حجم النص
بقلم:د.محمد الفيحان كم عظيم هذا الحسين الذي تزحف اليه ملاين الناس من كل فج عميق بلا تعبئة سياسية وبلا مغريات او مطامع او اجندات.تزحف شامخة بهتافها المعهود ونشيدها الابدي (لبيك يا حسين) هذه الـ (لبيك) التي يحلم بها كل طغاة العصور وزعماء ورؤساء البلدان وينفقون من اجلها ثروات الشعوب بلا طائل ويعشقون الكراسي ويتشبثون بها حد الموت ولكنهم محرومون من صدقيتها وعفويتها وانتمائها للحق والحقيقة.فيموتون ويقبرون ومعهم تموت السلطة والزعامة وتقبر (لبيك) الهتاف الكاذب والاقنعة الزائفة كما قبرت (لبيك ياصدام) معه في مزبلة التاريخ. رجل واحد ملأ الدنيا وشغل الكون بصوته السرمدي الذي لا ينتهي ابدا لانه صوت الحياة وصوت الحرية وصوت الحق وصوت الكرامة الانسانية وصوت الفقراء وهم يهتفون منذ اكثر من الف وثلاثمائة وخمسين عاما وحتى اليوم (لبيك ياحسين) وسيبقى هذا النداء شاهقا بالسماء مضيئا كالنجوم لايأفل ابدا بل يزداد توهجا والقا. لقد كانت ركضة طوريج هذا العام وهي واحدة من اروع وافجع وابهى الفعاليات الشعبية في التعبير عن الوفاء والولاء والانتماء لمنهج الامام الحسين بالتحرر والاصلاح وبناء وحدة الامة وفي محاربة ومقارعة المستبدين والمفسدين للدفاع عن المظلومين والمحرومين..كانت هذا العام متميزة بكثافة وزخم الحشود البشرية المشاركة فيها وحسن تنظيمها واخلاصها لله وللحسين.فلم ترفع فيها صور وشعارات سياسية وحزبية عدا الهتافات والرايات والاعلام الحسينية الخالصة يتوسطها علم العراق الحبيب مجسدا قوة العلاقة الحميمة بين الدم الحسيني والدم العراقي فهما نسيج واحد من الفداء والتضحية.المشاركون في الركضة كانوا من المسلمين والمسيحين والصابئة..من الشيعة والسنة والاكراد والتركمان..من العراق وباكستان وايران والهند وبريطانيا وامريكا ودول الخليج العربي وغيرها الكثير من بلدان العالم..معظم المشاركين كانوا من الشباب تعبيرا عن حيوية وشبابية وتجدد ثورة الامام الخالد ونهضته المباركة..القوات الامنية في الجيش والشرطة كانوا باروع حالات الاداء الوطني والانساني وهم يقومون بواجبهم الامني والخدمي..نأمل ان نرى هذا الاداء سائدا في تعاملهم مع المتظاهرين السلميين المطالبين بحقوقهم المشروعة وبالاصلاح السياسي في البلاد.خاصة وان ركضة طوريج في واحدة من اهدافها هي المطالبة بالحقوق والاصلاح تحت خيمة الحسين الكبرى وخلف رايته العالية. الاجواء الروحية والايمانية وما فرضته فاجعة المصاب الجلل من مظاهر الحزن والمأساة والعزاء والبكاء اضفت على ركضة طوريج هالة من القداسة والتطهير الروحي جعلتها ترتفع الى مستوى ومصاف الاعمال العظيمة والانجازات التاريخية الكبرى للشعوب والامم الحية المتحضرة ,وهي تحتفل برموزها العظام.. واقول جازما ان الظواهري والبغدادي ومن لف لفهم من تنظيم القاعدة الارهابي ومعهم كل الحاقدين والمناوئين لو حضروا مرة واحدة وشاركو بنية صادقة وحسنة في هذه الركضة الحسينية التي قل مثيلها في العالم لغيروا قناعاتهم المشبوهة في الحسين ولأدركوا عظمة سبط الرسول في الارض والسماء ولعرفوا حجمهم وكم هم مخطئين ومنحرفين عن المنهج الاسلامي الصحيح ولتركوا طريق العنف والارهاب ولجنحوا الى السلم والسلام. وكم كنت وما زلت ادعو سياسيينا في الحكومة والبرلمان للمشاركة في هذه الركضة المليونية ولكن بشرط ان يكونوا مع الناس وفي وسطهم وبلا حمايات تحوطهم من كل جانب ليدركوا كم هي المسافة بعيدة بينهم وبين الشعب وبينهم وبين الحسين.. فشعار(لبيك ياحسين) عندما ينطلق وسط الجموع المليونية الحاشدة مع الفقراء بكل اصنافهم واشكالهم وفي حضرة الحسين ليس هو نفسه الذي ينطلق في المكاتب الحزبية والحكومية او يكتب على الجدران بلا فاعلية..لو شارك السياسيون الكبار والصغار بهذه الركضة مجردين من كل الالقاب والمناصب والامتيازات لعرفوا حقا ان التضحية من اجل الاخرين ومن اجل الدين هي الطريق الامثل للنضال والجهاد والبقاء الخالد ولأدركوا ان الايمان بالحسين هو تطهير روحي من الشوائب والادران والمصالح الدنيوية قبل كل شىء..فالحسين دعامة من دعامات السماء في الارض وركيزة من ركائز الوجود الانساني والحق الالهي وسارية للعدل والحرية والتغيير يلتف حولها الثوار والاحرار والفقراء في كل زمان ومكان ولولا الحسين لما استقام هذا الكون واعتدلا..ولولا تضحيات الحسين ودماء الحسين الطاهرة لكان معظم الناس عبيدا لايعرفون للحرية طعما ولكان معظم الحكام طغاة وسلاطين مستبدين على الارض لايعرفون للرحمة دربا.
أقرأ ايضاً
- شعار يا حسين في ركضة طويريج... صرخة المظلوم بوجه الظالم
- الإعداد الروحي.. سَعي الإنسان وكدحه في إعداده روحياً ـ الجزء الرابع عشر والاخير
- الإعداد الروحي.. الأخلاق وأثرها في الجانب الروحي ـ الجزء الثالث عشر