- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
مسؤولية المجتمع الدولي تجاه العراق
إن كان الإرهاب الذي هو الاستخدام غير المشروع للقوة أصبح هاجسا عالميا خاصة بعد أحداث أيلول \ سبتمبر 2001 وبتداعياتها المعروفة على الصعيد الكوني فإن هذا الهاجس انحسر بعض الشيء وأصبح بمرور الوقت (من 2003) يمثل هاجسا محليا عراقيا صرفا وسط لامبالاة المجتمع الدولي فضلا عن منطقة الشرق الأوسط ودول الجوار العراقي ناهيك عن التأثيرات السلبية التي أعطت للإرهاب زخما ديناميكيا وفاعلية إستراتيجية وتكتيكية جعلت من الساحة العراقية حلبة للصراع الإقليمي والتصارع بين الأجندات المختلفة ( ومنها الولايات المتحدة والقوى الكبرى) وبقية القوى المتشاركة في المنظومة الجيوسياسية الشرق أوسطية وفي صراع مرير ليس للعراق فيه ناقة أو جمل، فقد غضَّ المجتمع الدولي النظر عمّا يحدث في العراق وتعاطى مع الإرهاب الدولي والإقليمي الذي اتخذ من العراق ساحة له وعلى حساب الشعب العراقي كأنه شأن داخلي ولم يكن إحدى نتائج مآلات التغيير النيساني الذي أطاح بالديكتاتورية كما إن هذا الإرهاب بحد ذاته هو إحدى موروثات النظام البائد الذي وقف المجتمع الدولي إما عاجزا أو متفرجا عن التدخل لحماية الشعب العراقي من بطشه وظلمه ولم يتدخل إلا حين تغيرت موازين القوى وتعرضت المصالح الإستراتيجية والأمن القومي للقوى الكبرى للخطر وذلك بعد غزو النظام السابق دولة الكويت 1990 وما تبعه من قرارات مازالت حتى اللحظة سارية المفعول رغم عدم مسؤولية الشعب العراقي عن أسباب او تبعات ذلك الغزو البربري لكنه وحده دفع الثمن وكانت مسؤولية المجتمع الدولي ومنه الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وبقية الهيئات والمنظمات الأممية هي تنفيذ القرارات المترتبة حيال العراق وآليات تطبيقها وتنفيذها في وقت كان العراق ومايزال في أمسِّ الحاجة إلى مساعدة المجتمع الدولي بكافة هيئاته والوقوف الى جانبه في أوضاعه المأزومة ذات الطابع المستديم ...
المشهد العراقي ما يزال يعيش أحداثا لا تقل خطورة عن أحداث 11 / أيلول سبتمبر إن لم تكن تفوقها خطورة وعلى مدى سبع سنين عجاف لم يسبقها نظير من ناحية شراسة المعركة الطاحنة وغموض سيناريوهاتها الدولية والإقليمية فضلا عن بعض الأجندات والتوجهات المحلية وفداحة خسائرها البشرية والمادية والتنموية وتأثيرها السلبي على حاضر ومستقبل البلد فإن كانت تداعيات أحداث 11 / أيلول ماثلة للعيان لحد الآن ولها تأثير مباشر على الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية ومازالت شاغلة للاهتمام الحكومي والرأي العام الامريكي رغم كونها القوة العظمى تاريخيا وعالميا والى درجة جعلت الولايات المتحدة أن تفكر بشن \"حرب\" غير مسبوقة على الإرهاب الدولي بالتعاون مع حلف الناتو وبقية حلفائها في العالم باعتبار إن الإرهاب قد خرج عن نطاقاته المحلية ومجالاته التعبوية القطرية واتخذ الطابع الدولي بدخوله المجال الحيوي المتصادم مع مصالح وأمن الدول العظمى وبقية دول العالم وصار يضرب في كل مكان فالجميع مستهدف، لكن الذي يحدث في العراق له سياق آخر واتجاه مغاير عن الطابع الذي اتخذه الإرهاب في مساراته التي اتخذت من الفضاء الدولي كله ساحة لنشاطاته وهذا ما نجده واضحا في أفغانستان وباكستان وبعض الأماكن التي تتعرض بين الحين والآخر الى بعض الهجمات المسلحة تعتبر \"نشاطات\" جزئية ذات نتائج هامشية بالنسبة لما يحدث في العراق حتى وان كانت أحداثا ذات نتائج كارثية. ان المجتمع الدولي الذي اصطف بقيادة الولايات المتحدة لإسقاط نظام صدام حسين الديكتاتوري الشمولي لم يصطف مرة أخرى بالحماس ذاته والتحشيد نفسه مرة أخرى لمحاربة الإرهاب بالعراق الذي سبب دمارا لا يختلف عن الدمار الذي خلفته جميع الديكتاتوريات التي تعاقبت على العراق إن لم يكن اشد فتكا منه .
هيئة الأمم المتحدة ( وهي منظمة عالمية تضم في عضويتها جميع دول العالم المستقلة تقريباً تأسست سنة 1945 ) باعتبارها المرجعية القانونية الأساس للأسرة الدولية التي تشكل ما يطلق عليه بالمجتمع الدولي الحديث الذي شهد بوادر تأسيسه عام 1648 عندما وقعت معاهدة وستفاليا التي أنهت الحروب الدينية وأنشأت الدولة الإقليمية ذات السيادة القومية ، لم تلعب دورها القانوني والأخلاقي كما ينبغي حيال العراق وضمن مبادئ وأعراف القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة التي حددت المعايير التي بموجبها يتم توصيف بعض أعمال العنف على إنها جرائم ضد الإنسانية مهما كانت هوية الفاعلين وحجومهم والأنساق الأيديولوجية التي بموجبها تبرر الأعمال الإرهابية، فإن ما يحدث في العراق يرقى الى مصاف الإبادة الجماعية او كما توصف بأنها سياسة القتل الجماعي المنظمة عادةً ما تقوم حكومات او جماعات مسلحة ومؤدلجة ، او المذابح المنظمة تنظيما مبرمجا وعلى مستوى اكبر بكثير من إمكانات تنظيم القاعدة أو إن هذا التنظيم الإرهابي هو احد الأذرع الدولية المشبوهة او الإقليمية المريبة الفاعلة في هذا الاتجاه التدميري وان كان أكثرها فاعلية لكنه ليس لوحده في الخندق المعادي للعراق، فقد تحتمت صيغة التشارك في الأهداف المؤدية في النهاية الى إرجاع العراق الى مربع الصفر الى التحالف والتعاون مع عدة قوى وعلى الأصعدة كافة لهذا الهدف...فالذي يحدث في العراق يختلف من ناحية النوع والكم عن ما يحدث في أي مكان آخر في العالم ورغم هذا لم تصل الأحداث العراقية الى عقد جلسة طارئة سواء على مستوى الأمم المتحدة أو مجلس الأمن الدولي لغرض المناقشة والمداولة او لاتخاذ موقف دولي حازم كما حصل في رواندا إبان الحرب الأهلية المرعبة والمجازر التي حصلت هناك بين التوتسي والهوتو(1994 ) أو أثناء الحرب الأهلية في يوغسلافيا السابقة والمجازر الوحشية التي حصلت في البوسنة والهرسك (1996) ولم تشبه كذلك تداعيات إلغاء الانتخابات في الجزائر وما خلفته من مذابح مروعة راح ضحيتها عشرات الآلاف من البشر (1996) وغيرها من الأحداث فما يحدث في العراق يندرج قانونا ضمن الاتفاقية التي وافقت الأمم المتحدة عليها بالإجماع سنة 1948 ووضعت موضع التنفيذ 1951في هذه الاتفاقية، بِمُوجِب المادة الثانية منها: إن الأعمال الإرهابية التي تحدث في العراق تندرج تحت مضمون الإبادة الجماعية التي تعني جميع الأفعال المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو أثنية أو عنصرية أو دينية وغيرها ومع هذا فلم تحظَ تداعيات الأعمال الإرهابية التي تحدث في العراق بأي اهتمام دولي وعلى أي مستوى لمساعدة العراقيين على مكافحة الإرهاب او تجفيف منابعه او للضغط على الدول أو الجماعات أو الجهات الداعمة والممولة والمخططة والمنفذة وصاحبة الدعم الفاعل والمؤدي كتحصيل حاصل الى هذا الدمار الذي مازال مستفحلا وضاربا جميع مفاصل الحياة في العراق كما لم يتحرك المجتمع الدولي الى تقديم المساعدات اللوجستية او التقنية او المعلوماتية أو الاتصالية أو الاستخبارية او الفنية كما هو معمول به في الدول التي تكافح الإرهاب فضلا عن تفعيل المذكرات التي أصدرتها الجهات العراقية المختصة لدى الشرطة الدولية (الانتربول) بخصوص المطلوبين للعدالة العراقية والمتورطين بحسب الأدلة والوثائق الدامغة بأعمال عنف ضد الأبرياء وضد مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية والضغط على الدول التي تحتضن من يلتجئ اليها ممن تنطبق عليهم صفة الإرهاب قانونيا وأخلاقيا وتقديمهم الى المحكمة الجنائية الدولية التي تأسست سنة 2002 كأول محكمة قادرة على محاكمة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم الاعتداء كما يترتب حق للعراق في ذمة المجتمع الدولي كونه ما يزال تحت طائلة البند السابع ومن الواجب القانوني والأخلاقي والإنساني على المجتمع الدولي حماية الشعب العراقي من هذه الهجمة الشرسة والتخلي عن منطق اللامبالاة غير المبرر .
إعلامي وكاتب عراقي [email protected]
أقرأ ايضاً
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- الانتخابات الأمريكية البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الاعظم
- مسؤولية الأديب في زمن الاحتضار.