- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
من أجل العراق: مستقبل يحدوه الأمل والتفاؤل
في الوقت الذي استعد فيه إلى مغادرة بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)، أود أن أوجه كلمة وداع لدولة باتت جزءاً لا يتجزأ من حياتي.
فعندما أفكر ملياً في الثمانية عشر شهراً الماضية، منذ أن توليت مهمتي الرابعة في العراق، أُغادر ويعتريني شعور بالتواضع والفخر على حد سواء؛ التواضع أمام قدرة الشعب العراقي وتصميمه على تجاوز الصعوبات التي لطالما بدت أنها لا تُقهر، والفخر بجهود الأمم المتحدة التي توسعت على نحو ملحوظ خلال العام ونصف العام الماضيين من أجل مساعدة أبناء الشعب العراقي في التصدي للتحديات العديدة التي تواجههم.
كما أنني فخور بالصداقات والشراكات التي كونتها وفريقي مع نظرائنا العراقيين في الحكومتين المركزية وحكومة إقليم كردستان. فقد عملنا معا كي نغير من ديناميكيات العلاقة القديمة التي كانت تربط الأمم المتحدة والعراق والنظر ملياً بما لدينا وإدخال العناصر اللازمة للمضي قُدُماً في الأولويات
واسعة النطاق التي حددها مجلس الأمن. وأشعر بالارتياح لأن الجهود الجادة التي بذلناها سوية ساهمت في أن يتبوأ العراق مكانة جديدة في المجتمع الدولي كدولة ذات سيادة تتمتع بمزيد من الاستقرار في الوقت الذي شهدنا فيه تحولات ملحوظة وغير متوقعة على الصعيدين السياسي والإنساني في العراق .
لقد كان للولاية الجديدة الموسعة، والتي تعد الأكثر شمولية منذ عام 2003 ، أثر كبير على الفترة التي قضيتها في العراق وعلى عمل الأمم المتحدة في البلاد، فضلاً عن الدعوات لمزيد من الحضور والانخراط للأمم المتحدة. وما كان بالإمكان أن تتحقق أي من هذه الأمور لولا مساعدة حكومة العراق والمجتمع الدولي .فقد كانت حكومة العراق منفتحة أمام انخراط أكبر للأمم المتحدة في الوقت الذي أظهر فيه المجتمع الدولي مرونة لتمكين الانخراط اللازم مع العراق بالرغم من الظروف المليئة بالتحديات والصعاب.
وتلقينا الدعم العراقي والدولي للمساهمة في مجالات يُمكن للأمم المتحدة من خلالها إحداث فرق في الحياة اليومية لأبناء الشعب العراقي والعمل بفاعلية
وحيادية كلما كان المجال متاحاً. وتحددت الأولويات الإستراتيجية للبعثة من خلال الحاجة لاستجابة فورية في حالات \"الطوارئ\" كمسألة العائدين أو تقديم المشورة الفنية عندما اقترب \"الموعد النهائي\" لإجراء انتخابات مجالس المحافظات بالاضافة إلى العهد الدولي مع العراق والحوار الإقليمي وحقوق الإنسان ومسائل أخرى ذات علاقة بالدعم الدستوري.
وفيما يتعلق بمسألة اللاجئين والنازحين داخلياً التي تُعتبر من المسائل الملحة في العراق، وقفت الأمم المتحدة على أهبة الاستعداد للمساعدة في تسهيل
العودة الطوعية، وهو أمر ما انفك يحتل طليعة أولويات نشاطات الأمم المتحدة في البلاد رغم التعقيدات التي قد تنشأ نتيجة لعدم معرفة العدد الحقيقي
للعراقيين النازحين داخلياً. ولغاية الآن 70 % من العائدين قدموا ليس من خارج العراق أو حتّى من مناطق أخرى في البلاد فحسب، بل من داخل المحافظة نفسها. إن العودة المأمولة للنازحين تعتمد كثيراً على تحسين المستوى المعيشي في المجتمعات المحلية الفقيرة والفرص المتاحة داخل العراق.
ويُعد موضوع الأمن عاملاً من جملة عوامل عديدة تواجه مسألة العودة إلى العراق. وستعمل الأمم المتحدة ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مع السلطات العراقية لضمان تهيئة الظروف لعودة طوعية كريمة ومستدامة.
خلال العامين المنصرمين، ضاق الشعب العراقي ذرعاً وبشكل متزايد من النزاعات الأهلية فتخلى عن الانقسامات الطائفية وسعى إلى تحقيق
المصالحة بعد أحداث سامراء. وتجد الآن الخلافات طريقها إلى الساحة التشريعية، فيما عبر المواطنون عن تفضيلهم العودة إلى الوضع الطبيعي من خلال التوجه إلى صناديق الاقتراع كما تمارس الحكومة ورئيس وزرائها بشكل متزايد سيادتهما بالإضافة إلى إدارة الدولة بدعم أكثر اتساعا.
وتعكف الدولة العراقية بشكل مستمر على بناء مؤسسات مستقلة وذات مصداقية من بينها مجلس وزراء فاعل وبرلمان جدير بالثقة ومفوضية للانتخابات تتمتع بالخبرة ومفوضية مستقلة لحقوق الإنسان وقوات أمنية عراقية تتمتع بقدرات متزايدة.
ورغم وقوع موجات من أعمال العنف ضد المدنيين الأبرياء كتلك التي شهدناها مؤخراً، فإن الشعب العراقي مصمم الآن أكثر من أي وقت مضى على تحديد مصير بلاده. إن هذه الهجمات ما هي إلاّ محاولات من قبل عناصر أو جماعات منفردة تسعى إلى بث الشعور بعدم الأمان والقلق وزعزعة عمليات الانتعاش الوطني. ويركز العراقيون بشكل متزايد على تحقيق توافق سياسي ينسجم مع أولوياتهم المشتركة وذلك بإبقاء باب الحوار السياسي مفتوحاً .ومن جانبها، ستواصل الأمم المتحدة عملها على مساعدة العراق للحفاظ على ما تم إحرازه من تقدم على الصعيد السياسي مع الاستفادة بشكل كامل من التحسن الأمني.
وفي هذا السياق اقترحت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) مساعدة فنية لوضع عملية تهدف إلى استكشاف كافة الخيارات الممكنة للتعامل مع الملف الحساس لكركوك ومناطق أخرى. ونحن مرتاحون كون المناقشات جارية لبحث التقارير التي قدمتها البعثة.
وسينظر إلى عام 2009 على أنه عام حاسم يقوم فيه العراق باستكمال عمليات انتخابية والتأهب لعمليات انتخابية أخرى محتملة والإحصاء السكاني
وسلسلة من الاستفتاءات الشعبية. وقد كانت الانتخابات أحد البرامج الرئيسة للأمم المتحدة إذ عملت البعثة على مساعدة حكومة العراق والمفوضية العليا
. المستقلة للانتخابات على إجراء أربع عمليات انتخابية منذ عام 2005
ويحمل مستقبل العراق أملاً متزايداً، فإذا تمكن العراقيون من تخطي ونزع فتيل التوترات وشعروا بالتغيير في حياتهم اليومية المتمثل بمكاسب أمنية
مستدامة وتوفير الخدمات الأساسية وعملية سياسية أكثر شمولية، وهذه كلها أهداف واقعية، عندها بالتأكيد سينعم العراق بالازدهار
أقرأ ايضاً
- مستقبل البترول في ظل الظروف الراهنة
- هل جامعاتنا ورش لبناء المستقبل أم ساحات تعج بالمشاكل؟ - الجزء الثاني والاخير
- هل جامعاتنا ورش لبناء المستقبل أم ساحات تعج بالمشاكل؟ - الجزء الاول