حجم النص
بقلم: عباس عبد الرزاق الصباغ العمليات العسكرية في الانبارالتي تخوضها قواتنا الأمنية والعسكرية ضد التنظيمات الإرهابية من داعش واخواتها ومثيلاتها والارتياح الشعبي العام (فضلا عن التكاتف والتلاحم الجماهيري) مع الانتصارات التي تحققها تلك القوات، فتحت الباب مُشرعا لاستعادة هيبة الدولة العراقية.. الدولة بوجهها المدني والحضري وليس بوجهها البوليسي التوتاليتاري المتوحش فقدرسخت الانظمة المتعاقبة فكرة مشوهة ومتوحشة عن الدولة وهيبتها متخذة الطابع البوليسي المتسلطوالنموذج البسماركي المتشدد وفياقسىأنساقهوأبشع آلياته وأفظعأدواته، لذا اعتاد الكثير من العراقيينـ بعد التغييرـ ان يصفوا بعض مكامن الخلل او التراخي في بعض مفاصل الدولة وهياكل السلطات الحكومية خاصة التنفيذية منها بعبارة (ماكو حكومة) اي لاتوجد حكومة بالمعنى الحرفي الاجرائي لهذه العبارة التي تعبر عن خيبة امل بقدر ماهي اشارة واضحة الى ترابط فكرة هيبة الدولة بالقوة والاستبداد والوحشية، والى ضعف سيطرة أجهزة الدولة وتخلخل بسط هيمنتها على الكثير من مقاليد الأمور. وترسيخ فكرة الدولة المدنية وهيبتها مسالة تحتاج الى وقت ليس بالقصير خاصة وان العراق قد خرج من ربقة اعتى الديكتاتوريات الشمولية واختلطت الكثير من المفاهيم والممارسات لدى البعض فاشتبكت تلك المفاهيم والممارسات مع ماترسخ في المخيال الجمعي العراقي ومع ما استجد من وقائع وتشابكت الصور مابين التصور المفضي الى وحشية الدولة (وحش ستاليني كاسر) والى ضبابية قوة الدولة، فتشيأت فكرة مشوشة عن ماهية الدولة نفسها وعن هيبتها المفترضة، ولكن هذه الصورة الضبابية بدأت تتوضح شيئا فشيئا طيلة السنوات العشر الماضية رغم الاخطاء والسلبيات التي رافقت التأسيس الدولتي الاخير 2003والاخطاء الاجرائية للعملية السياسيةوذلك باتجاه الدولة المدنية وهيبتها الدستورية والقانونية وهي مسالة قد تبدو منطقية في مراحل المنعطفات الحادة والحرجة والانتقالية وهذا ماحصل ويحصل في المشهد السيا/سيوسولوجي العراقي ذي المنعطف التاريخي الوعر، فاستعادت الدولة العراقية جزءا من هيبتها وسطوتها في تحقيق الأمن وفرض القانون وصولا الى تطهير كافة التراب الوطني من الإرهاب وحواضنه ورواسبه و"تنظيف" المشهد العراقي من تداعيات الضعف الدولتي الذي افضى الى نشوء المليشيات الخارجة عن القانون والحركات التي أساءت استثمار الديمقراطية الناشئة والتي بدورها تشكل أشواكا في خاصرة الدولة مستغلة بطنها "الرخوة"والفراغ الأمني المؤسساتي بسبب حل الجيش السابق ووقوع العراق في منطقة تجاذبات إقليمية ذات توجهات سيا / طائفية جعلت من الساحة العراقية ساحة لتصفية حسابات دولية وإقليميةمع وجود حواضن محلية ساهمت في ذلك المسعى،ولكن وبعد ماجرى في الانبار ورغم ان المعركة لم تُحسم بعد ورغم شراسة وحساسية هذه المعركة وحروب التسقيطات الإعلامية ضد الحكومة في مسعاها سواء الإقليمية منها او المحلية، هذا فان النظرة تجاه الدولة العراقية اضحتمعاكسة ومختلفة عن السابق وتغيرت السايكلوجية العراقية التي رسخ في مخيلتها (ماكو حكومة) بل ان هنالك حكومة فاعلة وأمامها مشوار ليس بالقصير او السهل في معاركها المقبلة مع الارهاب والفساد الإداري والمالي واستغلال ثغرات الضعف الدولتي والقفز على القانون والدستور وحتى الأعراف الاجتماعية والتشريعات الدينية. واستعادت الدولة العراقية هيبتها على المستويين الاقليمي والدولي وبدأت صورة العراق تتغير عما كان تُوصف وتُصنف طيلة السنوات المنصرمةعلى انها دولة فاشلة ودولة عميقةلأسباب عديدة منها طبيعة الحكومة العراقية المنتخبة وفق آليات ديمقراطية لم تألفها حكومات وشعوب الشرق الاوسط اذ لم تحظ بمقبولية جيوسياسية إقليميةمريحة يضاف اليها جيوب محلية مناوئة للعملية السياسية والعراق الجديدولهذا واجه العراق تحديات كثيرة وخطيرة منها الأمنية والاقتصادية والاستثمارية والاعلامية وغيرها الكثيرفضلا عن طبيعة العملية السياسية نفسها والتي تأسست على المحاصصة والتوافق الجهوي واستشراء الفساد المالي والإداري في اكثر مفاصل الدولة وتزعزع ملف الخدمات والبنى التحتية ما اعطى صورة ضبابية وشائكة للمشهد السياسي العراقي وهذه الصورة ايضا بدأت بالتلاشي والاضمحلال لان الدولة العراقية بدأت بسحب البساط من تحت جميع "القوى" التي تهدد الامن الوطني والامن القومي والمجتمعي العراقي وتريد تفتيت النسيج المجتمعي العراقي وتجزيء العراق الى كانتونات طائفية وقومية تمهيدا لابتلاعه، ومشوار الالف ميل لتحقيق هيبة الدولة قد بدأ وهذا ما يفسر كثافة التعاطف الاقليمي والدولي مع العراق في معركة الحسم مع الارهاب . إعلامي وكاتب مستقل [email protected]
أقرأ ايضاً
- لماذا أدعو إلى إصلاح التعليم العالي؟ ..اصلاح التعليم العالي الطريق السليم لاصلاح الدولة
- إضحك مع الدولة العميقة
- العراق.. "أثر الفراشة" في إدارة الدولة