السلام) حتى نال منه العطش و من أصحابه"(4) والغاية الوحيدة هو قتل الحسين ومن معه وسبي ذراريه وأهل بيته ونأخذ نموذج واحد من هؤلاء المجرمين ونقيس معه الباقين وهذا المجرم هو عمرو بن سعد. عمر بن سعد: روي عن أمامنا أمير المؤمنين(ع) أنه قال بحضرة الأنصار والمهاجرين(وأشار إلى صدره): {كيف مليء علماً، لو وجدت له طالباً،سلوني قبل أن تفقدوني هذا سفط العلم، هذا لعاب رسول(ص)هذا ما زقني رسول الله(ص)زقاً فاسألوني فإن عندي علم الأولين والآخرين.أما والله لو ثنيت لي الوسادة ثم أجلست عليها لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم وبين أهل الزبور بزبورهم وبين أهل الفرقان بفرقانهم، حتى ينادي كل كتاب بأن علياً قد حكم فيَّ بحكم الله فيً}. فقام له سعد بن أبي وقاص وكان في أول من بايع أمير المؤمنين ولكنه نكث بيعته بعد فترة حاله حال الناكثين من الصحابة الباقين وسأله سؤال لا ينم عن أي منطق ولا علم فقال له(هل تستطيع عد الشعرات في رأسي) فرد عليه أمير المؤمنين(ع) {أخبرني حبيبي وأخي رسول الله(ص) أنه بين كل طاقة وطاقة من شعرك شيطان رجيم وأن سخلك في البيت سوف يقتل سخلي) أي أبنه يقتل الحسين(ع) وهذا ما يأتي به أهل البيت الذين يعلمون كل شيء}.(5) ومن هذا القبيل أطاع عمرو بن سعد أبن مرجانة في كربلاء لمطامعه الخاصة والدنيوية الحقيرة التي كانوا يأملون بها بن سعد في ولاية الري ولنعرج على اللقاء الذي جرى بين الأمام الحسين وبينه اجتماع عمر بن سعد مع الإمام الحسين(عليه السلام) اجتمع عمر بن سعد مع الإمام الحسين(عليه السلام)، وسأله عن سبب مجيئه إلى الكوفة؟ فأجابه الإمام الحسين(عليه السلام): «كتب إليّ أهل مصركم هذا أن أقدم، فأمّا إذا كرهتموني فإنّي انصرف عنكم». كتاب عمر بن سعد إلى ابن زياد أرسل عمر بن سعد كتاباً إلى ابن زياد، يقترحُ عليه فكرةً توصّل إليها مع الإمام(عليه السلام)، وهي أن يفتح المجال للإمام الحسين(عليه السلام) بالعودة وعدم مقاتلته، وهذا نصّ الكتاب: «أمّا بعد: فقد أطفأ الله النائرة، وجمع الكلمة، وأصلح أمر الأُمّة، وهذا حسين قد أعطاني أنّه يرجع إلى المكان الذي منه أتى، وأن يسير إلى ثغر من ثغور المسلمين، فيكون رجلاً من المسلمين، له ما لهم وعليه ما عليهم، أو أن يأتي أمير المؤمنين يزيد ويضع يده في يده، فيرى فيما بينه وبينه رأيه، وفي هذا رضاء الله تعالى وللأُمّة صلاح». كتاب ابن زياد إلى عمر بن سعد أرسل ابن زياد كتاباً جوابياً إلى عمر بن سعد بيد شمر بن ذي الجوشن، وقال لشمر: «فليعرض على الحسين وأصحابه النزول على حكمي، فإن فعلوا فليبعث بهم إليّ سلماً، وإن أبوا فليقاتلهم، فإن فعل عمر فاسمع له وأطع، وإن أبى أن يقاتلهم فأنتَ أمير الجيش، فاضرب عنقه، وابعث إليّ برأسه». وكان في الكتاب: «إنّي لم أبعَثْكَ إلى الحسين لِتكفّ عنه ولا لتطاوله، ولا لِتُمنيه السلامة والبقاء، ولا لتعتذرَ عنه عندي، ولا لتكون له شافعاً». اُنظر فإن نزلَ الحسين وأصحابه على حكمي واستسلموا، فابعث بهم إليّ سلماً، وأن أبوا فأرجف عليهم حتّى تقتلهم وتُمثّل بهم، فإنّهم لذلك مستحقُّون، فإن قُتِل الحسين فأوطئ الخيل صدره وظهره، فإنّه عَاقٌ ظَلوم، فإن أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع، فإنْ أبَيْتَ فاعتزل عملنا وجندنا، وخَلّ بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر، فإنّا أمرناه بأمرنا، والسلام». استلم ابن سعد الكتاب وقرأ ما فيه، وأخذ يصارع نفسَهُ بين مواجهة الإمام الحسين(عليه السلام) وقتله ـ التي يحلُم عن طريقه الحصول على السلطة والسياسة والمكانة المرموقة عند رؤسائه وقادته ـ وبين تحمُّل أوزار الجريمة، فسوّلت له نفسه أن يُرجّح السلطة والمال، وقرّر أن يقود المعركة، بمعونة شمر بن ذي الجوشن، لقتل الإمام الحسين(عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه، وقال في ذلك أبياته المعروفة: فوالله ما أدري وأنّي لواقف ** أُفكّر في أمري على خطرين أأترك ملك الرّي والرّي منيتي ** أم أرجع مأثوماً بقتل حسين ففي مثله النار التي ليس دونها ** حجاب وملك الرّي قرّة عيني فعمد ابن سعد لإجبار الحسين(عليه السلام) للاستسلام أن قطع عليه طريق الماء، ولكنّه واجه إباء الإمام وإصراره على عدم الرضوخ رغم الحشود التي تواجهه وقلّة الناصر.(6) وورد كتاب ابن زياد في الأثر إليه: أن حل بين الحسين وأصحابه وبين الماء، فلا يذوقوا منه قطرة كما صُنع بالتقيّ الزكيّ عثمان بن عفّان!! ومن خلال هذا السياق في أنه يؤكد على إصرار الحزب الأموي المجرم في محاصرة الأمام الحسين(ع) ومعسكره وقطع الماء عنه وإرهابه والتأثير للنزول عند حكم يزيد وأن كل ذلك تم التخطيط ودبر بليل من قبل يزيد وأزلامه ولا يأتي من يقول أن يزيد لم يشارك في قتل الأمام الحين وان أبن مرجانة قد فعلها...الخ هذه الخزعبلات فهو مخطط كان مرسوم بدقة وبعناية أجل الاطمئنان من تربع يزيد الفاجر بدون مشاكل أو منغصات والتاريخ كان قريباً عندما تم إحراق بيت فاطمة الزهراء(ع) وإسقاط جنينها واقتياد الأمام علي(ع) من أجل أخذ البيعة مقيداً بالحبال والتهديد من قبل عمر بقطع عنقه.وهو مسلسل كامل دموي بدأ منذ يوم السقيفة ليستمر بسفك الدم الشريف للأمام الحسين ولحد يومنا الحالي في هدر دماء الموالين وكل يوم وفي العراق وفي كل مكان تكون فيه الشيعة لأن الحزب الأموي ويزيد ومعاوية وأبو سفيان (لعنهم الله) موجودين في كل زمان ومكان. موقف عمر بن سعد فلاحظوا معي مدى صلف وكفر هذا اللعين الذي يعرف بمنزلة سبط رسول الله ولكن من أجل ملك رخيص ودنيا زائلة يقتل عترة رسول الله(ص) فأي مدى بلغ هذا الكافر اللعين الذي يعرف أن النار مثواه ويقولها في شعره وهو غليظ الطباع فج وأحمق وهو الذي ساق عقائل وحرم رسول الله بعد مقتله على طريق جثث القتلى والتي كانت مطروحة في العراء وعندما شاهدن مصارع أحبتهن صرخن وبكين أبكت كل في معسكر يزيد وهم الذين قتلوا الحسين وأهله وحتى من معسكره لاموه على هذا التصرف المجرم. وحتى أن أبن أخته حمزة بن المغيرة بن شعبة(وكان من أكبر أعوان معاوية)نصحه ألا يقبل مقاتلة الحسين،وقال له: (والله لا تخرج من دنياك ومالك وسلطان الأرض لو كان لك،خير لك من أن تلقى الله بدم الحسين).فهؤلاء لا يسمون أمراء أو ساسة بل هم عبارة عن جلادين وقتلة ومجرمين وقلوبهم مليئة بالحقد وينفذون أي أمر للذي بيده الأموال والوعود ولا يراعون أي حرام أو حلال في الله ومهمتهم القتل والذبح والتعطش لسفك الدماء ولا يبالي من الذي يسفك دمه لهذا عمل يزيد على تجنيد الجلادين والقتلة الذين لا يعرفون غير سفك الدماء لعلاج مسألة الحسين. وقد دعا عليه الحسين حيث ذكر بأنه لما استشهد علي الأكبر (عليه السلام) يوم عاشوراء، صاح الحسين (عليه السلام) بعمر بن سعد: مالك؟ قطع الله رحمك ولا بارك الله لك في أمرك وسلّط عليك من يذبحك بعدي على فراشك. ولما خرج المختار في طلب ثأر قتلة سيد الشهداء (عليه السلام) قتل عمر بن سعد وحزّ رأسه وجاء به إلى ولده حفص بن عمر بن سعد. فقال له: أتعرف هذا الراس؟ قال: نعم، ولا خير في العيش بعده. فقال له المختار: إنك لا تعيش بعده وأمر بقتله وقطع رأسه.(7) فبعث ابن سعد في الوقت عمرو بن الحجّاج في خمسمائة فارس فنزلوا على الشريعة وحالوا بين الحسين وأصحابه أن يستقوا منه، وذلك قبل قتل الحسين عليه السلام بثلاثة أيام.(8) وأضر العطش بالحسين وأصحابه، فأخذ الحسين عليه السلام فأسا وجاء إلى وراء خيمة النساء فخطا في الارض تسع عشر خطوة نحو القبلة ثم حفر هناك، فنبعت له عين من الماء العذب، فشرب الحسين عليه السلام وشرب الناس بأجمعهم، وملاوا أسقيتهم، ثم غارت العين، فلم ير لها أثر، قال حميد: ولما اشتد على الحسين وأصحابه العطش، وبلغ ذلك ابن زياد دعا العباس بن علي بن أبي طالب أخاه فبعثه في ثلاثين فارسا وعشرين راجلا، وبعث معهم بعشرين قربة، فجاءوا حتى دنوا من الماء ليلا، واستقدم أمامهم باللواء نافع بن هلال الجملي فقال عمروبن الحجاج الزبيدي: من الرجل؟فجيء فقال: ما جاء بك؟قال: جئنا نشرب من هذا الماء الذي حلأتمونا (9)عنه، قال: فاشرب هنيئا، قال: لا والله لا أشرب منه قطرة وحسين عطشان ومن ترى من أصحابه فطلعوا عليه، فقال: لا سبيل إلى سقي هؤلاء إنما وُضِعنا بهذا المكان لنمنعهم الماء، فلما دنا منه أصحابه قال لرجاله: املئوا قِرَبكم فشدَّ الرجَّالة فملئوا قِرَبهم، وثار إليهم عمرو بن الحجاج وأصحابه فحمل عليهم العباس بن علي ونافع بن هلال فكفَوْهم ثم انصرفوا إلى رِحالهم وجاء أصحاب حسين بالقِرب فأدخلوها عليه.(10) قال أبو مخنف: حدثني أبو جناب عن هانئ بن ثبيت الحضرمي وكان قد شهد قتل الحسين قال: بعث الحسين (عليه السلام) إلى عمر بن سعد عمرو بن قرظة بن كعب الأنصاري: أن الْقَني الليل بين عسكري وعسكرك. فخرج عمر بن سعد في نحو من عشرين فارسا وأقبل حسين في مثل ذلك، فلما التقوا أمر حسين أصحابه أن يتنحوا عنه وأمر عمر بن سعد أصحابه بمثل ذلك. قال: فانكشفنا عنهما بحيث لا نسمع أصواتهما ولا كلامهما، فتكلما فأطالا حتى ذهب من الليل هزيع، ثم انصرف كل واحد منهما إلى عسكره بأصحابه وتحدث الناس فيما بينهما ظنا يظنونه أن حسينا قال لعمر بن سعد: اخرج معي إلى يزيد بن معاوية وندع العسكرين قال عمر: إذن تهدم داري، قال: أنا أبنيها لك، قال: إذن تؤخذ ضياعي، قال: إذن أعطيك خيرا منها من مالي بالحجاز. قال: فتكره ذلك عمر، قال: فتحدث الناس بذلك وشاع فيهم من غير أن يكونوا سمعوا من ذلك شيئا ولا علموه. مالك ذبحك الله على فراشك عاجلاً ولا غفر لك يوم حشرك، والله إني لأرجوا أن لا تأكل من بر العراق إلاّ يسيراً، فقال إبن سعد: في الشعير كفاية ـ مستهزئاً بذلك ـ قال أبومخنف: وأما ما حدثنا به المجالد بن سعيد والصقعب بن زهير الأزدي وغيرهما من المحدثين فهوما عليه جماعة المحدثين قالوا: إنه قال: اختاروا مني خصالا ثلاثا: إما أن أرجع إلى المكان الذي أقبلت منه، وإما أن أضع يدي في يد يزيد بن معاوية فيرى فيما بيني وبينه رأيه، وإما أن تسيروني إلى أي ثغر من ثغور المسلمين شئتم فأكون رجلا من أهله، لي ما لهم وعلي ما عليهم. قال أبومخنف: فأما عبد الرحمن بن جندب فحدثني: " عن عقبة بن سمعان قال: صحبت حسينا فخرجت معه من المدينة إلى مكة ومن مكة إلى العراق ولم أفارقه حتى قتل، وليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة ولا بمكة ولا في الطريق ولا بالعراق ولا في عسكر إلى يوم مقتله إلا وقد سمعتها. لا والله ما أعطاهم ما يتذاكر الناس وما يزعمون من أن يضع يده في يد يزيد بن معاوية ولا أن يسيروه إلى ثغر من ثغور المسلمين ولكنه قال: دعوني فلأذهب في هذه الأرض العريضة حتى ننظر ما يصير أمر الناس".(11) ودعوى أن الحسين (عليه السلام) قال ـ كما في رسالة عمر بن سعد الى عبيد الله بن زياد ـ بأن يأتي أمير المؤمنين يزيد فيضع يده في يده.. هذه الدعوى مردودة. قال سبط بن الجوزي: ((وقد وقع في بعض النسخ أن الحسين (عليه السلام) قال لعمر بن سعد دعوني أمضي إلى المدينة أو إلى يزيد فادع يدي في يده، ولا يصح ذلك عنه، فان عقبة بن سمعان قال: صحبت الحسين من المدينة إلى العراق ولم أزل معه إلى أن قتل، والله ما سمعته قال ذلك)). انتهى.(12) وقال ابن كثير: ((روى ابو مخنف عن عبد الرحمن بن جندب عن عقبة بن سمعان قال: لقد صحبت الحسين من مكة إلى حين قتل، والله ما من كلمة قالها في موطن إلا وقد سمعتها، وإنه لم يسأل (من القوم) أن يذهب إلى يزيد فيضع يده إلى يده، ولا أن يذهب إلى ثغر من الثغور، ولكن طلب منهم أحد أمرين: إما أن يرجع من حيث جاء، وإما أن يدعوه يذهب في الأرض العريضة حتى ينظر ما يصير أمر الناس إليه؟!)).(13) هذه النصوص تنفي دعوى طلب الحسين (عليه السلام) الذهاب الى يزيد وان يضع يده بيده أو يبايعه ويقر بخلافته.. فهذه الدعوى لم يصدقها مفكري أهل السنة فضلاً عن علماء الشيعة وفضلاءهم، قال عباس محمود العقاد: "تلقى ابن زياد من عمر بن سعد كتاباً يقول فيه إن الحسين أعطاني أن يرجع إلى المكان الذي أقبل منه أو أن نسيره إلى أي ثغر من الثغور شئنا، أو أن يأتي يزيد فيضع يده في يده.." قال العقاد: والذي نراه نحن من مراجعة الحوادث والأسانيد أن الحسين ربما اقترح الذهاب إلى يزيد ليرى رأيه، ولكنه لم يعدهم أن يبايعه أو يضع يده في يده.. لأنه لو قيل ذلك لبايع في مكانه واستطاع عمر بن سعد أن يذهب به إلى وجهته، ولأن أصحاب الحسين في خروجه إلى العراق قد نفوا ما جاء في ذلك الكتاب منهم عقبة بن سمعان)).(14) وقال خالد محمد خالد: "... وعاد الحوار بين (الامام الحسين) وعمر بن سعد، فاستمسك (الحسين) بموقفه في رفض مبايعة يزيد. يقول (عقبة بن سمعان) وهو أحد اثنين من أصحاب (الحسين) خلصا من المعركة: (صحبت الحسين) من المدينة إلى مكة، ومن مكة إلى العراق.. وسمعت جميع أحاديثه حتى يوم مقتله.. فوالله ما زاد على أن قال لهم: دعوني أرجع إلى البلد الذي أقبلت منه، أو دعوني أذهب في هذه الأرض العريضة، حتى ننظر ما يصير اليه أمر الناس.. فلم يفعلوا))!! يقول خالد محمد خالد: ((هو إذن، لم يعرض كما تزعم بعض الروايات الدخيلة أن يذهبوا به إلى يزيد فيضع يده في يده.. هذا تحريف واضح.. وإلا ففيم إذن كان امتناعه عن أن يقول بلسانه: بايعت يزيد، فينفض جيش ابن زياد، وينتهي كل شي.. ؟!)). (انتهى)(15) أذن نستنتج أن الدعوى التي تقول أن الحسين (عليه السلام) تراجع عن خروجه وأنه كان يريد مبايعة يزيد قبل استشهاده، فهذه من أحلام اليقظة لا يؤيدها عقل ولا نقل. بل الثابت ان الحسين (عليه السلام) كان يعلم بمصيره ومصير اخوته وعياله منذ اللحظة الاولى لخروجه، بل كان أمر استشهاده في كربلاء أمراً معلوماً محفوظاً عند أهل البيت (عليهم السلام) أخبره جبرئيل للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأخبر به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة وعليّاً (عليهما السلام)، وصرّح به الامام الحسين (عليه السلام) قبل توجهه الى كربلاء، حيث قال: ((كأنّي أنظر إلى أوصالي عبراً عفراً تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء)).(16)والمصادر التي وثقناها هي تثبت صحة كلامنا ومن مصادر أهل السنة والجماعة. ونرجع إلى معسكر الحسين الإحداث التي تحدث فيه من منع الماء عنه وعن عياله وأهل بيته وأصحابه حيث ورد في الرواية: "أخبرني أبو الحسن محمد بن هارون عن أبيه عن أبى علي محمد بن همام عن أحمد بن الحسين المعروف بابن أبي القاسم عن أبيه عن الحسن بن علي عن محمد بن سنان عن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله لما منع الحسين و أصحابه من الماء نادى فيهم: من كان ظمآن فليجئ فأتاه أصحابه رجلا رجلا فجعل ابهامه في فم واحد فلم يزل يشرب الرجل بعد الرجل حتى ارتووا كلهم فقال بعضهم: والله لقد شربنا شرابا ما شربه أحد من العالمين في دار الدنيا، ولما عزموا على القتال في الغد أقعدهم الحسين عند المغرب رجلا رجلا يسميهم بأسمائهم وأسماء آبائهم ودعا بمائدة فأطعمهم وأكل معهم وتلك من طعام الجنة وسقاهم من شرابها. وفى المعدن عن كتاب أنساب النواصب، عن كتاب فتوحات القدس ما مضمونه: إن الحسين عليه السلام لما اشتد به العطش جاءه رجل سياح ومعه آنية من الخشب مملؤة من الماء، فناوله إياها فأخذها الحسين عليه السلام من يده وصبه على الارض وقال: (أيها السياح أتزعم أنا لا نقدر على الماء، انظر. فلما نظر رأى أنهارا جارية، فملا الحسين عليه السلام آنيته من الحصى وناوله إياها، فإذا الحصى قد انقلبت بالجواهر الفريدة)".(17) وكل هذه الأحداث حدثت في السابع من محرم ولنتوقف عند هذا الحد ولنكمل ماحدث في الأيام القادمة من واقعة الطف أن شاء الله إن كان لنا في العمر بقية. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المصادر: 1 ـ كتاب الحُسَين (ع) أبو الشّهداء عبّاس محمود العقّاد منشورات الشّريف الرّضي. شبكة الأمامين الحسنين. الطبعة الثانية ص130. 2 ـ اللهوف في قتلى الطفوف: 49. 3 ـ كتاب الحُسَين (ع) أبو الشّهداء عبّاس محمود العقّاد منشورات الشّريف الرّضي. شبكة الأمامين الحسنين. الطبعة الثانية ص 135. 4 ـ اللهوف في قتلى الطفوف: ص 85. 5 ـ الإرشاد: ص 156، الاحتجاج: ص 132 واللفظ له. بحار الأنوار: 44 باب 31: ماأخبر به الرسول وأمير المؤمنين والحسين صلوات الله عليهم بشهادته صلوات الله عليه ص 258. شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد: 2/286. 6ـ روضة الواعظين: 182. ثمرة الأعواد: 192 ; مرآة الجنان لليافي: 1 / 134 ; كشف الغمة: 2. نهضة الحسين (عليه السلام) تأليف السيّد هبة الدين الحسيني الشهرستاني ص 114. 7 ـ مستدرك سفينة البحار 6: 56. كتاب اسمه (جزاء قتلة سيد الشهداء (عليه السلام) في دار الدنيا)، لمؤلفه السيد هاشم الناجي الموسوي 8 ـ كتاب أعلام الهدى بأعلام الورى ص 452. 9 ـ يقال:حلأه عن الماء أي طرده ومنعه منه. 10 - الفتوح 5: 102، تأريخ الطبري 3: 313، اللهوف: 38، العوالم 17: 239، اخبار الطوال 255، واقعة الطف: 191. 11 ـ مقتل الحسين للمقرّم ص289، ومقتل الخوارزمي ج2، ص8. وروى الطبري ج4 ص 313: 12 ـ في تذكرة الخواص: 317. 13 ـ في البداية والنهاية 175:8. 14 ـ في (المجموعة الكاملة العبقريات الاسلامية) ج2 ص220 ط دار الكتاب اللبناني بيروت. 15 ـ في كتاب لخالد محمد خالد (أبناء الرسول في كربلاء)، ص111. 16 ـ (معارج الوصول الى معرفة آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) للزرندي الشافعي: 94). 17ـ الدمعة الساكبة 4: 344. كتاب:موسوعة كلمات الإمام الحسين عليه السلام المؤلف: الشيخ محمود الشريفي معهد تحقيقات باقر العلوم عليه السلام - منظمة الإعلام الإسلامي.ص 385.
أقرأ ايضاً
- حجية التسجيلات الصوتية في الإثبات الجنائي
- الآن وقد وقفنا على حدود الوطن !!
- الآثار المترتبة على العنف الاسري