لي صديق تخرج قبل فترة بسيطة من أكاديمية حديثة تهتم بشؤون الاستثمار والصفقات والأسهم، وكل ما يتعلق بالكسب السريع للمال
وتخرج لتوه ودعاني لوجبة عشاء .. فحضرت المأدبة وعند ختامها شكرته وتمنيت له مستقبلا مشرقا في عمله
ومضيت لسبيلي ..
وعنده الصباح الباكر طُرق بابي طرقا يخفق له الفؤاد!!!
وتواصل الطرق ..
يا ساتر ياربي .. ما هذا؟
وساورني الخوف والوجل، وقفزت من على سريري، وحاولت عبثا أن اربط رباط \"الروب\" خاصتي فلم افلح من شدة الارتباك والتوتر
فخلعته حتى لا يعيق حركتي إذا حمي الوطيس!
وحملت فأسا كبيرا ومضيت نحو الباب .. واقتربت من الباب وصحت .. من الطارق؟
فقال : انا انا
فقلت عدو ام حبيب
فقال: انا صديقك المستثمر صاحب دعوة العشاء!
وفتحت ..
فرمى جثته عليَّ واخذ بتقبيلي ولثمي إلى أن ملأ وجهي بصاقا وزبدا ،، علما إن رائحة فمه المبارك تشبه الروائح المنبعثة من فوهات المجاري المرتبطة بدورات المياه العامة
فقلت له .. ماذا وراءك ؟ .. لمَ أنت مرتبك هكذا؟
فقال إنها فرصة استثمارية!
جئت راكضا خوفا من أن يخطفها منك خاطف
فحككت رأسي قليلاً،، وقلت:
فرصة استثمارية؟
قال بلى .. أنت أول شخص أفكر به .. وعليك اغتنامها قبل أن يستثمرها غيرك
فقلت له : لندخل إلى الداخل وحدثني عنها
ودخلنا على بركة الله
وخلع حذاءه الكبير ليملأ الدار مسكا وعنبرا
وجلسنا حول طاولة مستديرة .. وقلت له هات ما عندك
فقال:
أنها صفقة العمر!
فرفعت حاجبيَّ ،، وانا انظر له بسرور وارتياح .. وقلت له أكمل
فأكمل ..
إنها قطعة ارض للبيع تقع على شارعين رئيسيين في حي ممتاز مساحتها خمسمائة متر مربع، تصلح أن تكون مشفى او فندق سبع نجوم او عمارة سكينة من عدة طوابق او حتى محلات تجارية او بمقدورك أن تصممها لتكون بيت المستقبل ولتجعل فيها برك سباحة وحديقة غناء ..او بإمكانك بيعها بعد شهر او شهرين بأضعاف الأضعاف!
فقلت له .. موافق،، ولكن دعني أراها على الخريطة؟
فقال: الحمد لله إنها لم تنزل على الخارطة بعد، حتى لا يطمع بها الآخرون ولا يفطن لها الفاطنون.. إنها لُقطة
فقلت له : حسنا سأشتريها
وفي اليوم التالي اشتريتها بحمده تعالى، وكان مبلغها فادحا!
ولكن ما ضير ذلك .. إذا كنت سأبيعها بإضعاف الأضعاف بعد فترة وجيزة
وبعد يومين طلبت من صاحبنا أن يدلني عليها، وحددنا يوم الجمعة للمضي إليها،، فيوم الجمعة بالنسبة لي من الأيام المباركة التي التمس فيها الخير والبركة والتوفيق .. فتهيأت للرحلة وأحضرت معي كيسا ملأته بالطعام ،، ووقفت على باب داري فجراً لانتظاره
وجاء صاحبنا بسيارته الحديثة
وركبت .. انطلقت السيارة .. بسم الله مجريها ومرسيها
وواصلت المسير لخمس ساعات .. إلى أن غابت عنا آثار المدن والعمران، ووصلنا على مشارف الصحراء وبدأنا نشاهد بيوتات البدو .. نعم البدو .. البدو الرحل، حينها أطفأ محرك السيارة ونزل منها وبيده حقيبة كبيرة .. وقال هيا انزل .. ماذا تنتظر؟
فقلت: هل وصلنا؟
فقال: ليس بعد .. لنستأجر من الأخوة البدو جملين لنسير بها إلى قطعتك، فهم كرماء
فقلت له : وأين تقع هذه القطعة؟
فقال بعصبية: لتقع أين ما تقع وماذا يهمك من أمرها إذا ستكون بعدها من أصحاب الملايين!!!
فخففت عليَّ كلمة الملايين غضبي .. وهرولت خلفه ساحبا كيسي
ودخلنا بيت الشعر وشربنا لبن الإبل ورأيت الربابة بيد احدهم .. واستأجرنا جملين
واركبني ثلاثة شبان الجمل ..
وسرنا ببركة الباري .. إلى أن وصلنا إلى منطقة صخرية وعرة فتوقف صاحبي وفتح حقيبته واخرج منظارا كالذي يستخدمه القادة في سوح الوغى .. وقال الحمد لله نحن نسير في الطريق الصحيح .. فقال لنتابع سيرنا على الأقدام فالمنطقة شديدة الوعورة على الجمال
ومشينا .. وانا انظر إلى صاحبي عله يفسر لي هذا الغموض وهذا اللغز المحير .. لكن صاحبي قاطب الجبين مشغول بما يشغله وهو يتلفت ذات اليمين وذات الشمال
وواصلنا السير تحت أشعة الشمس اللاهبة ..
إلى أن تمزق حذائي وبان إصبعي
فقلت له بجزع: إلى أين تأخذنا يا رجل؟
فقال: امشي وحسب، لم يبقَ إلا القليل .. ظننتك تتمتع بالصبر والجلد .. ثم ضحك وقال انتم معشر الكُتاب ليس لكم في تحمل قسوة الحياة شيء؟
فأردت أن اثبت له العكس .. فسارعت خطواتي أمامه .. فقال رويدك رويدك انتبه لا يبصرنا رجال شرطة الحدود!
فقلت : ماذا؟؟؟ شرطة الحدود!!!
فقال نعم علينا أن نواصل طريقنا زحفا، حتى لا يرونا ويتصورونا إرهابيين او متسللين!
وزحفنا زهاء نصف ساعة إلى أن تمزقت ثيابي وتقطعت شعرات صدري .. بعدها نهض ودس يده بحقيبته السمينة واخرج المنظار .. وسمعته يقول وهو ينظر امممممم .. ثم دفع المنظار نحوي وقال انظر إلى قطعتك
فنظرت .. وإذا رمال في رمال
فقلت له .. لا أبصر إلا الرمل والسماء
فقال نعم،، تحت هذه السماء تقع قطعتك .. واخذ مني المنظار ومده يده مكانه مصافحا مهنئاً وقبلني قبلة كبيرة لطخ فيها نصف وجهي ببصاقه الكريه .. وقال يستحسن إذا أردت أن تذهب إلى قطعتك مع أفراد عائلتك أن تحرص أن تأتي ليلاً لئلا يراك رجال خفر الحدود في الدولة المقابلة!
وارجع المنظار للحقيبة وعاد أدراجه .. فنظرت حولي فهالني المنظر فركضت وراءه
ورجعنا إلى الديار ..
قراءنا الأعزاء .. ها انا اليوم أضع بين أيديكم هذه الفرصة الاستثمارية على طبق من ذهب .. قبل أن تنزل على الخرائط ويخطفها منكم خاطف!
إنها صفقة العمر .. قطعة ارض للبيع تقع على شارعين رئيسيين في حي ممتاز مساحتها خمسمائة متر مربع، تصلح أن تكون مشفىً أو فندق سبع نجوم او عمارة سكينة من عدة طوابق او حتى محلات تجارية او بمقدوركم أن تصمموها لتكون بيت المستقبل ولتجعلوا فيها برك سباحة وحديقة غناء ..أو بإمكانكم بيعها بعد شهر او شهرين بأضعاف الأضعاف!
حمزة اللامي
أقرأ ايضاً
- الفضيحة الاخلاقية فرصة لتصحيح مسار تعيين القيادات الجامعية
- المشرق الجديد.. الفرصة ما زالت موجودة
- بوتين وشي جين بينغ يمنحان بايدن وحلفائه الأوروبيين فرصة ذهبية أخيرة