- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
لماذا تورط الأزهر في المخطط الطائفي؟
حجم النص
بفلم :أحمد صبري
ربما يبدو الأمر غريباً لدى المتابعين للشأن الديني في مصر بالتطورات التي يشهدها موقف الأزهر في الفترة الحالية من التشيع، فهو يتعارض بشكل كامل مع موقفه التقليدي المعروف من الشيعة خلال العصر الحديث والذي توج بالفتوى الشهيرة للشيخ محمود شلتوت بجواز التعبد بمذهبي الشيعة الجعفرية والزيدية، وهي الفتوى التي منحت الأزهر مكانة كبيرة وضخمة في العالم الإسلامي بصفة عامة وجعلته جامعة إسلامية محترمة لدى كل المذاهب، فلماذا تراجع الأزهر عن هذا الدور مؤخراً ليضع نفسه في إطار سني ضيق ويفقد في المقابل مكانته لدى المذاهب الأخرى؟
من الضروري الاشارة إلى أن هذا الدور التقريبي لدى الأزهر لم يتأثر بالعلاقات التي توترت بين مصر وإيران عقب استقبال السادات لشاه إيران عقب انتصار الثورة الإسلامية في إيران سنة 1979، وبالرغم من الهجوم الذي شنته كافة المؤسسات المصرية على الجمهورية الاسلامية طوال عصر المخلوع مبارك بما فيها الأزهر، والذي تضمن في بعض الاحيان هجوما على المسلمين الشيعة كمذهب، إلا أن الأمر لم يتطور إلى موقف صريح وواضح بمثل هذا الشكل الذي حدث مؤخراً لدرجة نشر كتيبات تهاجم المسلمين الشيعة كهدية من مجلة الأزهر، وهي كتيبات ليست جديدة ومتداولة، بل وهناك ردود شيعية عليها متواجدة كذلك في المكتبات المصرية، إلا أن نشرها عبر المؤسسة الدينية الأكبر في مصر يثير العديد من علامات الاستفهام عن خلفيات هذا الموقف الصريح.
لايمكن إخراج هذا الموقف من إطار الصراعات التي تشهدها الساحة الدينية بين الفصائل المتعددة سواء سلفية، وإخوانية، وصوفية بالاضافة للتيار الأزهري التقليدي، وهي صراعات وصلت لمرحلة المطالبة بانتخاب شيخ الأزهر من قبل التيار السلفي الذي يدرك تماماً أن كثافته في الوسط الأزهري عقب اختراقهم له طوال 40 عاماً بدعم من الحكومات المصرية سوف تمنحهم منصب المشيخة بسهولة عبر هذا المطلب الذي يبدو ديموقراطياً تماماً من الناحية الشكلية.
وأمام هذه الضغوط من الواضح أن الورقة الشيعية كانت وسيلة المزايدة بين جميع الاطراف المتصارعة، في محاولة من قبل كل طرف لاقناع الشارع السني المصري بأنه المدافع الأصيل عن عقيدة أهل السنة التي تعرضت للانتهاك (بحسب التعبير السلفي)، ومن هنا لوحظ تغير اللهجة الأزهرية تدريجياً بخصوص التشيع، وبدأت الاتهامات التقليدية بوجود مد اسلامي شيعي دون محاولة لتعريف ماذا يعني تعبير "المد الشيعي"؟ وما يحمله هذا التعبير من فرض للوصاية على حق المواطنين في اختيار عقائدهم بكل حرية.
ولايمكن تفسير الضغوط السلفية على الأزهر في قضية التواجد الشيعي بمصر إلا في إطار محاولات جرجرة هذه المؤسسة لمشروع الصراع الطائفي الذي تعده الولايات المتحدة وحلفائها بالمنطقة كمقدمات لعزل محور المقاومة وشن الحرب المتوقعة عليه عقب الانتخابات الأميركية.
لقد خضع الأزهر للضغوط السلفية في محاولة لاكتساب الشارع السني من أقرب الطرق حتى لو كانت الترويج للكراهية والإقصاء الطائفي والتعدي على حقوق مواطنين مصريين، وربما كانت العلاقة بين شيخ الأزهر والنظام السابق وموقفه السلبي من الانفجار الثوري بمصر عام2011، وإدراكه لضعف موقفه في مواجهة السلفيين أحد أسباب هذا الخضوع، لكنها في كل الأحوال لن تعدو محاولة فاشلة لن يكسبها الأزهر على الإطلاق خاصة في مواجهة دعاة سلفيين متمرسين إعلامياً ولديهم القدرة على الإثارة والتحريض بمختلف الوسائل، كما أن دورهم في العداء للشيعة معروف ومشهور منذ فترة حكم المخلوع مبارك، وبالتالي لن تكون هناك قيمة حقيقية للمحاولة الأزهرية التي يسعى شيخ الأزهر من خلالها إلى امساك العصا من المنتصف، فهجومه على المسلمين الشيعة لم يصل لمرحلة التكفير بهدف الاحتفاظ بالمكانة التقليدية للازهر وهو ما لن يتمكن من تحقيقه بكل تأكيد.
لقد واجه الأزهر حتى الآن كل محاولات السلفيين لاتخاذ مواقف عدائية تكفيرية تجاه المسلمين الشيعة وهو مايحسب له ولشيخه دون شك، وهو يشير إلى أن فكرة العداء الصريحة لاي طائفة إسلامية ليست أصيلة في هذه المؤسسة العريقة، وليست كذلك سياسة معتمدة، وربما قابلة للتغيير في المستقبل القريب.
إن الدور المهتز للازهر في مواجهة التيارات السلفية لن يستمر كثيراً، وسرعان ما ستحدث المواجهة نتيجة حرص التيارات السلفية المحموم للسيطرة على هذا المنصب، وهنا سيكون على الأزهر كمؤسسة التراجع عن تلك السياسة تجاه المسلمين الشيعة، لكنه لن يتمكن من استعادة نفس القيمة للأزهر مرة أخرى في الأوساط غير السنية.
أقرأ ايضاً
- لماذا ترتفع درجات الحرارة في العراق؟
- لماذا أدعو إلى إصلاح التعليم العالي؟ ..اصلاح التعليم العالي الطريق السليم لاصلاح الدولة
- لماذا أتذكر الجعفري؟!