للكرسي اربع قوائم، ويقال انها صممت لاول مرة (في قديم الزمان) على هدي ارتكاز الحيوان على اربع، واقدم انواع الكراسي كان من غير مسند “ليسهل الدوران عليه” وسرعان ما اخترعت المساند (اللعنة عليها) لكي تريح مجلس الجالس وتستبقيه اطول وقت.
اللافت، ان قوائم ومساند كراسي القدماء من السلاطين صُممت على هيئة اسود او ذئاب او صقور او ثعالب لتشيع المهابة والخوف لدى الجمهور، وكان البعض من اولئك السلاطين يتمثلون اخلاق وجموح وعنجهية تلك الحيوانات، وبعد تجربة مديدة اكتشف صناع الكراسي حاجة السلطان الى الاسترخاء الى الوراء فاخترعوا “الكرسي الهزاز” الذي يضمن لصاحبه كفاية من الراحة، ولطالما نام السلاطين على تلك الكراسي، وخلدوا الى الراحة عليه من “عناء الحكم” و”قطع الرقاب” وبعضهم كان يصدر قراراته الخطيرة والمصيرية من عليها، وفي عهود لاحقة روّج بعض السلاطين القول ان هذا الكرسي الذي يجلس عليه انما هو “موضع قدم الرحمن”.
اما الكراسي المتنقلة (المتحركة) فقد تطورت كثيرا في هذا العصر حتى ان عالم الفيزياء النظرية ستيفن هوكنج، صار يتنقل على كرسي متحرك مزود بالكهرباء وبكمبيوتر يستخدمه في الكتابة والكلام، لكن، لايظنن احد بان الكراسي المتنقلة هي من اختراع الثورة الصناعية المتأخرة، فقد وُجدت تلك الكراسي، وبقايا منها، في كهوف كثيرة، وعُرف انها كانت تتنقل (والسلاطين عليها) على اكباش مدربة، او على اكتاف رجال اشداء، بعضهم من الاسرى او السجناء او ممن يراد إذلالهم، وارتبط الكرسي في تلك الحُقب بالطغيان او الجشع او الفتك.
ارتفاع الكرسي عن الارض، منذ القدم، لايزيد عن متر واحد، ولدواعي كثيرة، صُنعت كراسي لاتنهض عن الارض إلا قليلا، لكن ابن مسعود، تبحّر في فقه الكرسي ليعلن ان بين الكرسي والماء خمسمائة عام، وقد عرفنا ان مواد تصنيع الكرسي في مختلف حجومه تنوعت بين الخشب والقماش والمعدن والخرسانة والبلاستيك وجَريد النخل، وعلى ذكر الجَريد فان العراقيين القدامى برعوا بهذه الصناعة، واجادوا تركيب المساند والتكايا والقوائم من اعواد تُسوّى وتُثقب بمهارة وتُثبـّت بمسامير من “مخ الجريد” فيما يبلغ عدد العيدان المستخدمة في الكرسي الواحد 23عودا من الجريد الأخضر (الطري) ليسهل ثنيها و5 اعواد من العيدان الجافة لمساند الظهور ولتطييب الجلوس ازائها.
الكرسي بعد ذلك عنوان للتطاحن على السلطة، وقد اختار لنا العلوي هادي في مستطرفه الجديد واحدة من حكايات هذا الكرسي، يقول: كان (الحسين بن القاسم) وزيرا للمقتدر، ثم عُزل وابعد عن العراق. فلما تولى (ابن مُقلة) الوزارة سعى الى قتل (القاسم) في منفاه ليتخلص من منافسته (على كرسي الوزارة) فأرسل اليه مَن قطع رأسه، وحمل الرأس الى دار الخلافة في صندوق ووُضع الصندوق في الخزانة طبقا للعادة المتبعة، وفي ايام الخليفة المُتقي (بعد سنوات مديدة) حصل اضطراب في بغداد ونُهبت بعض اجزاء الخلافة فاخرج الصندوق فوجد فيه بالاضافة الى رأس الحسين بن القاسم يدٌ مقطوعة وعليها رقعة مكتوب فيها: هذه اليد هي التي قضت بقطع هذا الرأس” وكانت اليد تعود الى صاحب الوزارة ابن مقلة.
اما الكرسي العباسي فقد داسه بسطال هولاكو.