حجم النص
عبدالزهرة الطالقاني يمكن ان نصف ما حدث في الساعة الثانية والنصف من ظهر يوم الاثنين الموافق في الحادي عشر من آب 2014 بأنه قتل سياسي بإمتياز للسيد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.. ولعل الذي أسهم بهذا القتل الائتلاف الوطني نفسه، بإشتراك أشخاص من كتلة دولة القانون.. إن هذا القتل السياسي لا يتمثل بتكليف رئيس الجمهورية السيد فؤاد معصوم السيد حيدر العبادي بمهام رئيس الوزراء الجديد فحسب.. بل تجاهل السيد المالكي بصفته واحداً من كبار القادة،السياسيين العراقيين الذين قادوا المرحلة الصعبة بعد عام 2003.. بل ان المالكي أكبرهم على الاطلاق، فلم يستطع أي من السياسيين الظاهرين في الساحة الآن اوالذين اختفوا الحصول على رضا الشارع العراقي في دورتين إنتخابيتين متعاقبتين، عندما حصل على (625) ألف صوت في انتخابات عام 2010، وحصل على حوالي (750) ألف صوت خلال انتخابات عام 2014، وهذا لم يحصل عليه أي من المرشحين الاخرين.. ان ابعاد المالكي بهذه الطريقة غير اللائقة، وتحميله كل الاخفاقات التي حصلت في السابق، والاتفاق بين الكتل (المفترقة) اصلا على عدم حصول المالكي على ولاية ثالثة، هو خذلان سياسي لشخصية عراقية، سيبقى التاريخ يتذكره على أنه قاد العراق في فترة صعبة جداً، وسط صراعات سياسية كادت تطيح بالعملية السياسية.. لقد بدأ التحزب ضد دولة القانون التي يتزعمها المالكي في انتخابات مجالس المحافظات عندما تآلف الاخوة الأعداء في ابعاد مرشح دولة القانون وتولي منصب محافظ بغداد، وكذلك حدث هذا في البصرة وديالى، لقد اتفق الجميع على ان خصمهم الوحيد هو المالكي الذي حاز على الاصوات الأكثر، والرضا الأكبر، في الشارع العراقي المالكي الذي حاول الجميع أن يخرجوه صفر اليدين، متناسين أن حياة الكثيرين منهم مرهونة بوجوده، وان شوارع بغداد كانت تخلو من المواطنين في الساعة الرابعة عصراً، حيث تتوقف الحياة تماماً ويصبح من الخطورة خروج الناس حتى للحالات الضرورية بسبب تردي الوضع الأمني في السنوات (2005-2006-2007) وقد توج ذلك بالفتنة الطائفية التي إفتعلتها عناصر القاعدة والميليشيات المتطرفة، ونصب السيطرات الوهمية لقتل الناس على الهوية، إضافة إلى انتشار الاغتيال بالكاتم لكثير من موظفي الدولة، والاطباء واساتذة الجامعات في قضايا سجلت ضد مجهول، واليوم الناس تتنزه في شوارع بغداد حتى منتصف الليل، وترتاد المطاعم السياحية والمولات للتسوق حتى ساعات متأخرة من الليل، ولولا منع التجوال لبقي الناس حتى الصباح.. هذا لم يحدث فجأة، ولم يكن هدنة لقوى الشر في تعكير صفو الأمن، بل هو شاهد حي على منجز أمني كبير، تمثل في معارك خاضها الجيش العراقي في الرمادي والفلوجة والنجف وكربلاء وصلاح الدين والموصل والبصرة، وقطع رؤوس الارهاب، وتحجيم الداعمين له من السياسيين، وقد اخذت الجهود الأمنية جل خطط الحكومة، ما أثر بشكل مباشر على الخدمات والبناء والتنمية والتطور في المجالات كافة. ما هكذا يكافأ المالكي، الرجل خسر المنصب وكان يستحقه دستورياً، وقانونياً، لقد حاربه الجميع لأنه نجح، وهؤلاء قطعاً أعداء النجاح، اليوم نستطيع أن نكتب عن المالكي ونحن مرتاحي الضمير، فهو الان ليس ذا منصب، وذكر محاسنه لا يعتبر تملقاً سياسيا كما لو حصل هذا أيام توليه لرئاسة الوزراء، ليس من السهل ظهور قادة تأريخيين، والمالكي منهم، الا ان المحيطين به خذلوه، وخصومه السياسيون نجحوا في اغتياله سياسيا.. وربما فشل هو في ادارة اللعبة، كما فعل في حالات كثيرة أشرت عليه، منها عدم كسب ود خصومه وضعف وزارتيه الاولى والثانية، في تقديم شيء ملموس يمكن أن يعتز به المواطن.. واذا ما قورن المالكي بالزعيم الخالد عبد الكريم قاسم، فأن كثيراً من التشابه في الشخصيتين، وفي المرحلتين، مع اختلاف الظروف، فلا شك بنزاهته، وهو لا يطلب السلطة لنفسه، بل لخدمة بلده، واصراره عليها لا لنزعة شخصية، بل استجابة للجمهور الذي اعطاه اصواته ووضع ثقته به.. إلا ان المالكي ما زال حياً، وربما يستلم منصباً رفيعاً في الحكومة أو البرلمان، قد يستطيع من خلاله اكمال مشواره السياسي، وتحقيق التوازن لخدمة شعبه الذي وجد فيه بطلاً قومياً بإمتياز.
أقرأ ايضاً
- صفقات القرون في زمن الانحطاط السياسي
- ثورة الحسين (ع) في كربلاء.. ابعادها الدينية والسياسية والانسانية والاعلامية والقيادة والتضحية والفداء والخلود
- ظاهرة الحج السياسي