حجم النص
بقلم :علاء السلامي
دفعني فضولي الصحفي ان اخوض تجربتين مختلفتين لاطلع من خلالهما على احوال الناس بمنظارين ، متعمدا ان اغير شيئا من طبائع نفسي لأرى كيف تبدو الامور ، ومع ان هذين الامرين ليسا بالشئ الهين الا انهما يستحقان بعض العناء مصحوبا بالفضول الذي يجري في دم الصحفي الذي يميزه عن غيره من اصحاب المهن ، يدفعه الى تحمل العناء في سبيل حقيقة ما يريد ابتغائها وبالتالي تصبح رسالة تصل الى المجتمع لعلها تنفع الذكرى
لأطيل عليكم احتاج الامر مني ان استعير سيارتين الاولى فارهة جدا والثانية قديمة جدا ولباسين كاملين الاول انيق والثاني رث ومن ثم خضت التجربة بالذهاب الى منطقتين الاولى لأناس نقول انهم من الطبقة الجيدة والثانية من الطبقة شبه المعدومة وتوكلت على الله في يوم صيفي حار ، فلبست في الاولى الملابس الرثة وركبت السيارة القديمة التي احتاج تشغيلها معاناة وبعدها والعرق يتصبب من جبيني ذهبت الى الحي الاول (لأناس نقول عنهم اغنياء) وحاولت جاهدا ان البس دور الرجل المتعب الذي يمرر يومه بعناء ودخلت الحي ،شارع نظيف معبد ،منازل فارهة جميلة وحدائق غنة ، اناس نظيفون بملابس زاهية ومحال لطيفة انيقة فيها جميع ما تشتيه النفس البشرية باسعار نار كالهشيم على الفقير وجنة نعيم على هؤلاء ،اكيد ..قلت في نفسي وماذا يريدون بعد يعيشون في فلل كبيرة ويركبون سيارات فارهة لا يصيبهم الحر فكل الاماكن مبردة لان المولدات الحديثة تملا المنطقة وما ان يذهب الكهرباء حتى تشتغل لتحاول تلك المكائن جاهدة ان لا تزعج سيدها من الاجواء الحارة ، واكيد ان اصحاب هذه المنازل يملكون اماكن عمل رائعة ، وربة البيت لديها شغالة تساعدها في ادارة هذا المنزل الكبير ، اختلجني شعور حينها باستحقار نفسي بعد ان تعطلت السيارة وبدات (توتأتأ) لماذا انا العراقي صاحب هذه الثروة العظيمة لا اعيش عيشة هؤلاء ولو بنسبة خمسين بالمئة فوالله لاريد العيش في قصور فارهة ولاقود سيارات زاهية ولاكون سيدا لمصنع بل اطمح بعيشة مطمئنة لي وعيالي ، فخرجت من ذلك الحي مستهجنا وحاقدا على كل شخص يسلب حقي وحق اطفالي ، فوسوس لي الشيطان حينها ان اعمل اي شئ للوصول الى عيشة هؤلاء ، استهديت بالرحمن وخرجت من هذا الحي الملعون الذي من الممكن ان يكون هاوية لضعاف النفوس بممارسة السرقة وربما القتل الى غيره من الامور الاجرامية لا سامح الله...
انتهيت من تجربة ظاهرها مرير وباطنها جميل لأخوض تجربة اخرى ظاهرها جميل وباطنها مرير فلبست ملابس انيقة وتعطرت بأبهى العطور ولبست منظارا سميكا لا اشعر من خلالها بأي اشعة للشمس وركبت السيارة الفارهة بسائق (مع احترامي وتقديري لصديقي الذي سهل لي خوض هذه التجربة من خلال سيارته) وذهبت الى حي غالبية سكانه فقراء او من اصحاب الدخول البسيطة ، فلم ارى ماينقل لي من معاناة تلك العوائل وقلة الخدمات صحيح ان الشوارع غير معبدة ولكن تستطيع (البرادو) تسلقها بنجاح ويمكن ان ارى من وراء منظاري بعض الناس يتصببون عرقا من وراء عملهم الذي يقال انه شاق ولكن مع النسيم البارد الذي ينتابني داخل السيارة لاعتقد ان هذه العريقات بمشكلة فالأجر على قدر المشقة ، اردت ان انزل من هذه السيارة لأرى الناس عن كثب كي اريح ضميري باني وصلتهم ولم اشاركهم فتذكرت ان البدلة والحذاء كلفاني الشئ الفلاني ...على العموم امرت السائق بالعودة لاني وباستعلاء لم ارى اي شئ ممن يسمونه معاناة ..
خضت التجربتين بنجاح وأحسست حينها امورا كثيرة اتمنى قد وصلت الى القارئ الكريم ..والله من وراء القصد
[email protected]