- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
مؤسسات الشتيمة ظاهرة إجتماعية خطيرة
دائما ً الأغبياء هم المتعصبون الواثقون تماما ً أما الحكماء فتملأهم الشكوك
برتراند رسل) (
اللعن والشتيمة ثقافة قديمة متجددة تستشري في المجتمعات الإسلامية كلما وجدت بؤرا ً للتخلف والجهل , وإذا كانت هذه الظاهرة محصورة على مستوى الشارع قديما ً فقد أضحت اليوم كيان و مؤسسة لها منظروها ومراكزها وأعلاميوها وفضائياتها, فهي تزول مرة وتظهر مرة أخرى وذلك تبعا ً لسوق العرض والطلب, فكلما إحتاجت السياسة الى إثارتها نرى أوارها يشتعل ليحرق معها ملايين الجهود التي تبذل من أجل الحب والسلام والتقارب, وإذا ما أردنا ان نؤصل لهذه الظاهرة فعلينا ان نسلط الضوء على جذورها التاريخية وطبيعة المجتمع الذي تنشأ وتترعرع فيه, وتاثير التثقيف الديني فيها وإنعكاسه على حياة المجتمع , لأن ثقافة اللعن هي بالاساس ثقافة دينية ولكن ذهنية التحريف كان لها دور في تغير مسارها لذا نراها منتشرة في المجتمعات الدينية وتكاد تخلو منها المجتمعات اللادينية , وهذه النقطة جديرة بالبحث والدراسة. فاللعن والشتيمة هما مدخلان للكراهية والبغضاء , لأنهما يمثلان حالة الرفض والقطيعة مع الآخرو وهذه النقطة بالذات تمثل تقاطعا ً كبيرا ً مع رسالة الأديان السماوية التي تحث على المحبة ومكارم الأخلاق والإنفتاح على الآخر , فقد روي عن النبي (ص) قوله: (ليس المؤمن بالطـعان ولا اللعـان ولا الفاحش ولا البذيء) ولأن الشتيمة من الرذائل فلا يمكن أن يجتمع النقيضان في مكان واحد , أما ما يروج له البعض من المتطرفين والمتعصبين أن مشروعية اللعن قرأنية وأن رفض الآخر عبادة ونصرة للدين فهؤلاء الأغبياء لا يفقهون اللعن القرآني ومقاصده على الوجه الصحيح , لأن اللعن هو الطرد من رحمة الله كما عرفه أبن الأثير في (النهاية ) فيقول ان العرب كانت إذا تمرّد الرجل منهم أبعدوه منهم وطردوه لئلاّ تلحقهم جرائره، فيقال: لعن بني فلان كما جاء في مجمع البحرين في ج 6 ص 309 ولكوُّن القرآن جاء بلغة العرب وثقافتهم فقد أُستُعمل هذا المعنى في القرأن الكريم كناية وتصريحا ً ببعض الحلات التي شخصها الله, فقد ُذكر اللعن في القرآن 37 مرة , فنصف هذا العدد تقريباً أختص به إبليس والشياطين ثم الكافرين والذين لا يؤمنون بنبوة محمد (ص) كاليهود , والبقية الباقية من الآيات كانت من نصيب الكذابين والمنافقين والظالمين والقتلة والمجرمين والذين يؤذون الرسول و يقذفون المحصنات, وسنرى من خلال الآيات أن ما يروج له التتثقيف الديني المحرف خارج عن سياق المفهوم القرآني للعن. فأن النبي جاء من أجل أن يتمم مكارم الأخلاق كما في قوله (ص) ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) وقوله : (إن اللعـانين لا يكونـون شهـداء ولا شفـعاء يوم القيـامة) وحين نسلط الضوء و نتـابع النصـوص نقرأ بوضوح مايريده الإسلام هو تربية المسلم على عفة اللسان والابتعاد عن ثقافة الكراهية والشتيمة, فمن خلال هذه النصوص يتبين لنا أن هذه الظاهرة هي طارئة والأصل هو التواصل والاحتواء وان مشروعية هذه الظاهرة أتت في موارد محددة لا يمكن تعميمها فلو عممت لأصبحت ظاهرة خطيرة , و خطورة هذه الظاهرة تكمن في أن منظروها يشرعنون البذاءة بطرق مقدسة و لا يتورعون من تدعيم مقولاتهم بآيات يؤولونها كما يريدون وأحاديث يفترونها عن النبي (ص) كما جاء في حديث ( من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضُّوه بهن أبيه ولا تكنًّوا) الذي رواه البخاري في (الأدب المفرد) [963/1 بتحقيق ] ، والنسائي في (السنن الكبرى) (5/272) [8864] و (6/242) [10812] وفي (عمل اليوم والليلة) [976] ، وأحمد في (المسند) (5/136) ولهذا الحديث من الغرابة والتشويه ما يعجز العقل وهو أن النبي يأمر المسلمين بالذاءة والشتيمة , ومعنى الحديث المتقدم أن مْن تفاخر بمفاخر الجاهلية وهي القبيلة أوالجماعة وغيرها فاجعلوه يعض ذكر أبية وكلمة ( لا تكنًّوا ) أي حينما تذكرون الحديث – والقول للنبي كما في الحديث - أذكروا كلمة العضو الذكري بالتصريح لا بالتلميح وباللغة التي تفهمونها . فهل يعقل أن يكون النبي الذي وصفه الله سبحانه بقوله ( وأنك لعلى خلق عظيم ) أن ينطق بمثل هذه الترهات والسخافات , وهذا الحديث أحدث ضجة كبيرة وسُخر للنيل من النبي (ص) في بعض قنوات بث الكراهية والحقد, ويمكن مراجعة الموقع التالي للإطلاع على الخبر كاملا ً .
http://www.safeshare.tv/v/4oMWNQV9w5A
والجانب الاخطر في هذه الظاهرة هو تحولها الى عمل مؤسساتي ممول بتمويل ضخم ومدعوم سياسيا ً فهناك قنوات فضائية موجه لبث الفرقة والتركيز على التقاطعات بين بني البشر , مما يؤدي الى حدوث شروخ كبيرة في النسج الاجتماعية للبلد الواحد ولربما للمدينة الواحدة, وهنا أتسائل هل هذا السعي المحموم من قبل مؤسسات اللعن والشتيمة هو عمل ذاتي ويعتبره القائمون عليه تقربا ً الى الله. أن هناك مخططات لضرب كل ما هو خير في العالم و لاشك أن هناك من يقف وراء هذا العمل قديما ً وحديثا ً وانا هنا لا أبرئ السياسة من هذا كله, لأن الناس دائما ً يعيشون على هامش الخطابات التي يطلقها طرفي النزاع ( الحكام والمعارضة) ولكن وقودها هم الغوغاء الذين وصفهم الإمام علي (ع) بالهمج الرعاع الذين ينعقون مع كل ناعق ويميلون مع كل ريح لأنهم لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجأوا الى ركن وثيق,فتنطلق المهاترات ثم تحدث الحرب والقطيعة, وقد لخص هذه الحالة أحد المثقفين منذ عهد ابن الاثير ولعلها تنطبق على عصرنا الحاضر بقوله:
أرى خلل الرماد وميض نار فيوشك أن يكون لها ضرام
فان النــــار بالعيدان تذكى وأن الحرب أولــــــــها كلام
فأن لم يطفها عقلاء قومٍ يكون وقودها جثـــــث وهام
والسؤال الاهم في هذه الظاهرة هو لماذا لا يبحث في من يمول هذه المؤسسات ولمذا لا يكون هناك نظام يفرض العقوبات على من يثير الكراهية كما حُدد نظام يدين الارهاب ويعاقب عليه لابد من قوانيين رادعة لمثيري الكراهية فأين عقلا ءالمسلمين واين الجول , ولماذا تذهب جهود المخلصين هباء هذه الاسئلة وغيرها تنتظر الاجابة , ولعل الثقل الاكبرفي لاجابة يتحمله المثقف ورجل الدين (المثقف) و لطالما غابا هذان الاثنان وتفرد السياسي في المجتمع ستبقى مؤسسات الشتيمة واللعن منتعشه الى ما شاء الجاهلون وستسفحل هذه الظاهرة الخطيرة.
علاء الخطيب – كاتب وإعلامي