يقيناً أن الموت فزع ، الفرق بين الخلائق هو لحظة مبتدأ هذا الفزع فقط، فمنهم من يفزع لذكره المجرد و منهم من ينغمر في نزعاته الأخيرة حتى يشرع بالفزع، فارق توقيت يحصد اليوم بالإنابة عن الموت الذي بات يستنكر عـسـف هذا النائب عنه المسدد باسمه .
الوكيل عن الموت بزّ أصل الإماتة فما عاد يكفي أن ينشر فكرة الموت، لم يسترضه إلا الإحتفال به كنوع من الدعوتية.
و بين هؤلاء نتحرك نحن الأصحاء من الذين يخشون الموت إلا أن حياتهم لا يعطلها الإشتغال به، أسوياء يحملون القناعة بالنهاية بلا النهاية نفسها.
هذا فرق ينبغي له أن يميز بين الإنتحاري و الإنسان .
الإنسان هو من يحتمل فكرة موته من دون أن تموت أفكاره و هو يفكر بالموت، أحتمل جداً مصادفة الموت في الطريق و الحياة ليست سوى تفكير بنوعيتها ريثما تأتي لحظة الموت.
أما الإنتحاري فهو ليس إلا راقص رخيص إكتشف الموت غلواءه فقعد يتعجب.
أسوأ ما في الموت هو فكرة إختصار الجدوى منه في شيء يحتمل الجدل ، جدل على مستوى مقهى أو مجتمع باص صغير مثلاً و ثم يجد الإنسان أنه محتمل لفرصة الخروج من الحياة وفقاً لرؤية عصبة تلعب النرد و تعب الشاي و تعمل في قطاع المليشيات بنصف دوام و براتب كامل.
كلنا سنقبل الفناء الصناعي(مليشيا، إغتيال، تفجير إرهابي) بحال ما، شرط أن ندرك منطقاً نموت وفقاً لقوة حجته التي أنكرها الآخر .الفزع هنا كل الفزع أن نموت بلا فكرة نخلفها تخبر كل الذين سيقصّون حكاياتنا ان هذه الفكرة كانت تستحق الموت من أجل الحياة.
ربما هكذا مات عظماء من الذين مارسوا الحياة في التاريخ، موت بثورة واعدة و جدوى بائنة عياناً لا شك فيها ، تتألق في عين المقبل على الموت فتستحيل معه أنفع من الوجود كله، ماتوا وهم منتصرون. أعظم الذين حمل الموت عليهم في التاريخ مازالوا أحياء بفضل فكرة رافقت لحظات الموت. لكن و للأسف فحديثاً ، ماعدنا نذكر أسماء عظمائنا الذين مارسوا الحياة و قبلوا الموت محتملين أن الحياة السليمة هي الرد على من يحمل الموت بائعاً متجولاً .هكذا مات أحمد مؤيد مشكور، قـُتل رمياً بالرصاص صباح شتاء بعد تسجيل بكاميرا رخيصة و إعتراف وقصاص وتكبيرات ثم زعق به أموات حاملو سكاكين ومسدسات و لثام ثم خطا أحدهم فاستأصل حياته تأكيدأً لرسالة الموت الغالب على أتباعه.
صوروا عملية قتله لأنها مباراة بالبشاعة والبسالة دفاعاً عن يقين اسود في ظلماء عقل الملثم .
و هكذا مات” علي جاسم الكعبي “ حين أحتز نصل ميت رأسه فوق حوض قذر للإستحمام في بيت هجره أهله وسط حي راق من أحياء بغداد ، دفعنا بعدها تصوير قطع رأسه للتفكير ملياً في إعتبارات الرقي التي كان يوصف بها هذا الحي و ساكنوه.
صوروا عملية قتله كخروف يخبرنا القصاب أن لحمه طري عبيط أثمن من غيره.
و هكذا مات” حسين اياد قاسم “ كان يبحث عن رزق بمعنى الحياة حين تردد على وزارة المالية مراجعاً يحمل أنفاس طفليه و أملاً بالحياة و كتاب عدم ممانعة ووثائق أخر حين هاجم مجاهد انتحاري ميت يقود عربة ميّـتة مبنى الوزارة ليفجر مطر الموت بين يدي صاحب الحياة ، حسين .
و هكذا مات كثيرون جداً ، أسماؤهم بحجم يأسنا.
الفزع في أن نموت بلا فكرة، هذا النوع من الوجل و الخوف أولى بأن يبجل لأنه زرع إنساني، أما الموت بلا فكرة إلا الموت ، فهو اللاجدوى بعينه، أخشى و أخشى أن أموت و في رأسي فكرة لم أصدرها لعل حياة أخرى غير حياتي تصبح أفضل معها فيغدو موتي غير متأخر ، لكنك يا أيها الإنتحاري أرسخ مني إن كنت حماراً بلا فكرة أو حماراً اكثر إذ جعلت غيرك يفكر و يعيش لتموت على أعتاب فكرته... كم أنت قبيح ايها الموت و كم أنت حسناء أيتها الفكرة.!
أقرأ ايضاً
- ما يميز ثورة عاشوراء خمسٌ على الأقل
- "عاشوراء" منهج واستراتيجية الهية للانسانية لابد من استثمارها .
- لاتخجلو من عاشوراء...