تجابه الصحافة في المجتمعات المنتقلة حديثا الى الديمقراطية تحديات كبيرة لعل من اهمها اعادة ادلجة المجتمع لفهم صيرورة التعبير عن الرأي وقبول الاخر والشفافية، بما يجعلها امام مهمة اعداد منهج ثقافي مستمر لتحويله الى ما يشبه بالعرف المجتمعي.ولتحقيق هدف قبول الاخر ورأيه واحترام الشفافية تجابه الصحافة في العراق الذي ينطبق عليه مصطلح \"بلد حديث الانتقال للديمقراطية\" مصاعب جمة ابرزها عدم اصدار التشريعات التي تدعم حقوق الصحفيين والجهات الاعلامية وعدم وجود نص في الدستور يبيح للاعلام الاطلاع على المعلومات المتوفرة لدى الاجهزة الحكومية المختلفة.ولعل اولى المجابهات في هذه المحنة هي خسارة الجسم الصحفي لاكثر من 275 من العاملين في حقل الاعلام في الاعوام الخمسة الماضية، فيما لايزال مصير عدد من الصحفيين مجهولا في حين احتضنت مختلف مدن المعمورة ثلة من خيرة اصحاب الاقلام العراقية كمنفى لضمان الحياة بعيدا عن التهديدات وتكميم الافواه من قبل بعض المتسلطين والمتحزبين.ان احصاء ما قدمته الصحافة العراقية خلال السنوات التي اعقبت سقوط النظام السابق في مجال التعبير عن الرأي الحر وقبول الاخر وفضح مكامن الفساد قد يكون غير منصف بسبب اتخام الشارع العراقي بضجيج عشرات الاذاعات المسموعة ومثلها القنوات المتحزبة والمستقلة الى جانب ما يقارب 80 صحيفة ومجلة، اذا اخذنا بنظر الاعتبار ما يطرح في تلك الوسائل الاعلامية من مواضيع تعبر عن رأي كاتبها دون خوف او رقيب ،بل ان بعض هذه الوسائل طالبت بجرأة بعد ان شخصت مواقع الفساد باتخاذ اجراءات رادعة ضد المفسدين، وساندت النظام القضائي وتحدت المسلحين والقتلة لايصال الحقيقة عن عقود تنفيذ المشاريع الخيالية والصفقات المريبة التي اتخمت جيوب بعض المسؤولين وهدرت عشرات المليارات من اموال الشعب العراقي.ومع كل ما قدمته الصحافة في العراق في هذا المجال تبقى الحاجة الماسة الى اصدار تشريعات تساندها وتبيح لها الاطلاع على المستندات التي تخص عمل الاجهزة الحكومية لتكون عين المواطن في الدفاع عن حقوقه وتبصيره بما يجري من دون علمه.في هذا المجال ذكر لي رئيس تحرير جريدة صوت المدينة \"فويس اوف فلج\" الاميركية الصادرة في نيويورك انه قطع علاقته الحميمة بصديقه ،بعد ان فازالاخير في احدى الجولات الانتخابية بمنصب عمدة مدينة نيويورك.وعزا رئيس التحرير ذلك في رسالة وجهها الى العمدة المنتخب ،ان العلاقة الحميمة التي تربطهما قد تكون عائقا امام توجيه الانتقاد الى ادارة الولاية او غض النظر امام الرأي العام في مجال تلكؤ اجهزة الولاية في تنفيذ بعض الخدمات ،لذلك وامام مهنية الاعلام وحرية الصحافة فانه كان من اكبر الناقدين لاداء العمدة\"صديقه\"، وكان يجمع الادلة بالوثائق والصور ليفضح قصور تنفيذ الاجهزة الخدمية في الولاية ،الا ان علاقة الصداقة بينهما عادت من جديد بعد تولي عمدة اخر ولاية نيويورك.خلاصة القول ان المجتمع العراقي الجديد في طور الولادة بحاجة الى قوانين ساندة تؤطر توجهاته الديمقراطية لتضع اجهزته على طريق غسل ادران الماضي والفساد والحقد والانانية للوصول الى حب الوطن والدفاع عن ثرواته وترابه.
أقرأ ايضاً
- العراقيون يفقدون الثقة في الديمقراطية
- أعراض مرض الديمقراطية تسبق اغتيال ترامب
- الإبادة الجماعية في غزة ونفاق الديمقراطية الغربية