- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
ماذا نريد لجامعاتنا وأكاديمينا؟
حجم النص
أ.د.عبد الرزاق عبد الجليل العيسى المستشار الثقافي العراقي – المملكة الأردنية الهاشمية تعدّ الجامعات العقول النوعية للبلدان والوجه الاستثماري الأمثل للشّباب باعتبارهم المحرّك والدّافع الرّئيسيّ للعملية التّنمويّة ووسيلة التّنمية وغايتها، ومن المهمّ استمراريّة الاستثمار فيهم حتى يظلّ الشّباب على درجة عالية من الإبداع والتّميز،ولا ينحصر دورهم داخل الجامعة والمؤسسات التّعليميّة فحسب، وإنما يمتدّ دورهم الإيجابيّ المأمول في ميادين العمل كلّها ومجالات الحياة العلمية كافّة، ليتمكّنوا من المشاركة في صنع القرار لبناء المستقبل الأفضل لهم وللأجيال القادمة؛لذا فإنّ المطلوب من جامعاتنا أن تواكب التّطور والتّغيير والإصلاح،وأن تمارس دورها الأكاديميّ بجديّة وموضوعيّة وحريّة بعيداً عن الحزبيّة والمناطقيّة والجهويّة والعشائريّة أو أيّ نوع من أنواع التّكتلات الفئويّة. فالجامعات المتقدّمة والمعروفة عالميّاً تحتضن العلماء والمفكّرين والمبدعين من الأكاديميين ممّن يتمتّعوا بأجواء ومناخ ديمقراطيّ حرّ محصّن بالتّقاليد والقيم الجامعيّة،ولديهم حرية البحث العلميّ وكافة الحقوق الإنسانيّة التي تكفل لهم الحرية الفكريّة ونشر البحوث مع الحفاظ على مصداقيتها وصحة نتائجها،وأن لا يعيش الأكاديميّ الباحث في دائرة ضيّقة مُخطّط لها من القسم أو من الكلية او الجامعة ضمن محدّدات معيّنة تتناغم مع مؤشرات لا يمكن الخروج عنها. يجب أن يكون الاكاديمي الباحث حرّاً في منهجه وتجاربه وتحليله،ولابدّ أن تكون له الموهبة والملكة والقدرة والإمكانيّة ليحلّل ما يقرأ تحليلاً نقديّاًً بعيداً عن الضّغوط والمؤثّرات الخارجيّة،ومن المؤسف أنّ البحث العلميّ في جامعاتنا لا بل حتى في جامعات الوطن العربي ومعظم الدول النّامية ظلّ يراوح في مكانها من دون إبداع أو ابتكار وهذا ما تؤكده الإعلانات عن براءات الاختراع لدول العالم لغاية عام 2013م. إذ لم نجد للعراق ولجامعاته ومراكزه البحثيّة مكاناً بين تلك الدّول نتيجة لاجترار المواضيع البحثية وإعادة وتكرار ما كان مطروقاً سابقاً وعدم توظيف البحث العلميّ الحيوي ليكون أداةً لحلّ المشاكل الوطنيّة أو الافادة من استثمار البيئة والموارد الوطنيّة لجعلها بيئة بحثية على الرّغم من مؤشرات وبرامج وزارة التّعليم العالي ودعمها لمثل هذه المشاريع.وقد أشارت منظمة العالم لمشاريع الذّكاء(World Intellectual Property Organization,WIPO) في تقريرها الّسّنويّ لعام 2011م لعدد براءات الاختراع في البلدان العربيّة،التي لم نجد العراق بينها،وجاءت وفق الآتي: السعّودية العربية 147 الإمارات العربية المتحدة 39 مصر 33 المغرب 13 تونس 8 سوريا 5 الجزائر والكويت 4 الأردن ولبنان 1 وعند مقارنة أعداد براءات الاختراع أعلاه ولكافة الدول العربية مع ما سجّلت في بعض بلدان العالم في عام 2011م نجدها لا تساوي شيئاً،ضئيلة جدا بالرغم من الامكانيات المادية والبشرية لمعظم الدول العربية، وكما نلاحظه في الآتي: الدّول العربية جميعها 1087 الولايات المتحدة الأمريكية 2500000 اليابان 849467 كوريا الجنوبية 97956 فنلندا 17661 ولعل ما يمكن تعليل اسباب هذا التراجع،وما يؤسف له، هو تعرض الأكاديميّ المبدع وكذلك الباحث العلميّ للاضطهاد ومحاولات لإيقاف مسيرة الإصلاح والنّجاح والإبداع والتّميّز. اذ أنّ كمائن الشّدّ العكسيّ في الجامعات ظاهرة يجب الوقوف عندها ؛لأنّها لا تريد لأحد أن يعمل أو ينجز أو يتحرّك،و إنّما تريد أن يبقى الحال على ما هو عليه من تأخّر وتقصير، ولدينا أمثلة من ميادين كثيرة القطاعات، وبعض هؤلاء استمرأوا الكسل والغشّ والكلام الفارغ المعنى مع وضع العصي في الدّواليب النّشطة العاملة،ومعظم هؤلاء المعرقلين ليس لديهم إمكانيّات وأدوات وملكات التّطلّع والتّفكير والنّظر لدائرة لا يتجاوز قطرها متر واحد. لذا على الأكاديميّ الذي يشعر بالنّجاح أن يمضي وينفّذ خططه وأهدافه و قناعاته،ولا يرضخ لابتزاز آراء لا تقدّم ولا تؤخّر،وأن لا يقيم وزناً للعوائق والمصاعب، وأن لا يقف عند ذهنيّات مريضة وآراء ضيقة.والنّاجح من لايذعن او يستجب أو يلين عزمه وربما سيدفع بسبب نجاحه ثمنا غاليا لان نشاطه ونجاحه يعري كثيرين من المدعين. وهناك الكثير ممن قاوموا التّحدّيات ومضوا في مسيرتهم لايلوون على شيء على الرّغم من أنّهم دفعوا ثمن نجاحهم غالياً. وما يؤسف له أنّ هذه الظّاهرة لا تقتصر على الأكاديميين والباحثين، وإنما شملت المسؤول النّاجح سواء كان وزيراً أم رئيس جامعة أم مديراً أم مصلحاً أم عاملاً ماهراً ليلقى هجمة شرسة لأنّه أبدع، وعمل بكلّ جد ومهنيّة وإخلاص في وزارته أو جامعته، وقدّم أفكاراً علميّة وعملّية واستراتيجيات تنتج وتفتح آفاقاً جديدة وإبداعيّة ومتطوّرة تتناغم مع الأهداف الحقيقة للمؤسسة وتسيربها إلى الأمام. ونجد أنّ هؤلاء المبدعين المخلصين المميّزين تُشنّ عليهم حرباً غير معلنة أو معلنة من زملائهم أو من أقرانهم من المسؤولين الفاشلين كي لا يشار أو يؤثر عليهم في ممارساتهم السّلبيّة في حال مقارنتهم بالنّاجحين المبدعين، والهدف من ذلك هو إفشالهم ومحاربة نجاحهم. إنّ الإدارة الجامعيّة الرّصينة أو الموسسات العلميّة هي التي تعزز النّجاح، ولا تقف في طريقه وتدافع عن الحرية والإبداع والنّجاح وعن الأستاذ المرموق في تخصّصه وعلمه وأكاديميته ومنهجه العلميّ وسجلّه الأكاديميّ.والأكاديمي النّاجح هو من يضع همّ الجميع أمامه،ويخلص في أدائه ونفسه،رافضا الانسياق وراء المغرضين والحاقدين وكارهي النّجاح والإصلاح. [email protected]