حجم النص
لم يكن الطرح مثاليا ذلك الذي دعا اليه بعض السياسيين الى تغليب لغة الحوار وسياسة المكاشفة والمصارحة والشفافية والاحتكام الى العقل والدستور والمصلحة الوطنية العليا ولم يكن هذا الطرح رومانسيا يدعو الى يوتوبيا سياسية في ظل أتون معمعة تعصف بالمشهد السياسي العراقي في إرهاصات دراماتيكية وعرة وشائكة تكاد أن تطيح بركائزه ومرتكزاته وجميع بناه التحتية والفوقية، بل كان الحوار طرحا عقلانيا وواقعيا يرتكز على قراءة صحيحة لحيثيات واقع المشهد السياسي العراقي الذي مزقته التوافقات والمحاصصات وشتته التخندقات والاحترابات والمناكفات وضمور الانسجام المطلوب بين الفرقاء السياسيين ما ادى الى تشتت الشارع العراقي وتعاكس وجهات الرأي العام وتشظي الولاءات وتعدد الهويات اذ لم يشهد أي مشهد سياسي تخندقا كالذي شهده ،وما يزال يشهده، المشهد السياسي العراقي حتى صار يذكرنا بالحرب الباردة التي استعرت بين المعسكرين الشرقي والغربي وفاقت آفاقه حدود الأزمة السياسية التي من الممكن ان تحدث في أي بلد الى آفاق خطيرة غير مسبوقة كادت ان تصيب مرافق الحياة بالشلل مع تعثر الواقع الامني والخدماتي ..
في المقابل ان الأرضية الشعبية والجماهيرية التي انطلقت منها العملية السياسية من خلال صناديق الاقتراع أوحت من خلال عدم انجرافها في دوامة السجالات السياسية (الإعلامية منها خاصة) بأنها أكثر عقلانية من تشنج الخطاب السياسي وان المجتمع الأهلي أكثر تراصا وانسجاما وتفاهما من المجتمع السياسي ولم تؤثر الاحتدامات السياسية على متانة النسيج المجتمعي ولم تنفرط ثوابت العقد الاجتماعي الذي لم يزل في أطواره الجنينية البكر، او تتفتت المفاصل الديموغرافية او التركيبات المجتمعية الى كانتونات وامارات او اشباه فيدراليات متناحرة بسبب السيناريوهات العديدة والمتعاكسة التي أفرزتها الأزمة التي مرت بها العملية السياسية والتي غاب عن أكثرها لغة الخطاب السياسي / الإعلامي العقلاني وطغى عليها الخطاب المتشنج والآني المفتعل واختلاق الأزمات ورفع مناسيب الشروط التعجيزية وعدم قبول الآخر حتى وان كان موافقا للدستور وللمصلحة العامة فضلا عن غياب النظرة الاستشرافية المستقبلية والتحليل الإستراتيجي للواقع العراقي بما يتناسب مع خطورة تداعيات هذه الأزمة على واقع ومستقبل البلاد والعملية السياسية نفسها.
ان خيار الحوار تحت اية يافطة كانت هو السبيل الاكثر عقلانية ومقبولية في الطرح السياسي خصوصا عند احتدام الازمات في واقع هش وهو مأزوم اصلا ومليء بالمطبات والالغام وهذا ما يجب ان يلتفت اليه الفرقاء السياسيون بدل حروب الاستنزاف التي قد تتحول الى حروب حقيقية مدمرة تتحقق فيها ما يصبو اليه اعداء الشعب العراقي الذي يستحق واقعا افضل من هذا بكثير.
إعلامي وكاتب عراقي
[email protected]
أقرأ ايضاً
- صفقات القرون في زمن الانحطاط السياسي
- الدعوة إلى تجديد الخطاب في المنبر الحسيني.. بين المصداقية ومحاولة تفريغ المحتوى
- المثقف وعودة الخطاب الطائفي