هاتفني احد الأصدقاء الدبلوماسيين مساءً واخبرني انه رتب لي لقاء مع سعادة رئيس الوزراء التركي أثناء قدومه الخاطف للعراق، وان هذا الموعد هو صبيحة اليوم التالي عند تمام العاشرة
فاستبشرت خيراً ..
وألغيت مواعيدي وأغلقت بابي وعكفت على أوراقي ارتب أفكاري وأسئلتي ليوم غد، وأمرت شريكة نضالي بكيِّ ملابسي وتهيئتها لهذا الموعد العظيم، لأنه رئيس وزراء وليس رئيس بلدية
وانتهيت من إكمال المحاور والأسئلة التي سأجريها مع سعادة الضيف القابع في احد الفنادق الفخمة في ساعة متأخرة من الليل .. وقررت أن أنام ما تبقى من الوقت لأصحو وأنا مفعم بالنشاط .. ربطت منبها على ساعتي المكتبية
ونمت ..
واستيقظت بناءً على ما أخبرتني به ساعتي، وركضت لحمامي واغتسلت ولبست بذلتي الجديدة مع أنها كبيرة قليلا ً وتعطرت وحملت حقيبتي وانطلقت لهدفي، وما أن فتحت باب داري حتى تفاجأت بعاصفة ترابية ضخمة! وصل فيها مدى الرؤية الى مستويات متدنية وباتت السماء حمراء كالدهان
وحرت بأمري ..
يا الهي .. أفي هذا اليوم تكون العاصفة؟
وصادف أن سيارتي كانت معطلة بسبب أنفخات احد دواليبها .. لذلك اضطررت للخروج بالباص، واقرب محطة باص تبعد عن داري بضعة مئات من الأمتار
وهرولت .. حرصا مني على الوقت .. ليرى الضيف الجليل كيف هو الصحفي العراقي مضبوط وكيف يلتزم بمواعيده وكيف يكون مثالا يحتذى به في احترام الوقت والمواعيد
ومشيت .. وازداد جنون العاصفة الترابية إذ لا أرى غير يدي التي جعلتها وقاءً لعينيَّ،، كما دخل التراب في اذني وانفي وفمي وبين ما تبقى من شعرات رأسي وتوزع على سائر ملابسي الجديدة .. وقلت لا بأس بذلك فمن اجل الرسالة الإعلامية كل شيء هين فمهنة الصحافة هي مهنة المتاعب
ووصلت لمحطة الباص ..
وانتظرت الباص طويلا ً فلم يأتِ؟
فمر بي صديق يمتطي دراجة بخارية بعدما خفف المطب الذي أمامه من سرعته
فعرفته رغم انعدام الرؤية وركضت نحوه .. فشاهدني فهاله منظري وأراد أن يترك الدراجة ويلوذ بالفرار! لان شكلي آنذاك أشبه بالمجانين الخطرين فحقيبتي الكبيرة يغلفها التراب والغبار وبذلتي الكبيرة تحول لونها بقدرة قادر الى لون الغبار ناهيك عني شعري المنفوش وحاجبيَّ وشاربي تغير لونها الى اللون الأبيض .. فناديته باسمه فتوقف فأطلعته على هويتي ومن أكون، فحمد الله من انه عرفني .. وطلبت منه إيصالي للفندق الذي يسكنه ضيفنا العظيم بعد ان قصصت عليه قصتي
فوافق ..
وركبت خلفه .. وأمر الدراجة بالانطلاق
فشعرت بالسرور والغبطة
وما ان سرنا حتى برقت السماء واخذ ماؤها يتدفق علينا!
وأصبح الغبار المتجمع علينا طينا ً .. وساءت حالة الطقس بشكل كبير، وبدا هطول المطر كمن أفواه القرب، حتى إن صديقي الدراج قال لي عليك العودة فالجو سيئ ومن المؤكد أنهم لن يتعرفوا على هويتك بهذا المنظر المزري .. فقلت له بصوت أقوى من صوت محرك دراجته، انا صحفي ورئيس الوزراء سيقدر كم هو الصحفي العراقي حريص على مهنته ومواعيده .. فلم ألقَ جوابا من الصديق غير قلب الشفة
ووصلنا بالقرب من الفندق ..
فنزلت وركضت نحو الفندق وأنا أسابق الزمن فالوقت لم يبقَ منه غير دقائق .. وواصلت ركضي بتلك المياه الطينية وبذلك الجو العاصف
ووصلت .. فأدخلني الحرس للجناح الرئاسي الذي يسكنه رئيس الوزراء.. فجاءني شخص أنيق ببذلة أنيقة عرفت انه سكرتيره الخاص واخذ ينظر لي باستغراب من مظهري وهندامي المعفر
فقال نعم؟
فأجبته وانا الهث: انا الصحفي فلان، لدي لقاء مع فخامة رئيس الوزراء
فأجاب:
رئيس الوزراء يعتذر لأنه لا يخرج بهذا الجو!
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً