حجم النص
بقلم :عباس عبد الرزاق الصباغ
بين الحين والآخر تظهر تصريحات تتناقض في بعض حيثياتها مع واقع الحال المعاش فتارةً يخرج تصريح يفيد بان تنظيم القاعدة الإرهابي "يرفس" رفسته الأخيرة وهو بالرمق الأخير بعد ان مات سريريا ، وسرعان ما تتبدد هذه الصورة في تارة اخرى على وقع قعقعة عملية (او عمليات)نوعية يقوم بها تنظيم القاعدة الإرهابي وفصائله ومعه حواضنه تعيد الأمور الى المربع الاول، ويتزامن ذلك مع عمليات إرهابية اخرى تتخذ أشكالا متنوعة في التكتيك والتنفيذ والهدف ويوصف ذلك اليوم الذي تحدث فيه تلك العمليات النوعية باليوم الدامي فتتكرر الأيام الدامية وتتوزع على ايام الاسبوع وتتساوى أيامه بهذا التوصيف المأساوي، فضلا عن خسائر فادحة في البنى التحتية والممتلكات الشخصية ليس من اليسير تعويضها .
ان وصف حالة التراخي التي تُوحي بالاستقرار الأمني والهدوء النسبي وجاهزية القوات الامنية في الإمساك بالارض والسيطرة على الموقف وصدِّ أي خرق امني يجب ان يكون بموضوعية وعدم الإيحاء بان الخطر قد زال وان المسالة هي مجرد "نزهة" وان القضاء على الإرهاب هو مسالة وقت ليس إلا، ويجب الاخذ بالحسبان ان فترة "الهدوء" النسبي ماهي إلا فترة إعادة الحسابات ـ الإرهابية ـ الإستراتيجية والتكتيكية واللوجستية والاستعداد لعمليات اخرى قد تكون عملية نوعية كبرى كالتي حدثت في عملية اقتحام سجن ابو غريب من كافة الجوانب، وواقع الحال يشير الى انه لم يكن هناك هدوء نسبي حقيقي بل كان الإرهاب ينفذ عملياته على قدم وساق وأنى شاء.
قد كشفت هذه العملية عن عدة أمور خطيرة وحساسة جدا أهمها ان تنظيم القاعدة كواقع حال ومعه فصائله المتعاونة معه وحواضنه لم "يرفس" الرفسة الاخيرة بعدُ ، وان الطريق لكسب المعركة ضد الإرهاب مازال طويلا وشائكا وما زال هذا التنظيم محتفظا بقواه التنظيمية والعملياتية ، والامر الثاني ان تنظيم القاعدة قد كشف عن استراتيجيات جديدة غير مسبوقة وأهداف جديدة غير مسبوقة ايضا وان كان هروب او تهريب السجناء ليس بالأمر الجديد ولكن المخطط المعد لهذه العملية وطريقة التنفيذ والأسلوب الذي نفذت به هذه العملية والهدف المرجو منها يُنبئ عن "طفرات " نوعية وذات مستوى عالٍ في الإستراتيجية وفي التكتيك يرتقي ليكون في مستوى مخطط إقليمي مخابراتي واسع (مع الحواضن المحلية) وعلى مستوى دول ضمن برنامج كبير وشامل لإسقاط العملية السياسية وإرجاع العراق الى مربع الصفر، ومن ناحية اخرى تفوق العمليات النوعية الكبرى الإمكانات الأمنية في المنطقة التي يتم فيها عملية من هذا النوع وهذه إشارة غير مسبوقة وخطيرة ايضا .
والأمر الثالث وهو الأهم هو ان الجهد الاستخباري قد كشف عن تذبذب في إمكانياته وضعف في آلياته ولم يُعطِ أية إشارة مهمة(ولو خجولة) عن ان عملية من هذا النوع قد تحصل في هذا المكان مع العلم المسبق بان السجون العراقية مستهدفة بشكل مباشر وعملية تهريب السجناء ليست جديدة عن الواقع الأمني لاسيما سجن ابو غريب الذي يضم القيادات العليا من الصف الاول لتنظيم القاعدة ومن اخطر المجرمين وعتاتهم فلم تُتخذ أية تدابير احترازية تناسب نوعية وخطورة هذه العملية؟
والأمر الآخر الخطير الذي كشفت عنه احداث ابو غريب هو ان الأجهزة الأمنية كانت وما تزال مخترقة من قبل عناصر قاعدية وبعثية ومن بعض الذين تُشترى ضمائرهم بسهولة وهذه المسالة تتكرر باستمرار، كما تكشف أحداث ابو غريب عن سيناريو معد سلفا وبفصول متعددة اشترك فيها السجناء ( بحسب الرواية الرسمية للأحداث) وبعض العناصر المشبوهة المحسوبة على القوات الأمنية مايفتح الباب امام سيناريوهات مستقبلية مشابهة لما حدث مايحتم على الجهات الأمنية مراجعة حساباتها بشكل سريع وإعادة تنظيمها بشكل يتناسب مع خطورة المعركة مع الإرهاب التي بدأت تأخذ أشكالا اخرى اكثر خطورة عن السابق وربما تشهد الساحة العراقية أحداثا إرهابية أكثر إيلاما من السابق لاسيما بعد هروب من كان يقوم بهكذا عمليات في السابق.
إعلامي وكاتب مستقل [email protected]
أقرأ ايضاً
- العيارات النارية و انعكاساتها على السلم الأهلي
- فلسطين قضية لا تباع ولا تخضع للارهاب
- صندوق النقد الدولي مؤسسة علمانية تمارس الارهاب الاقتصادي